01-يونيو-2023
انسحاب صلاح الدين دميرطاش سيلقى بضلاله على المشهد التركي(GETTY)

الاستقالة جاءت بشكلٍ غير متوقع من قبل صلاح الدين دميرتاش (GETTY)

تتواصل تداعيات نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على المشهد السياسي التركي، فبعد دعوات  الاستقالة لمرشح المعارضة السابق للانتخابات الرئاسية كمال كليجدار أوغلو من رئاسة حزب الشعب الجمهوري، والحديث المتزايد عن الاقتراب من نهاية تحالف المعروضة المعروف باسم "الطاولة السداسية"، خرج الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، في تغريدة عبر تويتر، من أجل إعلان اعتزاله العمل السياسي.

انسحاب دميرتاش من العمل السياسي، يُعد من أبرز التحولات في صفوف المعارضة التركية

وكتب دميرتاش: "أعتذر للشعب من كل قلبي لعدم قدرتنا على وضع سياسات تليق بطموحات شعبنا"، وأضاف "أشكر جميع الذين قدّموا الانتقادات البنّاءة إليّ، وسأعمل على الاستفادة منها. سأستمر بالكفاح مع رفاقي في السجن، وسأترك العمل بالحياة السياسية الفاعلة بدءًا من هذه المرحلة"، وختم تغريدته بالقول: "أبعث بتحياتي الرفاقية، ومحبتي إليكم جميعًا وأعانقكم جميعًا بشوق. آمل أن أراكم في أيام حرة قريبًا".

رسائل الاستقالة

وتشير تقديرات تركيا إلى أن استقالة دميرتاش تحمل عدة رسائل، في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية التركية، التي جاءت على عكس توقعات المعارضة، فقد بينت أن الصوت الكردي لم يعد حاسمًا في الانتخابات، ولم يكن كافيًا لهزيمة أردوغان.

ويعتبر "الصوت الكردي" في تركيا حاسمًا، نظرًا للقاعدة الشعبية المسيسة والتي تمتلك القدرة على ترجيح كفة متنافس على حساب آخر، لكنها تشتت بعد تحالف مرشح المعارضة كليجدار أوغلو مع حزب النصر القومي المتطرف وزعيمه العنصري أوميت أوزداغ، وهو تحالف نتج عنه غضب الأحزاب القومية.

وبطت تقديرات أخرى الاستقالة، في تداعيات هزيمة المعارضة التركية "غير المتوقعة"، بالترافق مع مطالب بإجراء تغييرات حاسمة داخل حزب الشعوب الديمقراطي، الذي خسر من قوته الانتخابية، خلال الانتخابات البرلمانية التي عقدت في 14 أيار/مايو، فقد تحصل على 8.81% من أصوات الناخبين، أي ما نسبته 61 مقعدًا، تحت اسم حزب اليسار الأخضر، ضمن تحالف أحزاب كردية وتركية يسارية، بينما حصل في انتخابات عام 2018 التي خاضها منفردًا على 11.70% من الأصوات، وفاز بـ 67 مقعدًا في البرلمان.

واعتبرات تقديرات، أن الاستقالة قد تكون موجهةً المرشح الرئاسي عن تحالف "الأمة" المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، الذي رفض الاستقالة بعد خسارته الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية أمام رجب طيب أردوغان، رغم مطالبات من قادة في الحزب وأعضاء فيه بضرورة تقديمه الاستقالة.

يشار إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي لم يشارك بمرشح خاص في انتخابات 2023 كما جرى في انتخابات 2018، ووجه زعيمه المسجون رسالة للمعارضة في نيسان/أبريل الماضي، أكد فيها أن المعارضة الموحدة  لديها فرصة لهزيمة أردوغان، وأعلن دعم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فيما وجهت للحزب انتقادات في الجولة الثانية بعد استمراره في دعم كليجدار أوغلو، الذي توافق مع زعيم حزب النصر القومي المتطرف أوميت أوزداغ.

الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني

يشار إلى أن دميرتاش يتواجد في السجن منذ عام 2016,، ويقضي عقوبة بالسجن لمدة ثلاثة أعوام ونصف، بعد حكم صدر من محكمة تركية في قضية إهانة الرئيس التركي عام 2015، عندما أدلى دميرتاش بتصريحات في اعتبرت مهينة بحق أردوغان، ورئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو.

ويحاكم رئيس حزب الشعوب الديمقراطي في قضية أخرى، حيث وجهت إليه المحكمة مع 36 قياديًا كرديًا من بينهم الرئيسة المشتركة السابقة للحزب فيغن يوكسكداغ، مجموعة من التهم التي تتعلق بـ"الإرهاب"، وتضمنت لائحة الاتهام 38 تهمة، من بينها قيادة "منظمة إرهابية والترويج لها"، وتقتضي هذه التهمة، عقوبةً بالسجن مدى الحياة، غير المشمول بالعفو.

مظاهرات للمطالبة بالإفراج عن دميرطاش

وتتهم السلطات التركية، دميرتاش وحزبه، باعتبارهم واجهة لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض قتالًا ضد الحكومة التركية منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وتضعه الحكومة التركية، بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على قوائم "الإرهاب".

كما حمّلت اللائحة المتهمين بالمسؤولية عن جميع أعمال العنف التي شهدتها البلاد خلال الأحداث المعروفة بـ"أحداث كوباني" باعتبارهم "المحرضين" عليها، والتي وقعت عام 2014، وهي أعمال عنف أسفرت عن مقتل 37 شخصًا في تركيا، عقب اندلاع احتجاجات نظمها أكراد مع مدينة كوباني، ذات الغالبية الكردية الواقعة في ريف حلب الشرقي، إبان هجوم تنظيم "داعش" على المدينة.

مطالبات أوروبية بالإفراج عن دميرتاش

كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومقرها في ستراسبورغ، قد طالبت في عام 2020، بالإفراج عن صلاح الدين دميرتاش، قائلةً: إن "مبررات تركيا لاعتقاله منذ أربعة أعوام بتهم تتعلق بالإرهاب، ليست إلا ستارًا تسعى من خلاله السلطات إلى الحدّ من التعددية والنقاش الديمقراطي في البلاد"، وأضافت المحكمة، إن "حقوق دميرتاش، في التعبير عن الرأي والحرية وغير ذلك من الحقوق، انتهكت"، وتابعت أن "سجنه احتياطيًا بعث برسالة خطيرة لكل الناس، من شأنها تقييد حرية الحوار الديمقراطي، وأن احتجازه كل هذه المدة دون محاكمة هي لدوافع سياسية لا يمكن تبريرها".

وعلى الرغم من أن قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة، فقد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المحكمة بازدواجية المعايير بعد صدور الحكم، قائلًا: إن "دميرتاش إرهابي مسؤول عن مقتل العشرات"، على خلفية اتهامات بصلاته مع حزب العمال الكردستاني المحظور.

كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومقرها في ستراسبورغ، قد طالبت في عام 2020، بالإفراج عن صلاح الدين دميرتاش

بالمقابل، كان مرشح المعارضة كليجدار أوغلو قد أطلق وعودًا بالالتزام بحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، للإفراج عن دميرتاش في حال انتخابه رئيسًا، في مسعى للاستفادة من الوعاء الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي.