22-أغسطس-2016

محاولة منع المهرجان في صيدا تشبه ممارسات سابقة في محافظات أخرى(راتب الصفدي/الأناضول)

تحاول صيدا أن تتعافى من "الظّاهرة الأسيرية"، التي أنهاها الجيش اللبناني في 23-24 حزيران/يونيو من العام 2013. الأسير، قبل القضاء على حركته، شكّل حالةً فرضته على السّاحة اللبنانية، لا الصّيداوية الجنوبية فقط، فتمدّد إلى طرابلس، صلّى في كفرذبيان، ودعم المظاهرات في بيروت-الطّريق الجديدة.

لصيدا طابعٌ خاص، نجحت المجموعات الدينية بفرض أعرافٍ خاصةٍ تقدّمت على القوانين المدنية، فالمشروبات الكحوليةٌ ممنوعةٌ مثلًا

نجح أحمد الأسير يومها، إبّان تنامي حركته بإحكام القبضة على القرار الصّيداوي، تجاوز من حيث السيطرة، القيادات والشخصيات الأخرى في المدينة، كالنائب بهية الحريري، أو الجماعة الإسلامية التي وجدت نفسها مضطرّة للسير خلف الأسير، إضافةً إلى عبد الرحمان البزري وأسامة سعد. أغلق الأسير طريق صيدا-بيروت الداخلية، وعزل المدينة عن محيطها، أصبح الوجه الديني الأكثر بروزًا على الطابع العام في صيدا، أي أن أي حديث عن مهرجانٍ أو حفلةٍ فنّيةٍ كان يعدّ ضربًا من الخيال.

اقرأ/ي أيضًا: من أحلام جنوب لبنان.. دراجة نارية

أصوات الباعة على العربات في السّوق القديم، رائحة الصّابون، زحمة الناس والمقاهي البحرية، مشاهدُ تستوقف من يزور صيدا، فبين المقاهي الشّعبية والمقاهي الفاخرة حائطٌ فاصل. "صيدا بدها تعمل حفلات؟ إي جاية مادونا كمان!"، يقول عبد، سائق التّاكسي، قبل أن يدرك أن الحديث عن مهرجانٍ فنّي في صيدا ليس مزحة، بل خبرًا منتظرًا، تبدو على عبد المظاهر الدّينية، لحية بيضاء كثّة، جبينٌ طُبع بفعل الصّلاة، يمتعض عبد من فكرة استقبال المدينةِ لحفلٍ غنائي ويقول: "صيدا إلها خصوصيتها، مدينة خرّجت علماء دين ومجاهدين، وملتزمة بنمط مجتمعي يغلّفه الدين"، وعن ردّة فعله، اجتمع عبد مع "أبي عمر"، بائع "الكعك" بالزعتر، فالرّجلان أكّدا رفضهما الحفل، أما عن ردّة فعلهما، فكما قال أبو عمر:"ما فيي أعمل شي، القانون معهم، بس أنا ما بحضر".

لصيدا طابعٌ خاص بالفعل، نجحت المجموعات الدينية بفرض أعرافٍ خاصةٍ تقدّمت على القوانين المدنية، فالمشروبات الكحوليةٌ ممنوعةٌ في المدينة. حاول البعض فتح محالٍ للكحول، في محاولةٍ لكسر الحظر المفروض، لكن سرعان ما أُقفِلت المحال بعد تفجيرها أو إرسال رسائل تهديد.

التضييق على الحريات سبق فترة أحمد الأسير، في صيدا، فما فعله الرجل هو تزيين المشهد ببرقع أسود، وانساقت بعد ذلك السلطات المحلية

اقرأ/ي أيضًا:  أناشيد دينية بألحان علي الديك!

التّضييق على الحريات سبق فترة أحمد الأسير، في الحقيقة، فما فعله الرّجل هو تزيين المشهد ببرقعٍ أسود، وانساقت السّلطات المحلّية، أي بلدية صيدا والبلديات المحيطة، للمطالب الأسيرية حتّى وصل الأمر برئيس بلدية عبرا، إلى فرض منع التّناول العلني للطعام في شهر رمضان، علمًا وأن عبرا تعتبر قريةً مختلطةً بين المسلمين والمسيحيين، والقانون اللبناني يكفل حرّية المعتقد، أي لا توجد أي مادّةٍ قانونيةٍ تسمح لأي شخص بفرض هكذا تدابير أو إجراءات.

بحسب المعنيين، المهرجان الفنّي السياحي مستمر رغم الاعتراضات، وحسب قول حسام، أحد شبّان المدينة، والذي يملك متجرًا للملابس فإن "المهرجان سيعيد لصيدا بريقًا فقدته بسبب المرحلة الماضية وسيحرّك العجلة الاقتصادية"، أما مايا فتؤكّد أنهم "كشباب وشابّات من أبناء صيدا يتحضّرون للمهرجان والمشاركة فيه، فصيدا مدينةٌ تحتضن الجميع، من مختلف المذاهب والأفكار والمعتقدات"، وتشير بإصبعها إلى مجسّمٍ وضع قبالة الشّاطئ، يحمل عبارة "I love Saida"، لتبتسم وتجزم أن حبّ صيدا يجمع جميع أبنائها، بمهرجانٍ أو من دونه.

محاولة منع المهرجان في صيدا تشبه إلى حد بعيد تصرفاتٍ مورست في مناطق أخرى، فالبلديات ومن خلفها الأحزاب، تسعى لفرض فيدراليةٍ مناطقية ومجتمعية، مع أن القانون النّافذ يتقدّم على الأعراف، فمثلاً في زوطر الشّرقية، من قرى النبطية، مُنع منظمو المهرجان من عقد حلقات الدّبكة، في جبشيت، من قرى النبطية أيضًا، مُنع الاختلاط، ومن يدري، قد يُمنع الحجاب أو يفرض في بلدياتٍ أخرى لاحقًا، مع أن المزاج الشّعبي ينجح في كلّ مرّةٍ في تقويض الإجراءات وإلغائها.

اقرأ/ي أيضًا: 

صيدا.. "هدوء نسبي" في بوابة الجنوب

مافيا النقل في لبنان.. طُرُق ارتزاق ملتوية