07-مارس-2018

صعود جماعات اليمين المتطرف يستلزم مقاومة فعالة (يوري كيرنيشني/ أ.ف.ب)

لا يكفي فهم وتحليل خطابات الجماعات اليمينية المتطرفة، بل يجب الدفع نحو مقاومتها بشكل فعّال، وهو ما يطرحه مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، يُزكّي أسلوبًا تنطلق منه هذه المقاومة، تجدون تفاصيله في السطور التالية حيث ترجمة المقال بتصرف.


في حين أن التقارير التي تتحدث عن بريطانيين يجندهم النازيون الأوكرانيون الجدد للقتال في حرب ضد روسيا، تبدو مبالغًا فيها إلى حد ما، إلا أن هذا هو الوقت الذي يجب في الانتباه إلى تزايد الكراهية، والالتفات إلى أن اعتبارها مجرد ظاهرة محلية يعتبر إغفالًا للصورة الأكبر.

الاختلاف بين روسيا واليمين الأوكراني تكتيكي وليس إستراتيجي، فكلاهما لديه نفس القيم المتمثلة في الرأسمالية القائمة على المحسوبية

إذا نظرت إلى الحرب التي تشنها روسيا، وبعد سنوات من إراقة الدماء، فستجد إشارات ثابتة إلى الإعياء والإنهاك الأوكراني في معظم وسائل الإعلام الغربية. ومع ذلك، إذا كنا نولي اهتمامًا أكبر للصراع بين كييف وموسكو، سنلاحظ عنصرًا مثيرًا للاهتمام في الصراع، وهو أن اليمين المتطرف متورط على كلا الجانبين، وأن قيَم هاتين المجموعتين المتنازعتين متشابهة في العديد من النواحي.

اقرأ/ي أيضًا: بالنسبة لروسيا.. سوريا ليست أوكرانيا

إن أعضاء اليمين المتطرف الأوكراني والروسي مستعدون للقتال حول قضايا مثل إرث الحرب العالمية الثانية، ومن هم الأبطال الحقيقيون. لكنك إن سألتهم عن الإجهاض، أو النسوية، أو الهجرة، أو معاداة السامية، أو حقوق المثليين، أو حقوق الإنسان بشكل عام، أو الشفافية الحكومية والمساءلة؛ فسوف يبدو هؤلاء الأعداء المتقاتلين مثل الأصدقاء، الذين دارت بينهم خلافات صغيرة حول التاريخ والهوية الوطنية، ولكنهم سيسعدون بالتعاون لقمع كل من يقف في طريقهم، في حالة انتهاء الصراع الحالي.

وكما قال محررو صحيفة "Nihilist.li" اللاسلطوية التي تتبع النهج السياسي الذي يتهم الدولة باللا أخلاقية، فإن "الاختلافات بين الكرملين والفاشيين الأوكرانيين تكتيكية وليست إستراتيجية، إذ تتمتع الجماعات اليمينية المتطرفة الروسية والأوكرانية على حد سواء، بنفس القيم ونفس المُثل السياسية، التي تتمثل في الرأسمالية القائمة على المحسوبية".

ويتضح أن الدرس الأكبر الذي يُمكن تعلمه هنا هو أن تجدد ظهور الأيديولوجية اليمينية المتطرفة، التي تنزع إلى تجاوز الحدود، يشبه بالتأكيد ما تفعله المخاوف العملية للجماعات اليمينية المتطرفة، ومؤيديها البارزين. هذا هو المكان الذي يكمن فيه التهديد الحقيقي، لا سيما وأن ذكريات الحرب العالمية الثانية بدأت تتآكل، إذ فقدت تأثيرها العاطفي على الأجيال الشابة.

وتُعد المشاكل التي تواجهها أوكرانيا مع اليمين المتطرف هي نفس مشاكل بريطانيا، وهي نفسها مشاكل بلغاريا، ومشاكل النمسا، بل حتى في نهاية المطاف، هي نفس المشاكل التي تواجهها روسيا، بغض النظر عما يقوم به بوتين من تملق اليمين المتطرف في الخارج وتحييده، فإن الحقيقة تتمثل في أنه لن يستطيع أن يكون متطرفًا بما فيه الكفاية لمواجهة المتطرفين في دولته.

لن يستطيع بوتين أن يكون متطرفًا بما فيه الكفاية لمواجهة المتطرفين في دولته (أ.ف.ب)
لن يستطيع بوتين أن يكون متطرفًا بما فيه الكفاية لمواجهة المتطرفين في دولته (أ.ف.ب)

وفي السعي إلى إيجاد حلول، ينبغي علينا أن نأخذ في الاعتبار المأزق الذي وجدت الولايات المتحدة نفسها واقعة فيه الآن، والذي يتمثل في وجود رئيس عنصري بشكلٍ سافر، يكافئ أي مجموعة يمينية متطرفة طالما أنها تتغنى بالثناء عليه.

وقد أعرب الكثير من مؤيدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الرغبة في دعمه بأي ثمن. إذ يُعين بانتظام العديد من المراسلين من الصحف النخبوية في المدن والمقاطعات التي تمثل "قاعدة" ترامب الانتخابية، من أجل تقديم تقارير مضللة بشأن وجود ملايين الأمريكيين غير المهتمين بكون الرجل الذي انتخبوه ليمثلهم، يعتقد بأن هناك دائمًا "طرفين" في الأحداث المنطوية على أعمال عنف لليمين المتطرف!

وحتى مع استمرار مكافحة الأخبار الزائفة، فقد أصبح واضحًا وضوح الشمس أن الحقائق وحدها لن تصل إلى هؤلاء العنصريين والمصفقين للعنصرية؛ لأن دعم ترامب يأتي من مكان يختلف كليًا عن المكان الذي نجمع فيه الحقائق ونحللها. وكما قال عالم اللغويات جورج لاكوف، فإن النظرة العالمية الأخلاقية الهرمية للمحافظين، تؤثر على الدعم بدرجة كبيرة، وقد يُترجَم هذا إلى دعم لأشد أشكال العنصرية التي توصم بها الإدارة الحالية.

كما أن إحراز اليمين تقدمًا في دول ما، يُشجع اليمين في الدول الأخرى على الازدهار. ومن المحتمل أن يستمر هذا الاتجاه في التصاعد، ويعزو إلى ذلك السبب في أن سفر اثنين من البريطانيين إلى أوكرانيا للقتال جنبًا إلى جنب مع النازيين الجدد، مثّل أمرًا مثيرًا للاهتمام وجديرًا بالملاحظة.

تطوّع بريطانيون للقتال في صفوف النازيين الأوكرانيين الجدد (رويترز)
تطوّع بريطانيون للقتال في صفوف النازيين الأوكرانيين الجدد (رويترز)

وبالإمكان طبعًا مناقشة هذا المأزق المتعلق بصعود اليمين المتطرف، وبالطبع مع الأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية. ولكن من المهم أيضًا أن يوضع في الاعتبار إدراك بسيط، وهو أنّ الرابطة بين أعضاء الجماعات اليمينية المتطرفة، يمكن استغلالها بشكل عكسي، ففكرة الانتماء لشيء مُشترك يُمكن استغلالها للتصدي لموجة الكراهية المتصاعدة.

يُعد تتبع الكراهية وتحليلها وفهم الأضرار التي يُمكن أن تُلحقها بالمجتمعات المحلية، أمرًا بالغ الأهمية، ولكن لن يكون ذلك كافيًا في الأيام القادمة. إذ ستكون هناك حاجة إلى المقاومة الفعالة. ويعتبر تعليم الناس مهارات التواصل مع بعضهم البعض بطرق هادفة، لإقامة روابط أفقية تهدف إلى إشراكهم ليس فقط فكريًا وإيديولوجيًا، ولكن أيضًا عاطفيًا؛ مُكونًا حاسمًا في هذه المقاومة.

يمكن مقاومة الجماعات اليمينية المتطرفة بالاستغلال الصحيح لشعور الانتماء المشترك الذي يجمع أعضاءها وتوجيهه بعيدًا عن خطاب الكراهية

وبالعودة مرة أخرى إلى لاكوف، فيرى أنّ ما يهم الآن لا يتعلق كثيرًا بما تعتقده مجموعات الكراهية اليمينية المتطرفة، بل ما يشعر به أعضاؤها ويؤمنون به ويجمعهم معًا. ولو غضضنا الطرف عن ذلك، فإنّ التهديد اليميني المتطرف سينمو وينتشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف بررت بولندا دعوات اليمين المتطرف لـ"هولوكوست المسلمين"؟

حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة