08-أغسطس-2018

أبو تريكة ومحمد صلاح (يوتيوب)

قبل أيام نشر محمد أبوتريكة، نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر السابق، على صفحته بفيسبوك، وعن طريق الخطأ، منشوراً فارغاً لا يحوي أية كلمة، لكنه لاقى رواجاً كبيراً وتفاعلاً من محبي أبو تريكة، فقام حوالى 25 ألف متابع بإعادة مشاركة المنشور، فيما انهالت التعليقات الطريفة التي كالت المديح للاعب، ولقيت النكات تفاعلاً ورواجًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

رغم اعتزاله كرة القدم منذ سنوات، إلا أن مكانة أبوتريكة في قلوب محبي كرة القدم المصرية، وفي الوطن العربي، لم تتزحزح يومًا 

اعتزل أبو تريكة لعب كرة القدم قبل نحو أربع سنوات، لكن مكانته على عرش قلوب محبي الأهلي والكرة المصرية لم تتزحزح يوماً، ولا يزال أمير القلوب بنظرهم. ويحظى "الماجيكو" أيضًا بشعبية في كافة أرجاء الوطن العربي، سواء بسبب مستواه العالي وإنجازاته العظيمة، أو بسبب أخلاقه العالية ومواقفه الإنسانية والقومية وانحيازه للقضية الفلسطينية ومعاناة الشعوب العربية والإسلامية.

اقرأ/ي أيضًا: هذا محمد وذاك محمد.. هل ثمّة فارق؟

في عام 2008 سجل محمد أبو تريكة هدفاً ضد السودان، وخلال الاحتفال بالهدف، رفع قميصه لتظهر عبارة "متضامن مع غزة" على قميصه الداخلي. أثارت اللقطة هذه ردود فعل واسعة، ووجه له "الكاف" إنذارًا بسبب استخدام كرة القدم لغايات سياسية، فيما رحبت شرائح واسعة من المتابعين العرب بموقف أبو تريكة، ووصفته بالشجاع والإنساني، في الوقت الذي كانت تئن فيه غزة تحت عدوان إسرائيلي لا يرحم. لاحقاً أطلقت السلطات في غزة اسم محمد أبو تريكة على ميدان كبير، تعبيراً عن الامتنان والشكر له.

من جهة أخرى، أخبرني صديقي اللبناني، والذي عمل مهندسًا في مصر لعدة سنوات، أنه في العام 2013، قصد أحد المقاهي في القاهرة، لمشاهدة مباراة ميلان وبرشلونة في دوري المجموعات في دوري أبطال أوروبا، لكنه تفاجأ أن المقهى كان يعرض مباراة تشيلسي ضد بازل، وعندما قام بتغيير المقهى وجد النتيجة نفسها، السر يومها كان: محمد صلاح، اللاعب  المصري الشاب الذي كانت الجماهير المصرية تنتظر مباريات بازل السويسري لمشاهدته، والذي أثار إعجاب مورينيو مدرب تشيلسي يومها، فقام بجلبه إلى ستامفورد بريدج، بعد أن سجّل هدفين ضدهم. وانتقل لاحقاً إلى فيورنتينا وبعدها إلى روما حيث قدم موسماً كبيراً رفقة إيدين دزيكو.

 كانت الجماهير المصرية إلى جانب صلاح طوال تلك الفترة، فكانت تغزو صفحات الأندية التي يلعب لها بآلاف التعليقات الداعمة له، حيث كان يختلط فيها المزاح بالجد، فكانت لا تخلو من المبالغات يومها، حيث كانوا يقارنون صلاح بل ويفضلونه على باقي النجوم العالميين. الغزو الإلكتروني الفريد من نوعه لفت أنظار الصحافة العالمية.

انتقل صلاح في السنة الماضية إلى ليفربول، وخلال مدة قصيرة تحول ما كان خليطاً من اللهو والجد، ومن الأمنيات الخاصة، إلى حقيقة، وكأنه حلم جماعي لملايين العشاق تحقق في شخص واحد، أو أن آلاف التعليقات المهللة والممجدة للفرعون المصر، جذبت الفكرة وحوّلتها إلى حقيقة. في نهاية الموسم، توج صلاح بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، وبلقب هدّاف المسابقة، وبات اليوم مرشحاً بقوة لدخول القائمة النهائية للمرشحين بجائزة أفضل لاعب في العالم.

خلال مدة قصيرة استطاع صلاح أن يحوّل الأمنيات الخاصة إلى حقيقة، وكأنه حلم جماعي لملايين العشاق تحقق في شخص واحد

تختلف نجومية محمد صلاح عن نجومية محمد أبو تريكة، ولكل منهما خصوصيتها وظروفها. محمد أبو تريكة هو أمير القلوب، واللاعب الذي أهدى مصر لقبين في بطولة كأس أفريقيا 2006 و2008 ليجعل بلاده تتربع على العرش الأفريقي، حيث كان نجم القريق الأول في النسختين، وفازت خلالهما مصر على منتخبات تعج بالنجوم كساحل العاج والكاميرون.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يُحبون محمد صلاح؟ ولماذا أحبه أنا أيضًا؟

كذلك كان أبوتريكة نجم المباراة الشهيرة التي خسرتها مصر أمام البرازيل بأربعة أهداف مقابل ثلاثة مصرية في كأس القارات 2009، حيث أبهر الجميع بمستواه يومها. أما على مستوى الأندية، فأبو تريكة هو أسطورة النادي الأهلي، وأهدافه الحاسمة لا يمكن أن تنساها جماهير النادي، ولا تزال متداولة حتى اليوم، وخاصة هدفه الحاسم ضد الصفاقسي التونسي في نهائي دوري أبطال أفريقيا 2006 في الدقيقة 92 في صفاقس، بعدما كان التونسيون على بعد خطوة واحدة من التتويج.

في المقابل، فإن الجماهير المصرية لم تتابع محمد صلاح كثيراً مباشرةً من مدرجات الملعب، بسبب احترافه المبكر. وبالرغم من أنه هو من قادهم إلى مونديال روسيا 2018 بعد غياب دام 28 سنة، ليجلب الفرحة لملايين المصريين والعرب، فإن قلة من عشاقه هي من تسنّى لها مشاهدته مباشرة من على المدرجات. ومع ذلك، فإنّ جمهوره الإلكتروني، لا يوفّر فرصة لدعمه من خلال التصويت له للفوز بالألقاب الفردية التي تخضع لرأي الجمهور، الأمر الذي يساهم في تحويل صلاح أكثر فأكثر إلى حالة يتحدث عنها الجميع.

الجماهير التي تابعت مسيرة صلاح منذ أيام بازل، وخاصة الناشئة، يشعرون أنّه واحد منهم، وبالتالي يرون فيه مثلهم الأعلى، كل طفل يحب أن يصبح محمد صلاح، وكل أب أو أم يحبان أن يكون ابنهما محمد صلاح جديدًا. تواضع صلاح وبساطته، والتطور الملحوظ لمستواه مع الوقت –بعكس النجوم الذين يظهرون مواهب خارقة في سن مبكرة– تعطي الانطباع بأن الاجتهاد والمثابرة قد توصلك إلى المجد، وبهذا المعنى فإن محمد صلاح هو القدوة، النموذج والحلم.

أما أبو تريكة فهو حالة أكثر تعقيداً، وإذا كان الجمهور المصري يجمع على حب محمد صلاح، خاصة وأنه لم يلعب للأهلي أو الزمالك، الأمر الذي ساعد في هذا الإجماع، فإن أبو تريكة هو الأهلاوي الذي يحبه جمهور الزمالك، وهو صاحب المواقف التي تعرضّه للكثير من المضايقات، وأبرزها حرمانه من المشاركة في جنازة والده في عام 2017. ومع ذلك يحبه حتى أكثر المطبلين للنظام تطرفاً. ما قدمه الماجيكو لمصر وللكرة المصرية، ومواقفه المؤيدة للقضايا العربية والإسلامية المحقة، وتواضعه وأخلاقه وطريقة لعبه، كل ذلك كرّس له مكانة لا تمس في قلوب عشاقه.

إذا كان محمد صلاح هو القدوة والمثال الأعلى للناشئة، والرجل الذي يٌشعر الصبية بأن الأماني ممكنة، بالرغم من أن ما وصل إليه لم يصله أي لاعب عربي من قبل، فإن أبو تريكة هو الرمز، وهو الأسطورة المحاطة بالهالة، فتشعر أنه لن يتكرر، لفرط بساطته وسنائه وتألقه واستثنائيته، وبسبب تغير كرة القدم وتحولها لمادة استهلاكية أكثر فأكثر.

إذا كان صلاح هو القدوة للناشئة والشباب، فأبو تريكة هو الأسطورة المحاطة بالهالة، والرمز الذي لن يتكرر بسهولة

رمزية أبو تريكة صنعتها حناجر الجماهير في استاد القاهرة الدولي وبرج العرب واستاد الكلية الحربية، وخاصة مع الهتاف الشهير: "أوو أووو ياي ياي يا تريكة"، هو عشق قائم على التواصل الأسبوعي المباشر، في زمن الكرة الجميل، والملاعب الممتلئة عن بكرة أبيها. الاحتفال بالأهداف مع الجماهير، والرقص والطبل والزمر، والملصقات العملاقة، ومباريات الديربي الشهيرة، والألقاب والتتويجات، والهيمنة على أفريقيا.. إنه زمن لا يمكن أن يتكرر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يعود أبو تريكة إلى القاهرة؟

محمد صلاح.. طريق المجد فينا