21-سبتمبر-2017

الضوضاء البيضاء/ صوفي بوينو بوتليار

(1)

ليس هناك مرآة لأجعلك تشاهد وجهَكَ وأنت تنظر لوجهي،

لأن بيننا لغة أنظرُ إليك من خلالها مُمَتَّعًا جدًا،

وتنظر لي من داخلك ضمّة أو قبلة أو نصًا،

أكتُبُ من داخلي جملة،

أحتاج فيها فعلًا، لأخدش صدرك، وأنهش صمتك،

ولا أكتفي بالوصف من بعيد.

يخالجني فعل أولٌ بائت ركيك،

لم يفدني كثيرًا في حياتي السابقة،

ولم أكتب به نصوصًا حقيقية. ظلّ حزينًا لأنه لم يدخلني..

وضعته على رفّه السابق دون أن أنظر في عيون كُتّاب آخرين.

هم كتبوا صمتهم، وأنا سأكتب لوحدي صمتي الغريب.

انظر!

أستطيع أن أحرّك التعبير من خلال جملة،

لحظة تفوهي بكلمة صغيرة تختصر ركض العالم سنوات ضوئية،

فأعود بالمجرة خلفي،

وأنتظر التفاتة رحمة من رأسك لرأسي،

فتُخلق المعاني كل مرة في نص جديد.

كثيرًا ما يشتد الحراك بيننا في الأوراق.

حين يتحول العرس الأبيض إلى مشادات لغوية.

تبتدئ دومًا المعركة بلحظة حُنو على رأس الورقة..

هكذا نربت معًا على رؤوس الكلمات.

هي شدَةُ أصابع فقط،

وينزلق الإحساس من صدري كثيفًا نحو صمتك..

لحظتها يتحول النص الصامت إلى مقاتلات بين اللغة والمعنى،

فيصبح المكان بأكمله شَدة ورق،

في حينها سيفتض الشاعر بكارة الصمت بفاحش كلام،

فيتقاطر الدم أسود في الرؤوس، وبين المفردات، وحتى داخل الكلام،

فتجلس اللغة كلها عند باب النص فاتحة صدرها للمعجزات.

أشاهدُك..

ترتفع من لغتي،

كأن اللغة حينهَا..

ضمةُ صوتِك لصمتِي.

(2)

*طبعًا

حين كانت اللغة رابطًا دمويًا بين غرباء،

قررت أن أكتب لأتعرف إلى أبناء دمي

الذين نثرتهم القصص والروايات والقصائد على أعتاب بيوتنا،

في منتصف أسرتنا،

بجانبنا أفكارٌ وتصورات.

حتى كنتُ في أغلب الحكايات بطلًا مرافقًا،

ومرات كنتُ أقتُل البطل؛

لأن البطولة حرب، 

والكتابة حرب،

والقراءة انتصار على الحرب!

**ذات حرب،

كتبتُ نصًا حازمًا ونظيفًا

احترمَ الهوامشَ التي تنام في الأسفل،

لم يضحك، لم يتنفس ولم يتحرك..

كان هناك سلام كبير لا نثر التفتَ لماضيه، ولا شعر قفز في السرد.

لم يدع مكانًا شاغرًا للخيال،

بل صعد من رأسي إلى فوهة الورقة يَبرُق.

أنا وأنت كنا هناك سويًا،

أنا شاعرٌ وأنت صوت الشاعر،

حين كنت واثقًا من أن لا أحد يلازمني في صمتي،

وأن الوحدة اختراعٌ إلهي عظيم،

تطلعتَ لوجهي وقلتَ لي واثقًا من خوفي: نحن متشابهان!

لم أخف حينها، لكني ضممتك بعيني لقلبي.

حقًا لن ينقذنا سوى هذا الشعر.

*هذا جيد إذن،

ففي مقتبل نصٍّ ثانٍ حدث خطأ لغوي انتبه له قراء كثيرون،

حين اصطدم الشاعر بالقارئ، وفكك حزنه، فانتقل المجاز إلى جوار ربه..

تصافحا ورتبا نصًا جديدًا الكاتب وقارئ الكاتب،

في قصيدته ضغط الشاعر على اللغة فانفجرت في قلب قارئها

نصًا آخر،

تتبع الشاعر سطرًا أولًا فثانيًا تطلع للجمل غيرت طباعها،

تركت مكانًا لما لن يحدث أبدا!

تكدس المعنى جهة الخيال وتقدم فعل عاطل عن العمل،

حين قال مجموعة من الغرباء في ذات نفس:

"هذا النص لي"

سمعناها معًا، وأقفلنا النص، وعدنا راجعين.

هنا لن يتذكر النص أبدًا قائله.

حينها فقط،

ربّت الشاعر على جرح تفتح في صدر قارئه،

حيث خدشت الحقيقة خجله القديم،

فنزل الشعر عن مصطبة الخيال كاشفًا عن مساوئ الرجم والقتل والحساب،

حين تطلع في عيون فعلٍ أصاب بنظرةٍ خمسين رأسًا،

كل رأس فرخ نصًا صغيرًا!

عندئذ انسحب النص من أوراقه زاحفًا في صدور القارئين.

يوجد الآن في داخل الشاعر نص وجمهور من المصابين.

حين تطلعَ كل قارئ لحزنه ونام في جملة بمقاس جرحه،

تحولت كل كلمة لضميدة،

وأنت أيها الشاعر، كنت فقط مجرد طبيب.

(3)

الحياة التي رويتُها في سطر كامل، تطلّب عيشها نصًا بأكمله.

حين ننظر في الأشياء الصغيرة، سنعتذر عن المساحات الكبيرة،

لأننا قاتلنا أحجامًا لا تناسبنا.

في حروبنا الشخصية خسرنا كل ما لدينا لنحلم بما قد خسرنا.

سأجلس في الصف الأخير من حياتي، وسأراقب في صمت ما سيحدث لها؛

فلا تدخلني حتى أخرج منك!

في الأخير سننتظر لقاءً وحيدًا،

لنلتقي..

ومحض نص لنفترق.

انظر في داخلي،

ولن يتوقف دائمًا النص،

وسأنظر داخلك،

وسأكتب من جديد!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أشباح العلّية

تلك القُبلات لم تكن عن حب لذا اطمئن في موتك