02-مايو-2016

صحفيو تونس.. صراع الحريات والإرهاب (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

"تونس الأولى عربيًا في حرية الصحافة"، كان هذا عنوانًا بارزًا منذ أيام قليلة في النشرات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية التونسية والعربية أيضًا، فقد احتلت تونس المركز 96 من بين 180 بلدًا في التصنيف العالمي الأخير لحرية الصحافة، الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" يوم 20 نيسان/أبريل الماضي، وتكون بذلك تونس قد تقدّمت 30 رتبة مقارنة بنفس التصنيف السنة السابقة. يذكر أن تصنيف تونس في مجال حرية الصحافة كان 164 سنة 2010، أي قبل ثورة 14 من كانون الثاني/يناير 2011، ثم احتلت المرتبة 133 سنة 2012 و126 سنة 2015.

احتلت تونس المركز 96 من بين 180 بلدًا في التصنيف العالمي الأخير لحرية الصحافة، الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"

المرتبة الأولى عربيًا تثير الجدل

في هذا التصنيف الأخير، تبتعد تونس عن "المنطقة الحمراء" الخطرة، لكنها لا تزال بعيدة عن الدول الرائدة عالميًا من حيث حرية واستقلالية الصحافة. لكن أن تسبق تونس دولّا معروفة كـ"قطب إعلامي" مثل لبنان، بحكم ما قطع في إعلامه من تجييش وانحيازات ودوائر تمويل، وأن تحتل موريتانيا الرتبة 48 عالميًا في نفس التصنيف (لا تعتبر منظمة "مراسلون بلا حدود" موريتانيا بلدًا عربيًا بل تصنفه مع الدول الإفريقية)، قد أثار ردود فعل مختلفة حول "جدية" التصنيف وملاءمته لحقيقة وضع حرية التعبير والصحافة في تونس.

عن رتبة تونس في تصنيف "مراسلون بلا حدود" في مجال حرية الصحافة، يقول محمود الذوادي، رئيس مركز تونس لحرية الصحافة، لـ"الترا صوت": "يعكس هذا التصنيف الواقع إلى حد ما. المنظمة التي أصدرت التصنيف هي منظمة دولية تعتمد معايير ومؤشرات واضحة لقياس حرية الصحافة في العالم، وهي منظمة عريقة كانت تصنف تونس، قبل الثورة، في المراتب الأخيرة وكان هذا مهمًا للمدافعين عن حقوق الإنسان وعن الحريات لإحراج النظام التونسي حينها". ويستدرك الذوادي: "هذا الترتيب لا يجب أن يحجب عديد النقائص التي تهدد حرية التعبير في تونس ومنها وجود مخاوف بعد تنامي ظاهرة الإرهاب ومناداة البعض بالحد أو التنازل عن بعض الحريات ومنها حرية التعبير والصحافة".

وهذا ما يؤكده تقرير "مراسلون بلا حدود"، الذي جاء فيه أن "صعود تونس في ترتيب حرية الصحافة العالمي لابد من وضعه في إطاره". ووضّح التقرير أن "حالة حرية الصحافة في الجزائر (المرتبة 129) والمغرب (المرتبة 131) تبقى غير مستقرة بينما وضعيّة خمسة بلدان في المنطقة خطيرة هذه السنة وهي (البحرين، المملكة العربية السعودية، ليبيا، اليمن وسوريا) وهم في أسفل الترتيب في تصنيف مراسلون بلا حدود". وأكد ذات التقرير أن "تونس، وفي هذه الوضعية، تمثّل بصيص الأمل في المنطقة".

ويُنشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ 2002 بمبادرة من منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهو يمكّن من قياس درجة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون في 180 بلدًا وذلك بفضل مجموعة من المؤشرات منها: التعدّديّة، استقلالية وسائل الإعلام، محيط العمل والصنصرة، القوانين، الشفافية، البنية التحتية والاعتداءات.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. حرية الإعلام في خطر وتهديد بالإضراب العام

تونس.. الانتهاكات ضد الصحفيين متواصلة!

من أهم المخاطر التي تهدد حرية الصحافة في تونس اليوم، تواصل الاعتداءات اللفظية والجسدية على الصحفيين خلال مزاولة عملهم، سواء من قبل قوات الأمن أو من قبل بعض السياسيين أو حتى من المواطنين. في هذا السياق، يعلق محمود الذوادي، رئيس مركز تونس لحرية الصحافة، "الانتهاكات ضد الصحفيين مرتبطة بالأخلاقيات المهنية، من جانب، لذلك على الصحفي أن يتقيد بالضوابط المهنية، لكن من جانب ثان، على الجمهور المتقبل أن يفهم مسؤولية الصحفي الذي ينقل له الحقيقة، ومن هنا كانت فكرة "خيمة الصحافة والجمهور"، التي نقيمها هذه الأيام للتواصل مع المتلقي والانفتاح على أفكاره".

وتؤكد عديد التقارير الإعلامية ظهور منتهكين جدد لحرية الصحافة، إذ تعرض بعض الصحفيين لاعتداءات من قبل المواطنين نتيجة الحشد والتحريض ضد الصحفيين خاصة في علاقة بتغطية الأحداث الإرهابية وما يتداول من أن الأمن والحريات لا يتقابلان ومن الضروري التخلي أو التقليص من هامش الحريات. كما أن وحدة الرصد والتوثيق التابعة لمركز تونس لحرية الصحافة كانت قد أحصت، خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول/أكتوبر 2012 وتشرين الأول/أكتوبر 2015، أكثر من 770 اعتداءً على الصحفيين أثناء قيامهم بعملهم.

يطالب الصحفيون في تونس أن يتم تتبعهم قضائيًا بسبب أي خطأ مهني استنادًا إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011

وفي مستهل سنة 2016، تم التحقيق مع عدد من الصحفيين التونسيين أمام الفرق الأمنية المختصة في مكافحة الإرهاب، إثر نشرهم موادًا إعلامية تتعرض للموضوع، في تجاهل للمراسيم المنظمة للقطاع الإعلامي. ويطالب الصحفيون في تونس أن يتم تتبعهم قضائيًا بسبب أي خطأ مهني استنادًا إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011، الذي نظّم إجراءات استدعاء الصحفيين ومقاضاتهم.

ويرى كثيرون أن قانون مكافحة الإرهاب في تونس، الذي تمت المصادقة عليه في تموز/يوليو 2015، صار ذريعة عند البعض للتضييق على الحريات. وقد جاء في تقرير "مراسلون بلا حدود" الأخير أن الاعتداءات والمحاكمات ضد الصحفيين انخفضت في تونس"، لكنه أشار أيضًا إلى أن "الاستنطاقات البوليسية ضد الصحفيين بحجة الإرهاب تبقى مقلقة". وهو ما يدعمه رئيس مركز تونس لحرية الصحافة، الذي يرى أن "تفعيل قانون الإرهاب عبر الصحفي يضر بالعمل الإعلامي وينمي الرقابة الذاتية لدى الصحافيين". ويضيف محمود الذوادي لـ"الترا صوت": "نريد أن نوضح للمواطن التونسي أن الحرية بإمكانها المساهمة في مقاومة الإرهاب وأن الصحفي يجب أن يقوم بعمله بعيدًا عن كل الضغوطات ليحافظ على موضوعيته".

اقرأ/ي أيضًا: صحفيو تونس..صف واحد دفاعًا عن حقوقهم المهنية

يتعرض الصحفي في تونس لعديد الانتهاكات الأخرى، والتي قد تقودها سلطتي المال والسياسة، وسبق أن تعرض عدد من الصحفيين لاعتداءات من قبل مسؤولين سياسيين أو رياضيين أو رجال أعمال. وقبل أيام قليلة، كانت صحيفة "الضمير" التونسية، قد استنكرت في بيان للرأي العام، ما اعتبرته "إهانة" إحدى صحفياتها من قبل نواب في كتلة النهضة بالبرلمان التونسي إثر تعبيرهم عن رفضهم محتوى مقال نشرته الصحفية. وكانت حركة النهضة قد أكدت، في بيان لها، تمسكها بحرية التعبير واحترامها الصحفيين، موضحة أن الأمر لم يتعد الاستفسار والنقاش.

ويرى البعض أن المؤسسات الإعلامية لابد أن تلعب دورها في حماية ومساندة صحفييها، وذلك من خلال تمكينهم من حقوقهم المادية، تجنب الإهانات أو الطرد التعسفي، توفير التأمين الصحي، الإمكانيات المادية، التجهيزات والتكوين وغير ذلك من الضروريات، وأيضًا أن تتقيد بالضوابط المهنية وأخلاقيات المهنة وتحترم الجمهور المتلقي وتتجنب ما صار منتشرًا في تونس بعد الثورة من إحداث للإثارة قصد حصد نسب المشاهدة وكسب مداخيل أكثبر من الإشهار.

في سياق متصل، يرى الذوادي أن "لم يعد من المسموح أن يعمل الصحفيون في المناطق الخطرة ومناطق التوتر والنزاع دون أن يكون لهم الحد الأدنى من الإمكانيات والضمانات لحماية حياتهم". ويوضح: "لاحظنا خلال تغطية أحداث بنقردان الإرهابية الأخيرة عمل الصحفيين في ظروف مهينة جدّا مقارنة بزملائهم الأجانب الذين توافدوا من بلدان مختلفة لتغطية الحدث".

وتراقب عديد المنظمات والنقابات وضع حرية الصحافة والتعبير في تونس ومنها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، المنظمة التونسية لحماية الصحافيين، النقابات الأساسية في عدد من وسائل الإعلام المحلية ومركز تونس لحرية الصحافة. وتأسس هذا المركز في شباط/فبراير 2011، ويعتبره مؤسسوه "مواصلة لتجربة اللجنة التونسية لحماية الصحفيين سنة 2009". ويعمل المركز بالأساس على ثلاثة محاور هي "رصد وتوثيق الانتهاكات في حق حرية الصحافة والصحفيين، المساهمة في تطوير التشريعات المتعلقة بالقطاع الإعلامي والمساهمة في تكوين صحفيين شبان خاصة في أخلاقيات المهنة وحرفيتها".

اقرأ/ي أيضًا:

الصحافة في مصر : تهمة كافية!

صحفيون مغاربة: محاكمة سياسية لرئيس نقابة الصحفيين