06-يناير-2020

قد ينتقل الصراع بين ولد عبد العزيز وولد الغزواني إلى القضاء (أ.ف.ب)

تشهد موريتانيا منذ انقضاء الانتخابات الرئاسية  حزيران/ يونيو 2019 صراعًا محمومًا بين رئيسها الحالي محمد ولد الغزواني وسلفه محمد ولد عبد العزيز.  ويدور الصراع بينهما أساسًا على زعامة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكِم.

لم يُخف ولد عبد العزيز تذمّره من المضايقات التي تعرّض لها منذ وصوله للبلد، وعلى إثر ذلك لم يجد بدًّا من الاعتراف بوجود أزمة سياسية، حاول حصرها في مسألة الحزب

يستند الأول، أي الرئيس الحالي ولد الغزواني، على شرعيةٍ انتخابيةٍ، تقتضي من وجهة نظر أنصاره أن يكون بشكل تلقائي "مرجعية الحزب"؛ بينما يستند الثاني، أي الرئيس السابق ولد عبد العزيز، على شرعية التأسيس باعتباره مؤسس الحزب.

اقرأ/ي أيضًا: هل أُحبطت محاولة انقلاب عسكري في موريتانيا؟

ومؤخرًا لجأ ولد عبد العزيز إلى استثمار الورقة الدستورية عبر القول "إنّ الدستور يمنع رئيس الدولة من تقلّد أي منصب قيادي في حزب سياسي، وبالتالي فإن سعي ولد الغزواني لوضع يده على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هو خرقٌ سافرٌ للدستور وإضرارٌ بديمقراطية البلد"، فهل يريد ولد عبد العزيز بهذا التوجه تعيين نفسه مدافعًا عن الديمقراطية بعدما حجز "نظريًا" لنفسه مقعدًا في معارضة نظام ولد الغزواني؟ مع العلم أن هذا المأخذ الذي ينتقد من خلاله ولد عبد العزيز الرئيس الحالي ولد الغزواني، هو نفسه الخطأ الذي وقع فيه ولد عبد العزيز أثناء فترة حُكمه، عندما كان يتدخّل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتسيير الحزب، حسب منتقديه.

معركة الحزب

بعد تأجيلٍ استمرّ لفترة طويلةٍ نسبيًا، انعقد أخيرًا مؤتمر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بتاريخ 28 من شهر كانون الأول/ديسمبر 2019. ومثّل عقد المؤتمر في هذه الفترة الضربة القاضية لطموح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في العودة إلى ممارسة السياسة من بوابة الحزب الذي أسّسه. فبعد رجوعه مباشرة، من سفره خارج موريتانيا، عقد ولد عبد العزيز اجتماعًا مريبًا، حسب أنصار ولد الغزواني، بلجنة الحزب التسييرية، في محاولةٍ صريحة منه لتوجيه بوصلة الحزب؛ لكن يبدو أن خطوتَه تلك كانت كفيلةً بقطع شعرة معاوية بينه وبين ولد الغزواني، الذي أوعز لقيادة الحزب، من خلال مدير ديوانه، بقطع الطريق أمام عودة ولد عبد العزيز للحياة السياسية عبر بوابة الحزب الحاكم، وهو ما حدث فعلًا بشكل متسارع من خلال التراجع عن البيان الذي صدر عقب اجتماع ولد عبد العزيز بلجنة الحزب التسييرية، وتغيير تركيبة اللجنة التسييرية ذاتها، وأخيرًا الإسراع بعقد مؤتمر الحزب في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر بعد ما كان مقررًا عقده في شباط/فبراير 2020، مع اتخاذ تدابير احتياطية لحسم معركة الحزب من خلال انتقاء المناديب، وضم أكبر عدد ممكن من داعمي ولد الغزواني إلى هياكله تسهيلًا لمهمة التوجيه وإدارة المؤتمر دون حدوث مفاجآت.

هذه الإجراءات دفعت ولد عبد العزيز للخروج عن صمته الذي لاذ به منذ رجوعه لموريتانيا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث أطلّ  على الموريتانيين من خلال مؤتمر صحفي أقل ما يوصف به بأنه مثير، بسبب الأحداث التي حفّت به، بدءًا بمنعه من القيام بمؤتمره الصحفي في أحد فنادق العاصمة نواكشوط، مرورًا باعتذار معظم القنوات الإعلامية عن نقل المؤتمر،  بسبب ضغط قيل إنه مورس من طرف مؤسسة رئاسة الجمهورية، ثم وصولًا إلى تأخر المؤتمر لساعات عن وقته المحدّد بسبب التشويش على القناة الناقلة، ما اضطر ولد عبد العزيز في الأخير إلى عقد المؤتمر دون بث تلفزيوني، مكتفيًا بنقل وقائع المؤتمر عبر منصات التواصل الاجتماعي.

لم يُخف ولد عبد العزيز تذمّره من المضايقات التي تعرّض لها منذ وصوله للبلد، وعلى إثر ذلك لم يجد بدًّا من الاعتراف بوجود أزمة سياسية، حاول حصرها في مسألة الحزب، لكنّه اتهم ولد الغزواني بتوريط البلاد في هذه الأزمة، من خلال استخدام نفوذ الدولة في الضغط على أعضاء الحزب وحتى على المؤسسات الإعلامية الخاصة، بهدف القيام بإعادة هيكلةٍ غير قانونية للحزب من أجل السيطرة عليه.

 وفي نبرة لا تخلو من استسلام أعلن ولد عبد العزيز عدم نيته الترشح لرئاسة الحزب مكتفيًا ببقائه داخل صفوفه كعضو. لكن يبدو أن ذلك أيضًا لن يتحقق له، بعدما اضطُرّ لمقاطعة مؤتمر الحزب الذي انعقد نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، لسبب بسيط وهو قناعتُه بأن فرض تغيير من داخل مؤسسة الحزب لم يعد ممكنًا، بعد ما اتخذ ولد الغزواني كافّة الإجراءات لوضعه تحت تصرّفه.

بذلك تمّ فعلًا قطع الطريق أمام أي إمكانية  لقيام ولد عبد العزيز بلعب دور سياسي مهم في مستقبل موريتانيا.

تلويح متبادل بملفات فساد

بعد معركة الحزب، تصدّر ملف الفساد واجهة الصراع بين الصديقين اللدودين، ففي مقابلةٍ مع موقع إخباري محلّي تحدّى ولد عبد العزيز النظام بكشف أي ملف فساد تورّط فيه شخصيًا طيلة سنوات حُكمه، وفوق ذلك انتقل ولد عبد العزيز من موقع المدافع عن نفسه إلى موقع الهجوم بالقول إنه يملك ملفّات تدين عددًا كبيرًا من شخصيات المشهد السياسي الموريتاني، كما أشار إلى وجود ملفات تتعلق بفساد في المؤسسة العسكرية إبّان وجود ولد الغزواني على رأسها.

 كما تحدّى ولد عبد العزيز أي طرف بحرمانه من حقوقه في ممارسة السياسة، لكنّه في فورة غضبه تلك قال بأنه لا يميل إلى افتعال المشاكل للنظام الحالي، وإنه يحتفظ لرأس النظام بمكانة خاصة، بالرغم مما شاب علاقتهما من اضطراب، عزاه ولد عبد العزيز إلى الحاشية المحيطة بولد الغزواني، قائلًا في هذا الصدد بأنّ ولد الغزواني يميل إلى إرضاء الجميع من خلال أسلوبه في الحكم، وإنه يحترم له ذلك مع اختلافه معه في هذا النّهج.

اقرأ/ي أيضًا: مطالب سياسية في موريتانيا بمحاكمة الرئيس السابق.. وبوادر أزمة سياسية

 في المقابل يلوّح مقرّبون من ولد الغزواني بورقة محاسبة ولد عبد العزيز على فترة حكمه، في ظل وجود عدة ملفّات تحوم حولها شبهات الفساد، خاصة في مجال صفقات الدولة الكبيرة التي أُبرمت في عهد ولد عبد العزيز وعُهد تنفيذها إلى مقرّبين منه؛ هذا فضلًا عن الشبهات المتعلقة بثروة الرئيس السابق، الذي اعترف في أكثر من مرة أنه يمتلك ثروة طائلة، دون أن يصرّح بمصادرها مكتفيًا بالقول إنه مستعد للمثول أمام القضاء في أي قضية فساد ترفعها الدولة ضدّه. وهو ما اعتبره مراقبون تحديًا صريحًا من ولد عبد العزيز لنظام ولد الغزواني.

يلوّح مقرّبون من ولد الغزواني بورقة محاسبة ولد عبد العزيز على فترة حكمه، في ظل وجود عدة ملفّات تحوم حولها شبهات الفساد

يُذكر أنّ دوائر في المعارضة الموريتانية تتّهم الرئيس السابق بالضلوع في تجارة المخدرات وحماية المهرّبين والتلاعب بصفقات الدولة لصالح رجال أعمال محسوبين عليه. فهل يقامر الجنرالان بفتح ملفّات الفساد ونقل معركتهما إلى ساحة القضاء؟