21-أغسطس-2015

تصاعدت الأصوات في الجزائر داعية إلى تدريس الإنجليزية عوضًا عن الفرنسية (أ.ف.ب)

ما يزال موضوع تدريس تلاميذ الأقسام التحضيرية والابتدائية بالاعتماد على "العامية" أو اللهجة المحلية يثير الكثير من الجدل في الجزائر. وذلك منذ أن كشفت وزارة التربية والتعليم عن عزمها استخدام "العامية" في المدارس في إطار مشروع الإصلاح التربوي. وهو الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام وتفاعل معه المجتمع الجزائري بمختلف طبقاته من مثقفين وإعلاميين وسياسيين وغيرهم، ليتحول إلى حدث الصيف الرئيسي يناقشه الناس لا سيما مع قرب انطلاق السنة الدراسية الجديدة المقررة بداية أيلول/سبتمبر.

جاء تفجير موضوع "العامية" عقب الندوة الوطنية لتقييم عملية إصلاح المنظومة التربوية، التي عقدت في 25 من تموز/يوليو المنصرم، بحضور الوزير الأول عبد المالك سلال وعدد من أعضاء الحكومة. وكان مشروع الإصلاح التربوي الذي انطلق منذ سنة 2003 قد حوّل قطاع التربية إلى أكثر القطاعات اضطرابا بسبب المعارضة التي يواجهها على غرار إضرابات الأساتذة المتكررة سنويًا ولفترات طويلة تصل إلى شهرين. وهو الأمر الذي جعل الجزائريين يتابعون باهتمام تطورات القطاع، كونه يمس شريحة حساسة جدًا وواسعة.

حوّل مشروع الإصلاح التربوي الذي انطلق منذ سنة 2003 قطاع التربية في الجزائر إلى أكثر القطاعات اضطرابًا

ولطالما أثارت وزيرة التربية الحالية، نورية بن غبريط، منذ تعيينها، الكثير من الجدل بين معارضين لسياستها وقراراتها، ومنهم خاصة نقابات الأساتذة، وبين مؤيدين يؤمنون بقدرتها على إعادة الاستقرار للقطاع وسط قلق أولياء التلاميذ على مستقبل أبنائهم. وتبرر الوزارة قرارها اعتماد "العامية" في سنوات الدراسة الأولى كشكل من أشكال مراعاة بيئة الطفل قبل التدرج في تلقينه العربية الفصحى.

تحول الجدل إلى حرب تصريحات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع أيضا. وهو ما دفع العديد من المسؤولين للإدلاء بتصريحات إعلامية متناقضة لتهدئة الشعب والأولياء خاصة. فكذّب المفتش العام لوزارة التربية الوطنية اعتماد "العامية" في التدريس مؤكدًا تمسك الوزارة باللغة العربية بداية من سنوات الدراسة بالتحضيري وفق قواعدها المعروفة ونحوها وصرفها. 

ومن جهتها أدلت وزيرة التربية بتصريح صحفي نفت فيه اعتمادها قرار التدريس بـ"العامية" قائلة "إن الحديث عن التدريس بالعامية ليس إلا مجرد ضجيج". غير أن الوزيرة وفي جميع تصريحاتها ظلت تدافع عن مقترح "العامية"،  الذي جاء ضمن 200 توصية مرفوعة في الندوة الوطنية لتقييم المنظومة التربوية.

ومن أهم تصريحات بن غبريط، قولها مؤخرا إن "المختصين والبيداغوجيين قد أجمعوا على أن تطوير كفاءات التلميذ في المراحل الأولى من التعليم ممكن باستعمال لهجته الأم".

وصرح الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، في 20 آب/أغسطس، أي قبل أيام قليلة من انطلاق السنة الدراسية الجديدة أن اللغة العربية "مرجعية دستورية" و"مبدأ تم الفصل فيه نهائيا"، وذلك خلال زيارته لقسنطينة، عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015، في محاولة لإنهاء الجدل القائم. وأكد سلال أن الموضوع لا يتعدى أن يكون مقترحًا ولا يجب الخلط بين  اجتهادات بيداغوجيين وأساتذة وقرارات الدولة.

في سياق متصل، تقول إحدى المعلمات لـ"الترا صوت" أن "القرار ساذج فمنذ زمن ونحن نستعمل "العامية" في شرح الدروس بدل العربية الفصحى لتسهيل الفهم وهذا مستخدم في المراحل الابتدائية وحتى سنوات متقدمة من التعليم المتوسط والثانوي".

تبرر وزارة التربية الجزائرية قرار اعتماد العامية في سنوات الدراسة الأولى كشكل من أشكال مراعاة بيئة الطفل

ويعتبر المعلمون أن الوزيرة نجحت في شغل النقابات وتأليب أولياء التلاميذ عليهم من خلال هذا الموضوع، ومن المتوقع أن لا تلوّح نقابات الأساتذة بأي إضراب مع بداية العام الدراسي بعدما وجدت نفسها متهمة من قبل جزء من الشعب بالتركيز على المطالب المالية وتجاهل قرارات الإصلاح وموضوع "العامية" الذي يهدد أبناءهم.

في الأثناء، أخذ البعض الموضوع بجدية أكبر واعتبروه تهديدًا للهوية الجزائرية ومساسًا بمقومات الدولة، حسب تعبيرهم. ووسعوا نشاطهم عن طريق حملات استنكار ورفض للمقترح ودعوات للدفاع عن اللغة العربية ومهاجمة الوزيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تخلوا هذه المواقع طيلة أشهر الصيف من الطرافة والتهكم من خلال نشر ترجمة لبعض النصوص في كتب تلاميذ الابتدائي إلى العامية الجزائرية باستخدام مصطلحات غريبة ناتجة عن محاولة تعريب بعض الكلمات الفرنسية بطريقة ساخرة.

وطالب البعض باستقالة وزيرة التربية مستندين إلى ما اعتبروه إهانة اللغة العربية وسعيًا لتحطيم هوية الجيل الجديد من أبناء الجزائريين. وتعرضت بعض الصحف والمواقع الالكترونية الجزائرية إلى إشاعة حول استقالة الوزيرة في بداية شهر آب/أغسطس الحالي قبل أن تنفي الوزيرة الإشاعة عبر صفحتيها على فيسبوك وتويتر.

وفي خضم كل هذا، تصاعدت دعوات إلى التركيز على تدريس اللغات الأجنبية للأجيال القادمة بدل الانشغال بمقترح "العامية" مطالبين باستبدال اللغة الفرنسية التي تدرس للتلاميذ في المرحلة الابتدائية باللغة الإنجليزية كونها الأكثر استخدامًا على المستوى العالمي والتحرر من عقدة التبعية للغة المستعمر.