"صوت السماء: حكايات عن الحرب والحب" لسمير الزبن.. صورة بانورامية للحرب السورية
12 أكتوبر 2025
جاءت رواية "صوت السماء.. حكايات عن الحرب والحبّ" للكاتب سمير الزبن، الصادرة حديثًا عن دار لاماسو للنشر والتوزيع في السويد (2025)، في جزئين من القطع المتوسط، ويزيد عدد صفحاتها على 1300 صفحة، ما يعكس ضخامة مادتها السردية وغناها بالتفاصيل والتجارب الإنسانية العميقة المستمدة من واقع الحرب.
تحاول الرواية رسم صورة بانورامية للحرب الطويلة التي شهدتها سوريا على مدى ثلاثة عشر عامًا من القتل والقسوة، والتي أسفرت عن ملايين الضحايا من شهداء وجرحى ومعتقلين ومشرّدين. وهي حرب يصعب الإحاطة بها في عمل أدبي واحد، إذ تحتاج إلى عشرات، بل مئات الأعمال لتناول كامل أبعادها.
تعالج الرواية التقاطع الفلسطيني-السوري، وتستعرض التأثيرات المدمّرة للحرب على البنى الاجتماعية في مناطق سورية متعددة. كما تُبرز الآثار النفسية والمعيشية العميقة التي خلّفتها الحرب في شخصياتٍ تنتمي إلى أجيال مختلفة، وكيف بدّلت الحرب مسارات حياتهم باتجاهات لم تخطر ببالهم. إنها آثار الحرب على أناس لم يكونوا أطرافًا فيها، بل كانوا ضحاياها؛ ودائمًا ما يدفع الأبرياء الثمن الأكبر في الحروب التي لم يختاروها.
تتناوب شخصيات الرواية على سردها بألسنتهم، هم أفراد عائلات فلسطينية تنحدر من الجدين الذي تفتتح الرواية بحوار بينهما، تقيم الشخصيات في مخيم في جنوب مدينة دمشق. ويُجبرهم قصف الطيران السوري على المخيّم على طرح سؤال مصيري: الرحيل أم البقاء؟ لتستعيد بذلك الرواية تجربة اللجوء الفلسطيني الأولى عند جيل الكبار، وتستكمل فصولها الجديدة من خلال سرد الحكايات الموجعة عن الحرب، والمعاناة، والتشريد المتجدد، عند الكبار والصغار من شخصيات الرواية.

مقاطع من الرواية
"أمَّا الموت جوعًا فهو موتٌ بطيءٌ قاسيٍ، لا شيء خارجيٌّ يدمِّر أجزاءً من الجسد، الجسد يضعف، يخبو، يهبط، يسقط، ينهار، ويتوقَّف عن القدرة على حمل ذاته، فلا شيء يمدَّه بالقوَّة، يأكل نفسه، إنَّه أبشع أنواع الموت. في جنازة الأخرس، كنا جائعين نشيّع جائعاً قتله الجوع، ننظر إليه وكأنَّه مصيرنا بعد أيَّامٍ إذا لم نجد ما نأكله. بعد أن نقلنا جثَّة الأخرس ودفنَّاه في المقبرة الجديدة، بقيت أهجس بصورته التي لم تفارقني، أصبحت أتفقَّد جسدي بين الحين والآخر، أنظر إلى نفسي بالمرآة في البيت كلَّ ساعة تقريبًا، لا لأرى نفسي، بل لأعرف كيف شكل جسدي الهزيل وهل يشبه جثَّة الأخرس التي لا تريد مغادرة رأسي؟".
"مع اختفاء أبي، شعرت أنَّ سقفاً يحميني تحطم فجأة وبتُ في العراء. لم أعد قادرة على تحمّل المزيد من الخسارات، والخسارات الكبيرة لا تتوقف عن لطمي المرة بعد الأخرى. كان اختفاؤه صعباً، لا أعرف، هل هو حيٌّ أو ميَّت؟! وإذا كان حيَّاً، أي حياة يعيش، وفي أيّ ظروف، هل فقدَ الذاكرة؟ هل اعتقل؟ هل جنّ ولم يعد يعرف أين يذهب؟ هل مات؟ وإذا مات، هل وجد مَنْ دفن جثَّته، أم بقيت في العراء؟ هل اتكأ على جدار في زاويَّة مخفيَّة، ومات هناك، ولم يعثر أحد عليَّه؟ يخطر لي ألف سؤال أبشع من بعضها البعض بشأن مصير أبي. مع اختفاء أبي، عرفت أن المفقود حالة أصعب من الموت، فالميَّت تعرف أنَّ حياته انتهت، إنِّه بات بين يدي ربه، أما المفقود، تأخذك أسئلة الحياة والموت إلى كل التصورات المرعبة، وترجع خالي الوفاض، سوى من القلق الذي يأكلك".