لم تكن مجزرة صعدة، يوم الخميس، إلا حادثة ضمن سلسلة من عشرات الحوادث ارتكبت في حق الشعب اليمني منذ بداية الحرب، التي تقودها السعودية والإمارات تحت مسمى التحالف العربي، منذ 25 أذار/ مارس 2015. فيما كان الأطفال حطب هذه المعركة من كافة الأطراف، إما بقصف مدارسهم وتجمعاتهم، أو استخدامهم كجنود مرتزقة بسبب الفقر والوضع القبلي واستهداف المدارس وتعطيل الدراسة فيها، وتتشارك باقي التنظيمات والحركات والجماعات المسلحة في اليمن المسؤولية مع قيادة التحالف السعودي في الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال خلال الحرب.

استهدفت الطائرات الحربية السعودية حافلة تقل عشرات الأطفال بالقرب من سوق شعبي، في مدينة صعدة، يوم الخميس الماضي

صعدة مذبحة جديدة

استهدفت الطائرات الحربية السعودية حافلة تقل عشرات الأطفال بالقرب من سوق شعبي، في مدينة صعدة، يوم الخميس الماضي. ورصدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في البداية وصول نحو 29 جثة لأطفال دون الخامسة عشر، إضافة إلى نحو 48 جريحًا، من بينهم 30 طفلًا، إلى مستشفى تديره، فيما وصلت الأعداد الكاملة للضحايا وفقًا لحساب اللجنة على تويتر إلى نحو 50 قتيلًا و77 جريحًا غالبيتهم من الأطفال.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

عقب الحادث، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع مصورة لمشاهد دموية خلال محاولة إسعاف الأطفال الجرحى، وانتقدت العديد من المنظمات الدولية واللجان الحقوقية الأممية الغارة السعودية، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان أصدره بما أسماه بالتحقيق الفوري والمستقل في الحادث، فيما أعربت الخارجية الامريكية عن قلقها من الغارة وطالبت الرياض بالتحقيق فيها، كما أعلنت بريطانيا عن تقدمها بطلب للتحقيق في الواقعة. وبالرغم من الانتقادات الدولية للحادث والتحالف، إلا أن قيادة التحالف في الرياض قررت المواجهة، على عكس الحوادث السابقة، حيث كانت تنكر علاقتها أو تتهم الحوثيين بارتكاب الجرائم.

وأعلن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات أن الضربة تعد عملًا عسكريًا مشروعًا لاستهداف العناصر التي خططت ونفذت للهجوم على المدنيين- في المملكة - وتم تنفيذه بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية، وألقي التحالف بالمسئولية على جانب الحوثيين. وأشار العقيد الركن تركي المالكي، المتحدث الرسمي باسم التحالف، في تصريحات إلى أن التحالف سيتخذ كافة الإجراءات ضد الأعمال الإجرامية والإرهابية من المليشيا الحوثية الإرهابية التابعة لإيران، كتجنيد الأطفال والزج بهم في ميدان القتال واتخاذهم كأدوات وغطاء لأعمالهم الإرهابية، وفقًا للبيان.

البيانات الدولية

أصبحت الانتقادات الدولية ضد الهجمات العسكرية التي تستهدف الأطفال من جانب التحالف، معتادة. وتصدر مجموعة من منظمات أممية وكذلك لجان حقوقية ودولية تقارير وإدانات مستمرة. كان أبرزها ما قامت به الأمم المتحدة عام 2016، عندما أدرجت التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، مع باقي الأطراف المتنازعة في اليمن على اللائحة السوداء السنوية، للدول والتنظيمات التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، واتهمت الأمم المتحدة التحالف بالمسؤولية عن نحو 60% من حالات وفاة وإصابة الأطفال المسجلة في اليمن خلال 2015.  ووصل عدد القتلى إلى نحو 510 بينما كانت الإصابات في صفوف الأطفال قد وصلت لنحو 667 طفلًا، ووفقًا للإحصائيات فهناك ما لا يقل عن أربعة آلاف حالة من الانتهاكات المثبتة من جانب قوات حكومية، وأكثر من 11500 حالة منسوبة إلى مجموعات مسلحة غير حكومية تابعة للتحالف.

خلال سنوات الحرب الثلاثة لم يتوان وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، في استهداف المواطنين اليمنيين ومن بينهم الأطفال

وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا في نهاية 2015 حول استهداف التحالف للمدارس اليمنية تحت عنوان "أطفالنا يقصفون"، ورصد التقرير الاستهداف المتكرر من السعودية للمدارس، ما يدعو للاعتقاد أن الأمر مقصود، وهو ما أدى إلى إفساد دراسة 6500 تلميذ في محافظات حجة والحديدة وصنعاء، فيما ينفى الطرفان علاقته بالقصف، ويتهم الطرف الأخر.

وفي 2017، تعرض الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، لانتقادات شديدة بعد رفع التحالف من قائمة منتهكي حقوق الأطفال في مناطق الصراع، ودعت منظمتان دوليتان الأمم المتحدة إلى إدراج التحالف في اليمن في قائمة منتهكي حقوق الأطفال في مناطق الصراع، وقالت منظمتا "انقذوا الأطفال" و"قائمة مراقبة الأطفال والنزاعات المسلحة" أنهما رصدا نحو 160 هجومًا على مستشفيات وموظفين.

ولم يكن استهداف الأطفال والمدارس والمدنيين حكرًا على السعودية وحلفائها، وتٌحمل بعض التقارير من المنظمات الدولية كلا الطرفين، أي السعودية والحوثيين، ذنب استهداف الأطفال والمدارس والمدنيين، ووصل عدد المدارس التي لم تعد صالحة للاستخدام بسبب الطرفين نحو 1600 مدرسة وفقًا لمنظمة أوكسفام الإغاثية، كما اتهمت هيومن رايتس ووتش، جماعة الحوثي في اليمن بانتهاك الحظر المفروض على استخدام الألغام الأرضية، ما أدى لارتكاب ما تصفه المنظمة بجرائم حرب، وطالبت بفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في اليمن.

أصبحت الانتقادات الدولية ضد الهجمات العسكرية التي تستهدف الأطفال من جانب التحالف السعودي في اليمن، معتادة

 وانتقد تقرير لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة باليمن والمشكلة من مجلس الأمن الدولي، التحالف وجميع الجهات الأخرى بارتكاب انتهاكات مباشرة أو غير مباشر تتعلق بحقوق الإنسان قد يرقى بعضها إلى جرائم الحرب.

استهداف المدنيين والأطفال

خلال سنوات الحرب الثلاثة لم يتوان وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، في استهداف المواطنين اليمنيين ومن بينهم الأطفال، وأصبح اليمني غير آمن في بلاده، فالموت قد يكون قريبًا إما بالطائرات الحربية لمنازل المدنين أو استهداف بيوت العزاء أو حفلات الزفاف أو الأسواق الشعبية والمدارس، ناهيك عن التوقع الدائم بالتعرض للسجن في أحد السجون السرية التي يشرف عليها الانفصاليون التابعون للإمارات في الجنوب اليمني.

اقرأ/ي أيضًا: التحالف السعودي يستهدف طلاب المدارس في اليمن.. استمرار مسلسل الدم

كانت البداية من مخيم النازحين، بعد أيام قليلة من نشوب الحرب في آذار/مارس 2015. حيث استهدف التحالف السعودي مخيمًا للنازحين في منطقة المزرق، مديرية حرض بمحافظة حجة، ووفقًا لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإن الغارة أودت بحياة نحو 45 شخصًا على الأقل.

 جاءت بعد ذلك حادثة مدينة المخا اليمنية في تموز/يوليو، ووفقًا لهيومن رايتس ووتش فإن طيران التحالف بقيادة السعودية نفذ غارات جوية على المدينة، تسببت في مقتل ما لا يقل عن 65 مدنيًا، منهم 10 أطفال، وإصابة عشرات الآخرين بجروح، واعتبرتها المنظمة جريمة حرب، وهناك مذبحة العرس في سبتمبر/أيلول 2015، التي قتل خلالها الطيران الحربي، نحو 130 من المدنيين خلال تواجدهم في عرس في منطقة واحجة، ونفى التحالف علاقته بالحادث. وخلال مراسم عزاء والد وزير الداخلية الموالي للحوثيين، جلال الرويشان، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2016، شنت الطائرات السعودية غارة جوية كان لها صدىً كبيرًا وانتقادات دولية على نطاق واسع وعرفت فيما بعد بـ"مذبحة العزاء" أو "القاعة الكبرى"، راح ضحيتها بين 115-140 قتيلًا و610 جريحًا،  ولاقت انتقادات دولية واسعة من دول مثل فرنسا وروسيا وإيطاليا والنرويج. وطالبت الأمم المتحدة بتحقيق سريع وموسع فيما أبلغت واشنطن محمد بن سلمان وقتها، بمراجعة الدعم المقدم من الولايات المتحدة للسعودية في حملتها العسكرية في اليمن.

لم يتوقف استهداف النازحين وأغلبهم من النساء والأطفال في أب/أغسطس 2017 من خلال غارة جوية على منطقة "فج عطان" السكنية في صنعاء أوقع 14 قتيلًا مدنيًا بينهم خمسة أطفال، وفي نيسان/أبريل 2018، استهدفت الطائرات السعودية تجمع للنازحين في الحديدة أسفر عن مقتل 20 قتيلًا مدنيًا بينهم 7 أطفال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية

مؤامرة ابن زايد.. الإطاحة بالشرعية في اليمن ضمن مهمات التخريب