في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الولايات المتحدة منذ انطلاق حملة إدارة ترامب ضد الأصوات المناهضة للعدوان على غزة، أصدرت قاضية في محكمة الهجرة بولاية لويزيانا قرارًا بترحيل الطالب الفلسطيني محمود خليل، بسبب نشاطه الطلابي المناهض للحرب.
يذكر أن خليل تم توقيفه بعد أن قدم طلب الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء) في آذار/مارس 2024، في وقت كان يتوسط فيه مفاوضات بين إدارة جامعة كولومبيا والطلاب المعتصمين تضامنًا مع غزة.
تبرز محاولة توظيف مؤسسات الدولة القانونية، مثل قانون الهجرة، لتصفية حسابات سياسية مع معارضي سياسات إسرائيل. فالإعلام "التابلويدي" اليميني لا يُستخدم هنا كمجرد مصدر، بل كأداة سياسية لتغذية سردية أمنية مفبركة
ادعاءات غير موثقة ومصادر صحفية مثيرة للريبة
لكن ما يجعل هذه القضية سابقة خطيرة لا يقتصر على استهداف الطالب الفلسطيني، بل يتعدّاه إلى اعتماد الحكومة الأميركية في مرافعتها على مصادر إعلامية "تابلويدية" تفتقر إلى الموثوقية، من بينها مقالات منشورة في صحف مثل "نيويورك بوست" و"واشنطن فري بيكون"، المعروفتين بانحيازهما اليميني، وبتداول معلومات غير دقيقة بشأن ماضي خليل ونشاطه الأكاديمي والسياسي، وذلك بحسب ما أوردته شبكتا "ABC" و"NBC News".
بسبب مشاركته في مظاهرات مؤيدة لـ #فلسطين داخل الحرم الجامعي.. أصدرت قاضية هجرة في ولاية لويزيانا أمرًا بإمكانية ترحيل محمود خليل، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، بدعوى أنه يمثل "تهديدًا للأمن القومي الأميركي". pic.twitter.com/jgGmWKVczN
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 12, 2025
تتهم الحكومة الأميركية محمود خليل بأنه كذب في طلب الإقامة الدائمة، من خلال إخفاء صلته بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، حيث زعمت أنه عمل كـ"مسؤول الشؤون السياسية" في الوكالة الأممية بين حزيران/يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2023، وهي الفترة التي جرى خلالها ربط "الأونروا"، دون تقديم أدلة قاطعة، بهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
لكن وثائق المحكمة تُظهر أن خليل لم يكن موظفًا رسميًا في "الأونروا"، بل متدربًا، وقدّم محاموه رسائل رسمية من الوكالة ومن جامعة كولومبيا تُثبت أن التدريب كان جزءًا من برنامجه الدراسي، وتلقى عليه "ثلاث ساعات أكاديمية" (Academic Credit Hours)، وهي تُعادل 3 نقاط في السجل الأكاديمي للطالب.
وبحسب شبكة "ABC"، فإن "الأونروا" نفسها صرّحت بأن مسمى "مسؤول الشؤون السياسية" غير موجود ضمن هيكلها الوظيفي.
تلاعب زمني ومغالطات في الأدلة
من ضمن الاتهامات الأخرى، زعمت الحكومة الأميركية أن خليل أخفى انتماءه إلى تحالف جامعة كولومبيا لإنهاء الفصل العنصري "CUAD" الطلابي، والذي قاد احتجاجات ضد الحرب على غزة داخل حرم الجامعة. لكن محاميه أكد أن "CUAD" ليس منظمة رسمية مسجلة بعضوية ثابتة، بل ائتلاف من مجموعات طلابية.
اللافت أن معظم الأخبار التي تربط خليل بالنشاط السياسي ظهرت بعد تاريخ تقديمه طلب الإقامة في 29 آذار/مارس 2024، مما يُضعف قانونيًا حُجّة الحكومة.
زعمت السلطات أن محمود خليل واصل العمل لصالح السفارة البريطانية بعد عام 2022، إلا أن وزارة الخارجية البريطانية نفت ذلك، وأكدت أنه أنهى عمله رسميًا في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، وغادر منصبه إثر قبوله في منحة دراسية بجامعة كولومبيا في نيويورك.
📌 في تصعيد جديد من إدارة #ترامب ضد الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين، قامت السلطات الأميركية باعتقال الناشط الفلسطيني البارز في الاحتجاجات المناهضة للحرب الإسرائيلية على #غزة في جامعة كولومبيا، محمود خليل، بسبب نشاطه في الاحتجاجات.
📌 يثير اعتقال خليل تساؤلات حول مدى حرية التعبير… pic.twitter.com/oWGKbfLpqG
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 10, 2025
تسليح قانون الهجرة لقمع التضامن مع فلسطين
تأتي قضية خليل في سياق حملة أوسع تقودها إدارة ترامب لاستهداف الطلاب والنشطاء المؤيدين لفلسطين، مستخدمة قوانين الهجرة كأداة قمع. خليل ليس الوحيد، إذ اعتُقل طلاب آخرون يحملون تأشيرات أو بطاقات إقامة دائمة، وتعرض بعضهم للاحتجاز دون إبلاغ محاميهم.
وقد أُوقف خليل في 8 آذار/مارس أمام سكن جامعي تابع لجامعة كولومبيا، من قِبل عناصر بملابس مدنية أخبروه أن تأشيرته أُلغيت، وعندما أبلغتهم زوجته أن لديه إقامة دائمة، أُبلغوها بأنها أُلغيت أيضًا، دون أي إشعار رسمي. نُقل بعدها إلى مركز احتجاز في لويزيانا، رغم أن قضيته لا تزال منظورة أمام محكمة اتحادية في نيوجيرسي.
ترهيب منهجي وإخضاع سياسي
قرار الترحيل يعكس تصعيدًا غير مسبوق في قمع حرية التعبير في الحرم الجامعي الأميركي، إذ بات يُنظر لأي تعاطف مع الفلسطينيين كتهديد أمني، وتُربط النشاطات الحقوقية بـ"الإرهاب" أو "التحريض"، ضمن خطاب سياسي يتصاعد ضد النشطاء المتضامنين مع القضية الفلسطينية.
ويُخشى أن يُستخدم الحكم كمقدمة لترحيل آخرين من حاملي الإقامات المؤقتة أو الطلاب الحاصلين على منح دراسية، في ظل توجّه متشدد من سلطات الهجرة الأميركية تجاه النشطاء والمناصرين للقضايا السياسية الحساسة. ولا سيما أن قضاة الهجرة يخضعون إداريًا لوزارة العدل، ما يضع استقلاليتهم موضع شك، ويُثير مخاوف من "تسييس قرارات الترحيل" في قضايا ذات طابع حقوقي أو سياسي.
يترقّب الطالب الفلسطيني محمود خليل جلسة حاسمة أمام المحكمة يوم الجمعة ستحدد ما إذا كان سيُطلق سراحه نهائيًا أو ستُعاد إجراءات ترحيله.
اقرأ أكثر: https://t.co/lkMElLnKm6 pic.twitter.com/eVc67qRYY9
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 9, 2025
محاكمة سياسية بأدوات قانونية
في خلفية القضية، تبرز محاولة توظيف مؤسسات الدولة القانونية، مثل قانون الهجرة، لتصفية حسابات سياسية مع معارضي سياسات إسرائيل. فالإعلام "التابلويدي" اليميني لا يُستخدم هنا كمجرد مصدر، بل كأداة سياسية لتغذية سردية أمنية مفبركة. والطالب محمود خليل، الذي شارك في المفاوضات الطلابية، أصبح هدفًا لأنه يمثّل وعيًا جديدًا يتبلور داخل الجامعات الأميركية.
وتُعتبر قضيته اختبارًا حقيقيًا لحدود حرية التعبير في الولايات المتحدة، وللقدرة التي تملكها الحكومة على قمع المعارضين دون الحاجة إلى توجيه تهم جنائية أو إثبات أي مخالفة قانونية واضحة.
نهاية مفتوحة.. وبداية حملة جديدة؟
لا يزال بإمكان محمود خليل استئناف قرار الترحيل حتى 23 نيسان/أبريل الجاري، وقد يُعاد النظر في قضيته أمام المحكمة الفيدرالية. لكن الخطر الحقيقي يكمن في المناخ العام، حيث يُجبر الأكاديميون والنشطاء الداعمين لفلسطين على التراجع أو الصمت، في ظل حملة تخويف منظمة تهدد مستقبل الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية.