24-يناير-2020

17 تشرين وVécu وتكتك، إعلام من قلب ساحات الاحتجاج

من مستجدات انتفاضات 2019 حول العالم، إدراك المحتجين أن المعلومة تمثل جزءًا من المعركة التي يخوضونها، لذا أقدم محتجون في عدد من المناطق حول العالم، إلى صناعة إعلامهم الخاص. 

من مستجدات انتفاضات 2019 إدراك المحتجين أن المعلومة جزءٌ من معركتهم، وهكذا ولدت مشاريع صحفية من ساحات الاحتجاج

وهكذا ولدت مشاريع صحفية من رحم ساحات الاحتجاج، مثل "تكتك" في العراق و"17 تشرين" من لبنان، وقبلهما "Vécu" من قلب حركة السترات الصفراء في فرنسا.

اقرأ/ي أيضًا: تكتك.. جريدة شبابية جديدة من ساحة التحرير 

تكتك.. إعلان قيامة العراق

"الساعة الخامسة صباحًا، وكنَّا معتصمين في ساحة التحرير بوسط بغداد، نطق أحد الأصدقاء قائلًا: لما لا ننشئ جريدة؟ سادت ضحكات مستغربة الفكرة أولًا، لكن سرعان ما صدّها الإصرار على المضي قدمًا في المشروع. وهكذا بدأت الفكرة"، يروي مهتدى أبو الجود، الكاتب العراقي الشاب وعضو هيئة تحرير تكتك، لـ"الترا صوت" قصة صدور أول عدد لصحيفة الانتفاضة العراقية.

صحيفة تكتك

منذ هذا العدد الأول وخط سير تكتك واضح. هكذا كانت صفحتها الأولى بيانًا لمطالب الانتفاضة، معنونة بـ"الشباب يعلنون قيامة العراق"، حيث قدمت خريطة إنقاذ للبلاد.

أما عن سبب التسمية بـ"تكتك"، فيقول عضو هيئة التحرير: "أسميناها تكتك تيمنًا باسم عربة الفقراء التي أصبحت أيقونة هذه الثورة، وتثمينًا لدور أصحاب التكتك الأسطوري في نقل المصابين والجرحى والشهداء في ساحة التحرير".

منذ ذلك الحين أصبحت جريدة تكتك، صوتًا إعلاميًا لساحة التحرير. كل يومين أو ثلاثة يصدر منها عددًا جديدًا. ويقوم مهتدى أبو الجود وزملاؤه باستلام ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف نسخة لكل عدد من المطبعة، يوزعونها مجانًا على خيام المعتصمين.

في لبنان.. "17 تشرين" تكتب صحافتها

من بين الأسئلة التي يطرحها العدد الأول من جريدة "17 تشرين"، الصادرة من قلب ساحات الانتفاضة اللبنانية، هو سؤال: "أين الإعلام المعارض؟". يجيب صاحب المقال: "غالبيّة وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة هي ملك عائلاتٍ سياسيّة ورجال أعمال، بالإضافة إلى مؤسسات إعلاميّة مرتبطة مباشرة بالأحزاب". 

وفي حين يمثل هؤلاء الساسة ورجال الأعمال نقيض الانتفاضة اللبنانية، فإن صحيفة 17 تشرين تأخذ موقعها ضمن صفوف المحتجين، لنقل خطاب الانتفاضة "الصادم" بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدية في لبنان.

كما أن هناك سبب ثانٍ لإطلاق صحيفة 17 تشرين، يوضحه لـ"الترا صوت"، إبراهيم حلوي، الناشط الحقوقي وعضو فريق تحرير الصحيفة، بقوله: "هناك حاجة ماسة لمنصة إعلامية تقدمية تجمع كل الأفكار التي تذخر بها ساحة الثورة اللبنانية، خالقة قاعدة نقاش بنّاء، من أجل خط سطور مشروع سياسي عملي وبديل للوضع الراهن بالبلد".

تعتمد جريدة "17 تشرين" في محتواها على مواد يكتبها نشطاء الحراك، والذين يبعثون بإسهاماتهم لفريق التحرير كي تنشر بعد تنقيحها وتحريرها. "نحن نحرص على ألا يكون المحتوى تنظيريًا، وعلى تمثيل الديموقراطية التي نطمح بها من خلال المنصة"، يقول إبراهيم حلوي، مؤكدًا انفتاح المشروع على كافة الأصوات التقدمية التي تضج بها ساحة الاحتجاج اللبناني.

Vécu.. إعلام السترات الصفراء

قبل اندلاع الانتفاضة في العراق ولبنان، وقبل خروج "تكتك" و"17 تشرين" للعلن، مثل المد الأصفر الذي اجتاح فرنسا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2018، شرارة انطلاق الانتفاضات حول العالم.

ومع انطلاق حركة السترات الصفراء إثر الزيادات الضريبية على سعر المحروقات التي استهدفت الفقراء، كان إعلام الطبقة الحاكمة الفرنسية في صف حكومة ماكرون، والذي بدوره اعتمد التعتيم والتضليل في متابعته للقضية، متهمًا المحتجين بالتخريب وإشاعة الفوضى.

هذا ما دعا لإنشاء منصة إعلامية تمثل الصوت الاحتجاجي، وكانت تحت عنوان "Vécu"، وترجمتها للعربية "مُعاش"، يقدمها مؤسسها، غابان فورمون، على أنها "صحافة حرة تكشف الحقائق، عكس الصحافة الرسمية التي دأبت طيلة تغطيتها في الوقوف بجانب السلطة ضد الشعب".

ويضيف غابان في حديث سابق لـ"الترا صوت"، أن "السنوات العشر الأخيرة عرفت عملية استحواذ على المؤسسات الإعلامية، ما أدى إلى تركيز الإعلام الفرنسي في يد عشر مليارديرات في البلد. والنتيجة هي أن 89.9% من الجرائد اليومية الوطنية، و53.3% من ساعات البث التلفزيونية و40.4% من ساعات البث الإذاعية، جميعها تحت يد هؤلاء المليارديرات"، في إشارة إلى أسماء كالملياردير برنار آرنو، صاحب شركة الصناعات الفاخرة LVMH ومالك جريدتي Les Echos وLe parisien، وباتريك دراحي صاحب عملاق الاتصالات SFR ومالك جريدتي Libération  وL’Expresse إضافة إلى تلفزيون BFM، وغيرهما.

17 تشرين
أطلقت جريدة 17 تشرين من ساحات الانتفاضة اللبنانية

ومنذ انطلاقها، ظلت منصة "Vécu" المرافق الدائم لحركة السترات الصفراء، متواجدة لتغطية كل احتجاجاتها في الشارع الفرنسي، وعرض كل مستجداتها وأخبارها، وبمساحة نشر شملت من النقل المباشر للاحتجاجات إلى الحوارات مع نشطاء الحركة، إلى الدعوة لجمع التبرعات لجرحى قمع قوات الأمن.

وبعد سنة أتمتها السترات الصفراء، أطفأت المنصة الإعلامية شمعتها الأولى أكثر قوة، فالآن صار لها مراسلون في أغلب المقاطعات الفرنسية، وعزز انطلاق الإضراب العمالي العام من تواجدها على الأرض.

إعلام الثورة تموله الثورة

"التمويل بدأ بشكل تلقائي ومتواضع، عملنا علبة كرتون وأخذنا نجوب ساحات التظاهر نجمع التبرعات"، يروي إبراهيم حلوي كيفية الحصول على التمويل لإطلاق جريدة 17 تشرين. ومكنت حملة جمع التبرعات الأولى من طبع ثلاثة آلاف نسخة وزعت في أرجاء البلاد. ومع زيادة الطلب على الجريدة، أطلق القائمون عليها حملة جمع تبرعات ثانية عبر الإنترنت.

يقول حلوي: "مكنتنا الحملة الثانية من جمع 3500 دولار، خصصناها لطبع نسخة أخرى من العدد الأول، وطبع العدد الثاني. وبعد ذلك من الممكن أن نطلق اشتراكًا خاصًا يساهم به قراءنا". ويعلل حلوي اختيار هذا النموذج في التمويل، بأنه "يضمن استقلالية المنصة وشفافية التمويل".

"الاستقلالية" سؤال يطرحه أيضًا القائمون على جريدة تكتك العراقية. وعلى إثر هذا الهاجس اعتمدوا تمويل جريدتهم بشكل ذاتي بما توفر لهم من موارد. يؤكد على ذلك مهتدى أبو الجود، قائلًا: "يتعاون على التمويل كل القائمين على المشروع"، مشيرًا إلى أنهم لم يفتحوا أي باب للتبرعات أو المنح، حرصًا على الاستقلالية.

أما بالنسبة لـ"Vécu"، فاعتمد التمويل على مساهمات نشطاء حركة السترات الصفراء، وعبر حملة جمع تبرعات أطلقت على الإنترنت.

ورقية وليست إلكترونية

اختيار "Vécu" النشر الإلكتروني عوض الورقي، لما يتوافق وخطها التحريري، وبوصفها منصة تركز أكثر على النقل المباشر عبر الخاصية التي يمنحها موقع فيسبوك، ومن خلاله تعرض تطورات الاحتجاجات التي تغطيها، وكذا البرامج الحوارية. 

من جهة أخرى، فإن اختيار الوسيط، ورقي أم إلكتروني، كان إشكالًا تكتيكيًا بالنسبة لجريدتي 17 تشرين في لبنان وتكتك في العراق. يشرح إبراهيم حلوي، عضو فريق تحرير 17 تشرين: "في نظرنا أن السوشيال ميديا ليست وسيلة عاجزة عن إنتاج العمل السياسي فقط، بل إنها تعطي حقيقة مشوهة عن هذا العمل، بإيهامك أنك وصلت للتأثير في المجتمع، في حين أنك لا زلت بعيدًا عنه". وهذا ما دفع فريق 17 تشرين إلى اعتماد الطبع الورقي، الذي يعد في نظرهم أكثر مصداقية وقدرة على إيصال الأفكار للأماكن والأشخاص الذين لا تصلهم السوشيال ميديا، هذا بالإضافة إلى توفير نسخة إلكترونية على الإنترنت.

Vécu
رافقت صفحة Vécu احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا بالتغطية الإعلامية

وهناك سبب ثانٍ يحدده حلوي، يتمثل في "سيطرة الحكومة على العالم الافتراضي، وضيق مساحة الحرية داخله"، بالتالي هذا النشر الورقي كان بالنسبة لهم بمثابة اجتراح لمساحة من الحرية تنتقل عبرها أفكارهم.

بدورها، لا تكلف الحكومة العراقية نفسها للسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدلًا من ذلك تقطع الإنترنت تمامًا عن البلاد، وعليه كان خيار الطبع الورقي لتكتك، متسقًا مع الواقع.

يقول مهتدى أبو الجود عضو هيئة تحرير تكتك: "نشرنا الجريدة ورقيًا لنجابه قطع الإنترنت". ومع ذلك يستغل مهتدى وزملاؤه القليل من التكنولوجيا لإيصال نسخ بصيغة "PDF" من الجريدة لتطبع في المناطق العراقية الأخرى.

قمع وتهديد واعتقال

"وصلنا تحذير بضرورة مغادرة بغداد بأقصى سرعة، وإلا فسنتعرض للاغتيال"، يكشف أبو الجود لـ"الترا صوت" عن المخاطر التي يتعرض لها فريق جريدة تكتك، والتي وصلت إلى حد التهديد بالاغتيال، قائلًا: "واضح أن المليشيات الطائفية هي المسؤولة عن هذه الحملة ضدنا".

أمام هذا التهديدات، اضطر فريق جريدة تكتك إلى مغادرة بغداد. ومنذ أسابيع يقضي صحفيو تكتك أيامهم مشردين يحاولون التخفي عن خطر قد يؤدي إلى تيتيم أبنائهم.

تعرض صحفيو جريدة تكتك العراقية، للتهديد بالاغتيال بسبب جريدتهم، ما اضطرهم إلى مغادرة بغداد والاختباء منذ أسابيع

كما لم يسلم صحفيو 17 تشرين من التهديد والقمع، والذي استهدف في 16 كانون الثاني/يناير 2020، جملة من الصحفيين الذين تواجدوا في ساحة الاحتجاج آنذاك، كان من بينهم بشير أبو زيد، رئيس تحرير الجريدة، والذي اعتقل واقتيد إلى ثكنة الحلو سيئة السمعة، كما صورت ذلك كاميرات المدونين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"Vécu".. إعلام السترات الصفراء البديل في وجه فرنسا الرسمية

الثورة المضادة في لبنان بقيادة إعلام "الممانعة"