02-ديسمبر-2017

تختلط شعيرة صلاة الاستسقاء في المغرب بطقوس شعبية (موقع كيفاش المغربي)

لم تمض سوى بضعة أيام على إقامة صلاة الاستسقاء بالمغرب حتى بدأ الغيث يعم البلاد، مرجعًا البعض الفضل في ذلك إلى هذه الصلاة، التي تداوم المملكة على إقامتها في كل عام، وعلى الرغم من أنها تحضر لدى كافة المجتمعات الإسلامية، بوصفها شعيرة دينية، لكن في المغرب تكتسي مكانة خاصة عند الناس، تتجاوز ما هو ديني محض إلى ما هو ثقافي واجتماعي وسياسي، لتختزن داخلها الهوية التاريخية للمغاربة.

تختلط شعيرة صلاة الاستسقاء في المغرب بطقوس شعبية منها ارتداء الجلابيب بالمقلوب لينقلب حال الطقس وتقدم الأطفال الصغار رفقة ألواحهم القرآنية الصلاة

طقوس شعبية في صلاة الاستسقاء المغربية

كلما ضاقت السماء وانحسر المطر، يتم إعلان إقامة صلاة الاستسقاء رسميًا من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مختلف جهات وأقاليم المملكة، حيث تختلط الشعيرة بالموروثات الثقافية الشعبية التي تميز المجتمع المغربي.

يخرج الناس أفواجًا للصلاة، وبعضهم يعمد إلى ارتداء الجلابيب والقباب والنعال بطريقة مقلوبة، لعل الله يقلب أحوال الطقس، فيتقدم الأطفال الصغار قوافل المصلين من الرجال الذين وفدوا على ساحة الصلاة، وهم يحملون الألواح القرآنية بها آيات تحيل إلى طلب الرحمة من الله، في مشاهد تذلل وتضرع، ولم يكن اختيار الأطفال في الصفوف الأمامية للوافدين عبثًا، وإنما للاعتقاد بأن الصغار لم يذنبوا بعد مما يجعلهم مستجابو الدعوة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون والأمطار.. نحبّك ونكرهك

 

[[{"fid":"97136","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية ","field_file_image_title_text[und][0][value]":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية "},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية ","field_file_image_title_text[und][0][value]":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية "}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية ","title":"الأطفال يتقدمون في صلاة الاستسقاء المغربية ","height":272,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وينظر العقل الجمعي للمغاربة إلى انحباس المطر كعقوبة إلهية وغضباً ربانيًا، يصيب الطائعين والعصاة على السواء، جزاء المحرمات والفواحش التي اقترفها الناس، كما يمكن أن يكون ابتلاء لعباده الصالحين، فيتوجب على الناس المسارعة في طلب المغفرة لكف غضب أو ابتلاء الرب من خلال صلاة الاستسقاء.

وتحفل الذاكرة الشعبية المغربية بالكثير من النصوص الفلكلورية والمعتقدات والتقاليد الشعبية، التي تظهر الحضور القوي لصلاة الاستسقاء في ثقافة المغاربة، رصدها العديد من المؤرخين في كتبهم، مثل فرانسوا ليجي، التي تقول في إحدى مؤلفاتها: "إن هذه الصلاة تقام بأمر من السلطان لاستدرار المطر عندما يكون هناك جفاف كبير، ولأدائها على المؤدين لها أن يصوموا اليوم كله، وأن يخرجوا حاسري الرؤوس وحافيي القدمين، وعندما ينتهون منها يقومون بلباس جلابيبهم بالمقلوب للإشارة إلى السماء بأن الطقس يجب أن يتغير"، مثلما خصص المؤرخ المغربي، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، قسمًا خاصًا لعلاقة المغاربة بالمطر، في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى".

اقرأ/ي أيضًا: العطش.. الكابوس الذي يهدد سكان المغرب

صلاة الاستسقاء والسياسة

تعود جذور بعض العادات والتقاليد المغربية المرتبطة بالمطر إلى أزمان ضاربة في التاريخ، مثل طقس "تاغنجا" لاستدرار المطر

تعود جذور بعض العادات والتقاليد المغربية المرتبطة بالمطر إلى أزمان ضاربة في التاريخ، مثل طقس "تاغنجا" لاستدرار المطر، وكلمة "تاغنجا" تحيل إلى سيد المطر أو إله الخصب، مما يعني أن الإنسان المغربي ارتبط منذ القدم بطقوس لاستدرار الماء من السماء، كنتاج للظروف الطبيعية القاسية التي عاشها المجتمع المغربي، حيث شهد العديد من المجاعات الماحقة أفنت حياة الكثيرين، حتى بات الجفاف يشكل مصدر رعب للناس، وإن لم تعد تأثيراته في حياة اليوم كما كانت في السابق.

وتذكر فاطمة الزهراء الدبياني في دراسة لها أن المغاربة كانوا يلجؤون إلى أكثر من طقس وممارسة طلبًا لاستنزال المطر، والتي تتقدمها صلاة الاستسقاء بعد وصول الإسلام للمغرب غير أن ذلك لم يحدث قطيعة مع ما كان من طقوس من قبل، كما أنه أضيفت ممارسات صوفية متعلقة بطلب بركة الصلحاء ودعواتهم المستجابة لتتكيف مع الممارسات القديمة.

وعلى صعيد آخر، يذهب البعض إلى أن السلطة تُجاري تصورات المجتمع نحو الطقس والمناخ لأبعاد سياسية، حيث تنقل جريدة "لوموند" الفرنسية في هذا الصدد، أنه "في عهد الراحل الحسن الثاني كان يتم استعمال طائرات خاصة مزودة بتقنيات أمريكية من أجل استحلاب الغيوم، وفي نفس الوقت الدعوة إلى إقامة صلاة الاستسقاء"، كما يتشكك رواد مواقع التواصل الاجتماعي من صدفة هطول المطر مباشرة بعد صلاة الاستسقاء، مرجعين ذلك إلى تقارير الأرصاد الجوية التي تتنبأ بالأمطار مسبقًا.

وذلك لأن لصلاة الاستسقاء رمزية شديدة لدى المجتمع المغربي، سيما القرويين منهم، يبينها الباحث السوسيولوجي محمد الطوزي في كتابه، "الملكية والإسلام والسياسة" بقوله: "إن صلاة الاستسقاء هي أصل من أصول الإسلام الشعبي المغربي".

 

اقرأ/ي أيضًا

الجفاف كابوس الاقتصاد بالمغرب

توقعات.. كوارث طبيعية تُهدد المغرب