26-نوفمبر-2015

عناصر من جيش الدفاع الوطني في بلدة معلولا بريف دمشق (Getty)

"قائدكم إلى الأبد.. أيَ واحد من بيت الأسد"، ذات يوم سمعت هذه النُكتة، التي كانت تثير فينا، نحن المجتمعين خفية، تحت جنح الخوف ضحكات خافتة، تخشى أن يسمعها أحدٌ فيعرف لما نضحك، فنذهب خلف الشمس في رحلة أبدية.

خلف أسوار السجن السوري شبابٌ بعمر الورد يساقون إلى الموت من أجل "واحد من بيت الأسد"

يذهب الخوف قليلًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا لمن وجد أرضًا تأويه بعيدًا عن أذى الحرب، حتى وإن كانت حدودية، فينطلق بنكاته عن الأسد والنظام والشبيحة وغيرهم، نكات لا نهاية لها، كانت تنال منهم، لكنها أصبحت تنال ممن لا يستحق أيضًا. 

خلف أسوار السجن السوري، حيث بقايا الشباب الذي لم يخرج من البلاد لأسباب لا نعرفها، ولا جدوى من سؤاله عنها، شباب بعمر الورد، هم اليوم أسرى داخل سجن سوريا الكبير، الذي يفتك بهم عند الحواجز المُمَوَهَةِ بألوان بزات العساكر، ومرجعياتهم المختلطة، تتربص بِهم على قارعة الطريقِ، كي يساقوا إلى الموت من أجل "واحد من بيت الأسد".

منهج الاعتقال والسوق لشباب لا يملكون أدنى خبرة في الحرب، بقوا في سوريا لأنهم لم يجدوا الحظ في الخروج من جحيمها، ليكون الجحيم الذي ينتظرهم، حربًا يُقتلون فيها بدعوى أنهم أبناء هذا الوطن الذي يجبُ أن يُحمى من قاتليه. تضحكنا جميعًا تلك النكات التي تثار عن أولئك الشباب، نضحك ونحن خلف شاشاتنا، التي تمتلئ بالعبارات الظريفة المخصصة لمن يساق إلى "جيش الوطن".

نضحك متصورين أننا أصحاب قدرةٍ على تخيل موقف كوميدي، لشابٍ يقف عند حاجز الأمن العسكري، يُشتم بشرفه مرارًا، ويسحب من ياقة قميصه التي تقطع مع أول شدٍ عنيف من عنصر جلفٍ إلى "التفييش"، ثم تبدأ حفلة الضرب أثناء البحث عن الاسم، دفتر من عشرات الصفحات والأسماء، التي تتشابه بالضرورة، في بلد صار كل الشعب فيه متماثلًا أمام سلطة القمع، وعنصر يدقق في البطاقة، والبقية يَضربون، ويَشتمون، ثم يكون المصير واحد، وحتى إن لم يجدوا الاسم، سيساق لأنه شابٌ من الوطن!

كل النكات التي تكتب سخيفة أمام دمعة قهرٍ، من شابٍ ستضعه الظروف قريبًا أمام معركة، سيكون أول من يُضحى به فيها، فبئس ما نكتبُ ونقرأُ، إذا كنا نرسم معالم جثة جديدةٍ بضحكتنا التي نبررها بأنها تنفيس اختناقٍ أصابنا من إعياء الحزن على الحال الذي وصلنا إليه. إننا في إطار بحثنا وتصورنا لنوع من الشماتة المحقةِ بشباب يؤيدون النظام أو يعيشون رماديتهم تجاهه، سيكونون أول من تنالهم يد السوق، ننسى آلافًا أخرى، ليست مؤيدة ولا رمادية بطبيعة الحال، لكنها تعيش لحظات خوفها رافضة أن تخرج من بلادٍ لا تريد لقاتلٍ أن يمتلكها.

لنتخلص من حس النكتة قليلًا، ونفكر للحظات بدم هؤلاء الشبابِ الذين سيقوا وسنراهم قريبًا، لا قدّر الله، جثثًا مرمية يصورها البعض على أنها إرهابية، وآخرون على أنها شهيدة فدا الوطن، وقائد الوطن، متناسين جميعهم أنها سيقت لهذا القدر مجبرةً على أن تَقتُلَ أو تُقتل.

غنوا في أيام السفربرلك لشاب اسمه مشعل أُخذ غصبًا للحرب، "عالآوف مشعل آوف مشعلاني .. ماني تبليته هو اللي تبلاني"، دلالة على تبلي العسكر التركي على مشعل، فمن يغني اليوم لشباب سوريا الذين يساقون غصبًا إلى موتِهم، من يذكرهم دون ضحكاتِ نكاتٍ تجتاز أرواحهم وأرواح ذويهم كالرصاص؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

سوريا.. جيش في حماية مكتب الرئيس

الجيوش العربيّة وانتصاراتها الإعلامية