03-مايو-2023
Keyvan Varesi

كاريكاتير لـ كيفان فارسي/ إيران

تحيي الأمم المتحدة، في الثالث من مايو/ أيار، اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته المنظمة الأممية للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، لتجدد عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي.

وإعلان ويندهوك هو بيان لمبادئ حرية الصحافة، وضعه صحفيون أفارقة في العام 1991، أثناء حلقة دراسية نظمتها اليونسكو عن "تنمية صحافة إفريقية مستقلة وتعددية"، في ويندهوك بنامبيا في الفترة من 29 نيسان/أبريل وحتى 3 أيار/مايو، ثم اعتمدته اليونسكو بعد ذلك.

كانت أيام تفاؤل، فالحرب الباردة كانت قد وضعت أوزارها للتو، وبدا العالم برمته وكأنه يستعد للتحول نحو الديمقراطية، وخرج من يخبرنا بأننا وصلنا إلى المحطة الأخيرة في رحلة التاريخ.. غير أن إعلان الصحفيين الأفارقة الذي عكس روح التفاؤل السائدة يومئذ، كان بريئًا من تلك السذاجة، فجاء متزنًا، مدركًا للواقع وللسياق، ومنتبهًا للعقبات الكبيرة التي تقف أمام هذه العملية التاريخية الكبرى وأمام مساهمة الصحافة فيها.

الصحافة في بلادنا العربية محصنة من قلق التغيير، فالشرط الأساسي لأن تخاف على حريتك هو أن تكون حرًا أصلًا، ويغدو عبثيًا وكوميديًا تهديدك بالحبس وأنت محكوم بالسجن مدى الحياة

وتحدث الإعلان "عن المشكلات التي تعاني منها الصحافة في إفريقيا"، وعدد أمثلة لاستخدام "الإرهاب والسجن والرقابة"، معلنًا اقتناعه "بالارتباط بين الاستقلال التام للصحافة ونجاح الديمقراطية القائمة على المشاركة"، ونادى بحرية الصحافة واستقلالها و"تمتعها بالتعددية في جميع أنحاء العالم". كما شدد على أن "حرية الصحافة هي من حقوق الإنسان الأساسية".

ونعلم اليوم أي مآل وصلت إليه آمال تلك الأيام العريضة، فرغم أن التحول الديمقراطي قد أُنجز في أماكن عديدة، غير أنه تعثر، أو لم ينطلق من الأصل، في أماكن كثيرة أخرى، لنصل الآن إلى مشهد عالمي مثير للقلق، حيث تتعرض الديمقراطية لحملة تشكيك وتجريح واسعة، يخرج جزء واسع منها، وللمفارقة، من معقل الديمقراطية.. من مسقط رأسها: الغرب.

ومع صعود الدول الشمولية ومحاولتها احتلال مكان "القطب الآخر" الفارغ منذ عقود، ومع صحوة الفاشية في أوروبا نفسها، فإن قلق الصحافة على حريتها واستقلالها يزداد ليصل إلى حد الهلع، ذلك أن الصحافة تاريخيًا هي ابنة الليبرالية الديمقراطية، في ظلها ولدت ونمت وازدهرت وحققت إنجازاتها. وفي غيابها ستغدو أي شيء آخر إلا صحافة: دعاية، منشورات حزبية، منابر للخطابة، ديكور بلا وظيفة..

ولا يهم هنا إن كنا نتحدث عن صحافة تقليدية أم عن "إعلام جديد"، فالأدوار والوظائف الأساسية هي نفسها: الوصول إلى أخبار ومعلومات صحيحة وإطلاع الجمهور عليها، مع تزويده بخلفيات وتحليلات وآراء معمقة عما يجري، إضافة إلى خدمات أخرى متنوعة تغني معرفة الناس وترفه عنهم..

والواقع أن الصحافة في بلادنا العربية محصنة من هذا القلق، فالشرط الأساسي لأن تخاف على حريتك هو أن تكون حرًا أصلًا، ويغدو عبثيًا وكوميديًا تهديدك بالحبس وأنت محكوم بالسجن مدى الحياة..

وفيما يشكو الآخرون من ازدياد عدد الصحفيين المعتقلين، ومن ازدياد عدد الضحايا من المراسلين، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لتغطيتهم أحداثًا في أماكن مشتعلة من العالم، فإن كثيرًا من الصحفيين عندنا يعيشون في مأمن، فهم لا يفعلون شيئًا يستحقون من أجله الموت، ولا السجن حتى.. إنهم يستيقظون في الصباح الباكر ويذهبون إلى وظائفهم في صحف الحكومات الرشيدة (في القطاعين العام والخاص على السواء) ليدبجوا من وراء مكاتبهم مقالات عن الإمبريالية والمؤامرات العالمية التي تحاك ضدنا على الدوام.. وإذا ما غامروا قليلًا فإنهم ينتقدون أداء رئيس بلدية هنا أو إهمال رئيس حي هناك.. وإذا ما رفعوا سقف الجرأة ووصلوا حد التهور فهم يلمحون إلى سلوك وزير ما "لا يأخذ باله من فساد بطانته"..

هذه صورة تقليدية "مزمنة" لا تلخص المشهد برمته، فهناك الكثير من الصحف والمواقع الالكترونية التي يديرها شباب متحمس، منطلق، بسقف جرأة عال وطموح بلا حدود.. لكن هذه الصحف وهذه المواقع تفتقد إلى الإمكانات المادية اللازمة لتحقيق الكفاءة المهنية المطلوبة، والأهم أنها محرومة من الوصول إلى مصادر المعلومات، وهو الركن الأساس في أي عمل صحفي فعال وحقيقي.

أما الشبكات التلفزيونية والمؤسسات الصحفية الكبرى التي نجحت، فترة، في إيهامنا بأنها تدشن عصرًا جديدًا في الصحافة العربية، فسرعان ما انكشف لنا هاجسها الأول، إن لم يكن الأوحد: خدمة حكوماتها الممولة في معارك بقائها، وفي مناكفاتها "الأخوية" التي لا تنتهي..

ألا يوجد استثناءات؟ بالطبع يوجد، ولكنها بالضبط تلك الاستثناءات التي تؤكد القاعدة وتشير إلى شدة وطأتها..

ومع ذلك، فلا بأس من أن نشارك العالم احتفاءه باليوم العالمي لحرية الصحافة، آملين أن يأتي يوم قريب تغدو فيه صحافتنا قلقة على حريتها.