في تصعيد جديد للصراع التجاري المتصاعد بين أكبر اقتصادين في العالم، ردّت الصين يوم الجمعة على قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة، عبر إعلانها عن زيادة الرسوم على البضائع الأميركية لتصل إلى 125%، وهو ما يشير إلى تصعيد خطير في حرب تجارية قد تُفضي إلى ركود عالمي محتمل.
جاء هذا الإعلان بعد يومين من إعلان إدارة ترامب أن الصين أصبحت تواجه حاليًا رسومًا لا تقل عن 145% على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة. فيما علقت الرسوم المفروضة على سلع من عشرات الدول الأخرى لمدة 90 يومًا.
قالت وزارة المالية الصينية في بيان رسمي: "الرسوم الأميركية المفرطة على الصين تمثل انتهاكًا خطيرًا لقواعد الاقتصاد والتجارة الدولية، وتتعارض مع المبادئ الاقتصادية الأساسية والمنطق السليم، وهي مجرد شكل من أشكال التنمر الأحادي والإكراه"
وأشارت بكين إلى أن الرسوم الجديدة، والتي رفعت الضريبة على السلع الأميركية من 84 % إلى 125 %، ستدخل حيز التنفيذ بدءًا من السبت. فيما شهد "اليوان" الصيني انتعاشًا طفيفًا، اليوم الجمعة، بعد أن تراجع إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وقالت وزارة المالية الصينية في بيان رسمي: "الرسوم الأميركية المفرطة على الصين تمثل انتهاكًا خطيرًا لقواعد الاقتصاد والتجارة الدولية، وتتعارض مع المبادئ الاقتصادية الأساسية والمنطق السليم، وهي مجرد شكل من أشكال التنمر الأحادي والإكراه".
وأضاف البيان: "حتى إن استمرت الولايات المتحدة في فرض رسوم أعلى، فلن يكون لذلك أي معنى اقتصادي، وسيُسجل ذلك في التاريخ الاقتصادي العالمي كمزحة".
🇺🇸🇨🇳 ماذا يحدث بين #الصين و #أميركا؟ وما دور الاتحاد الأوروبي في حرب الرسوم الجمركية؟
التفاصيل كاملة في التقرير: https://t.co/SWJkyrspAz pic.twitter.com/XiEMBKgr4A
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 10, 2025
تعقيد غير مسبوق للتجارة الثنائية
يرى محللون أن هذه الرسوم التصاعدية المتبادلة تجعل من شبه المستحيل استمرار التجارة بين الجانبين، حيث أن الرسوم الجمركية التي تتجاوز 35% عادةً ما تمحو هوامش ربح المصدّرين الصينيين، وتُحوّل المنتجات الأميركية في السوق الصينية إلى سلع باهظة الثمن.
ورغم أن بكين واصلت سياسة "المعاملة بالمثل"، إلا أنها أشارت إلى أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي ترد فيها بالمثل إذا واصل ترامب التصعيد.
خطوات انتقامية إضافية
أعلنت بكين أنها ستقيّد فورًا واردات أفلام هوليوود كجزء من الرد على تصعيد ترامب. كما أصدرت وزارة الخارجية الصينية تحذيرات سفر للمواطنين الصينيين المتوجهين إلى الولايات المتحدة، وتنبيهات للطلبة الراغبين بالدراسة في ولاية أوهايو، ما يوضح أن الرد الصيني يشمل أيضًا قطاع الخدمات الأميركي.
وفي هذا السياق، قال محللو مصرف UBS إن إعلان بكين عدم نيتها الرد بالمثل على أية زيادات جمركية مستقبلية يعكس "اعترافًا بأن التجارة الثنائية بين البلدين قد انقطعت تمامًا".
وبحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن متوسط الرسوم الأميركية على السلع الصينية وصل الآن إلى 135%، وهو ما يزيد بأكثر من 40 ضعفًا عن معدلات ما قبل اندلاع الحرب التجارية الأولى عام 2018.
التحرك الدبلوماسي الصيني لمواجهة العزلة
في مواجهة هذا التصعيد، بدأت الصين بالتحرك دبلوماسيًا لحشد الحلفاء التجاريين. وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال استقباله رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أن على الصين والاتحاد الأوروبي "الاضطلاع بمسؤولياتهما الدولية... والتصدي معًا لأعمال التنمر الأحادية".
رغم المخاطر الاقتصادية الواضحة، أظهر الرئيس الصيني تصلبًا لافتًا في موقفه، رافضًا تقديم أي تنازلات أمام ضغوط ترامب. وقال: "لا يوجد منتصر في حرب الرسوم الجمركية، ومن يعارض العالم سيجد نفسه في عزلة"، دون أن يذكر الولايات المتحدة أو ترامب صراحة. وأضاف: "طيلة أكثر من 70 عامًا، اعتمدت الصين في تطورها على الذات والعمل الجاد، ولم تعتمد على منح أحد، ولن ترضخ لأي قمع غير منطقي".
ومن المقرر أن يبدأ شي جولة تشمل ثلاث دول في جنوب شرق آسيا الأسبوع المقبل، لتعزيز العلاقات مع جيران الصين في ظل التوتر المتزايد مع واشنطن.
وقال الشريك المؤسس لمشروع "الصين والجنوب العالمي"، إريك أورلاندر، لوكالة "رويترز" للأنباء: إن "المحادثات مع فيتنام وماليزيا وكمبوديا ستركّز على فتح أسواق محددة كالزراعة، بدلًا من الدخول في صفقات تجارة حرة كبرى".
"أفضل ما يمكن أن تعرضه الصين على فيتنام هو الاستقرار... وهذا لا يجب التقليل من شأنه في ظرف كهذا"، أضاف أورلاندر.
📌 وقع #دونالد_ترامب قرارًا ينص على فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على #المكسيك و #كندا، بالإضافة إلى فرض رسوم مماثلة بنسبة 10 بالمئة على #الصين.
📌 تعليقًا على قرار فرض الرسوم الجمركية، كتب ترامب متسائلًا عبر منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال": "هل سيكون هناك بعض… pic.twitter.com/wrxzy7Tuws
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 3, 2025
كما أجرى وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو مكالمات فيديو هذا الأسبوع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي وماليزيا والسعودية وجنوب إفريقيا، في محاولة لتوسيع دائرة الدعم لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة العشرين، ودول بريكس.
وأثمرت المحادثات بين بكين وبروكسل عن اتفاق لإعادة إطلاق مفاوضات تجارية وتحديد التزامات متبادلة بشأن أسعار السيارات الكهربائية، وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة نزاع تجاري طويل الأمد بين الطرفين.
تفوق تكتيكي لصالح بكين؟
ويرى محللون أن شي يمتلك قدرة أكبر على المناورة من ترامب، إذ لا يخضع لقيود الانتخابات ولا يواجه تحديًا سياسيًا داخليًا مباشرًا بعد إلغائه تحديد الفترات الرئاسية عام 2018، مما منحه سلطة الحكم مطلقة لأجل غير مسمى.
في المقابل، لا يستطيع ترامب تجاهل حسابات الداخل الأميركي، لا سيما مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابات، رغم تهديده سابقًا بتجاوز الدستور والترشح لفترة ثالثة.
أدوات شي: القومية والدعاية وتقييد المعارضة
يستند شي إلى خطاب قومي صارم، مدعوم بسيطرة محكمة على مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام. وقد نشرت صحيفة "الشعب"، لسان حال الحزب الشيوعي، افتتاحية شبّهت فيها الولايات المتحدة بـ"عصابة من القراصنة"، في مؤشر على تصاعد التعبئة النفسية داخل البلاد.
وفي خطوة رمزية، نشرت المتحدثة باسم الخارجية ماو نينغ على منصة "إكس" مقطع فيديو لخطاب ألقاه ماو تسي تونغ إبان الحرب الكورية، قال فيه: "مهما طال أمد هذه الحرب، لن نرضخ أبدًا".
رأي الخبراء: الرسوم تُنقذ شي من اللوم
تقول أستاذة العلوم السياسية في كلية ميدلبوري، جيسيكا تيتس، لصحيفة "نيويورك تايمز": إن الحرب التجارية تمثل "بطاقة خروج مجانية" لشي، موضحة: "ستُفسّر الأزمة الاقتصادية على أنها نتيجة عدوان خارجي وليس إخفاقًا في السياسات الداخلية".
ويوافقها الرأي أستاذ السياسة في جامعة شيكاغو، دالي يانغ، الذي يرى أن الآلة الدعائية الصينية ستستمر في تحميل ترامب والولايات المتحدة مسؤولية التدهور الاقتصادي المتوقع، خاصة أن الحزب يتمتع بقدرات كبيرة في التأثير على الرأي العام داخل البلاد.
كانت صيغة الرسوم الجمركية التي فرضها #ترامب بسيطة بشكل خادع. كانت تتمثل في قسمة العجز التجاري للسلع الأميركية مع بلد ما على صادرات ذلك البلد إلى الولايات المتحدة، ثم تحويل النتيجة إلى نسبة مئوية. بعدها، يتم قسمة هذه النسبة إلى النصف للحصول على قيمة الرسوم الجمركية الأميركية… pic.twitter.com/MaDGcepo5u
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 5, 2025
آثار ميدانية: إغلاق المصانع وقلق اقتصادي
ورغم الصلابة الظاهرية، لا يمكن تجاهل أن الرسوم الأميركية تهدد صادرات صينية تبلغ قيمتها 400 مليار دولار سنويًا، مما قد يفاقم البطالة ويقوّض خطط التعافي من أزمات العقارات وتراجع الثقة بالسوق المحلي. وقد أغلقت بالفعل مصانع قرب مدينة غوانغجو، بانتظار اتضاح الرؤية حول مصير الحرب الجمركية.
ويقول الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية بواشنطن، جوزيف توريغيان: "شي يعتقد أن النظام السياسي الصيني أكثر تماسكًا من الأميركي، وأن شعبه قادر على التضحية من أجل النهوض الوطني، لكن المزاج الشعبي بعد كوفيد لم يعد ميالًا للمزيد من التضحيات".
النهاية مفتوحة... والصفقة ممكنة؟
ورغم التصعيد، لا يُستبعد أن يسعى الطرفان إلى مخرج تفاوضي. فقد لمح ترامب إلى إمكانية التفاهم، قائلًا: "شي صديق لي منذ فترة طويلة. سنرى ماذا سيحدث مع الصين. نحن نرغب في التوصل إلى صفقة".
لكن الصين تشترط، وفق تصريحات مسؤوليها، أن تكون أي اتفاقية تجارية قائمة على "الندية والاحترام المتبادل".
يشار إلى أن وزارة التجارة الصينية أشارت في بيان منفصل: أن "الصين لا تزال منفتحة على التفاوض مع الولايات المتحدة، ولكن التهديد والضغط ليسا السبيل الصحيح للتعامل معنا".