15-مايو-2018

صونيا مع السينوغرافي بخاري هبّال

ألترا صوت - فريق التحرير

بقي المخرج المسرحي في الجزائر، ما بين منتصف العشرينيات ونهاية سبعينيات القرن العشرين، يجد صعوبةً بالغةً في تدبّر ممثّلات يُؤدّين الأدوار النّسائية، فيلجأ أحيانًا إلى تكليف ممثّلين بذلك، بالنظر إلى ندرة الممثلات، بسبب النظرة الاجتماعية، التي كانت سائدة حينها إلى ممارسة المرأة للفنون.

لاقى المسرح الجزائري، بين منتصف العشرينات ونهاية سبعينات القرن العشرين، صعوبةً بالغةً في تدبّر ممثّلات يُؤدّين الأدوار النّسائية

لقد كان هذا المعطى الاجتماعي، سببًا في كون معظم الممثلات والمغنّيات الجزائريات حملن أسماء مستعارة، حتى يُجنّبن أسرهنّ "عار" شهرتهنّ الفنّية. الشّيخة الرّيميتي ـ الشّيخة الجنّية ـ ثلجة ـ نورة ـ زليخة ـ شريفة. ولم يتحلحل هذا الواقع إلا مع انتشار سلطتي التّلفزيون والتّعليم في البلاد، نهاية العشرية الثّانية من الاستقلال الوطني.

اقرأ/ي أيضًا: محمد لحواس.. أن يلعب الممثّل دوره مضاعفًا

كان التحاق سكينة مكيو، التي عُرفت اختصارًا بـ"صونيا"، تماشيًا مع السّلطة المفروضة للاسم المستعار، بالمشهد المسرحي عام 1970 إضافةً نوعيةً له، من زاوية جرأتها في مواجهة المجتمع الجزائري بخيارها الفنّي، ومن زاوية طاقتها في التّمثيل، حيث لفتت الانتباه إليها، فلقّبت بـ"لبؤة الرّكح". بالموازاة مع زواجها بشاعر العامّية أحمد فؤاد نجم، الذي اختار مع شريكه الشّيخ إمام الجزائر منفى له، قبل أن ينفصل عنها ويعود إلى مصر.

ظهرت هذه الطّاقة من خلال عروض مفصلية في تاريخ المسرج الجزائري، الذي لم يهادن النظام السياسي القائم، وواكب التحوّلات المختلفة، التي عرفتها اللحظة الجزائرية. بل إنّ بعض العروض استشرفت تلك التحوّلات وما نتج عنها من ثمار في التّفكير والسّلوك. من تلك العروض التي أبدعت فيها صونيا، التي تخرّجت من معهد الفنون الدرامية عام 1973 مسرحية "لنعبر العالم الذي عبرنا" إلى جانب نجم الفكاهة لاحقًا محمد فلاق.

مع نهاية ثمانينات القرن العشرين، حيث أقرّت التعدّدية السّياسية والإعلامية في البلاد، بموجب دستور شباط/فبراير 1989، بادرت نخبة من المسرحيين المكرّسين بتأسيس أوّل فرقة مسرحية حرّة حملت اسم "القلعة". وكانت صونيا من تلك النّخبة، التي منحت المسرح الجزائري أنفاسًا جديدة، من خلال جملة من المسرحيات، التي تحوّلت إلى أيقونات. منها "العيطة" و"الشّهداء يعودون هذا الأسبوع" المقتبسة عن قصّةٍ للرّوائي الطّاهر وطّار.

هجم خيار العنف والإرهاب على المشهد الجزائري، مطلع التّسعينات، فكان الفنّان المسرحي في طليعة ضحاياه، حيث تمّ اغتيال وجوه بارزة مثل عبد القادر علّولة وعزّ الدّين مجّوبي، ممّا دفع بكثير من المشاريع المسرحية إلى الاختفاء أو التقوقع، منها مشروع مسرح "القلعة". غير أن صونيا ظهرت في أكثر من عرض مضادّ في خطابه لخطاب الموت، مثل عرض "حضرية والحوّاس" للمخرج مصطفى عيّاد.

مع الألفية الجديدة، عادت صونيا إلى الواجهة أكثر بصفتها مخرجة مسرحية هذه المرّة، فقدّمت عروضًا تعاملت فيها مع نخبة جديدة من المسرحيين، استطاعت من خلالها أن تكرّس ملامح مختلفة للمسرح النّسوي، الذي بات له مهرجان خاصّ به في مدينة عنّابة كانت المشرفة عليه، بالموازاة مع إدارتها لمسرح المدينة.

مع الألفية الجديدة، عادت صونيا بصفتها مخرجة مسرحية، واستطاعت أن تكرّس ملامح مختلفة للمسرح النّسوي الجزائري

يقول السّينوغرافي بخاري هبّال، الذي تعامل معها في أكثر من عرض مسرحي بعد عودتها، منها عرض "الجميلات" إن صونيا جمعت بين تجربتها في التّمثيل وخبرتها في التّعامل مع كبار المخرجين وتكوينها المعرفي في فنون المسرح، لتكوين رؤية إخراجية خاصّة بها، "فهي لم تكن تمارس الإخراج المسرحيّ للتّنسيق بين عناصر العرض، بل كانت تسعى إلى خلقها أصلًا". يضيف محدّث "الترا صوت": "لقد كان شركاؤها في العرض في الجوانب السّينوغرافية والموسيقية والصّوت والإضاءة، يبذلون من الجهود والتّفكير ضعف ما يبذلون مع غيرها من المخرجين. في المقابل كانوا يجدون من متعة العمل وتثمين الجهد مادّيًا أضعاف ما يجدونه في عروض يشرف عليها مخرجون آخرون".

اقرأ/ي أيضًا: أحمد رزّاق.. في هموم المسرح الجزائري

صارعت صونيا السّرطان، الذي اضطرّها إلى الاختفاء عن المشهد المسرحي شهورًا، ثم مغادرة الحياة صبيحة اليوم الإثنين، "وسوف لن تصارع التّاريخ ليحفظها في الوجدان والأذهان، لأنها تملك الرصيد الإنسانيّ والفنّيّ، الذي يؤهلها لذلك"، يقول الباحث المسرحي إبراهيم نوّال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح

بوتشيش بوحجر.. ماريشال المسرح الجزائري