23-أبريل-2021

صادق هدايت (1903 - 1951)

هنا قصة للكاتب الإيراني صادق هدايت (1903 - 1951) تُرجمت عن الفارسية. ويعدّ هدايت مؤسسس الكتابة القصصية في إيران. 


الرجل الذي صعد في طريق "خونسار" ليلًا في الحافلة، كان يلف جسده جيدًا بمعطفه نيلي اللون، وكان قد أنزل حافة قبعته الطويلة إلى طرف جبينه، كأنه يريد أن يكون بأمان وانفصال عن العالم الخارجي ولا يريد الاتصال به، كان في حوزته مغلف يضمه إلى نفسه طوال تواجده في الحافلة، في النصف الساعة التي جمعتنا في الحافلة لم يشارك قط في الحوار مع السائق أو مع المسافرين، لذلك ترك انطباعًا صعبًا عن نفسه، في كل مرة حين يسطع علينا مصباح الحافلة، أو ضوء ما داخل الحافلة أو خارجها، كنت أسرق النظر إلى وجهه: كان له وجه أبيض شاحب، وأنف صغير ورفيع كالقلم، وكان جفناه يتدليان للأسفل بإرهاق، ويُرى شقان على جانبي شفتيه بحيث يُظهران عزمه وقوة إرادته، كأن رأسه قد نُحِت من الحجر، بين حين وآخر كان يبلل شفتيه بلسانه ومن ثم يغطس ثانية في التفكير.

توقفت حافلتنا في "خونسار" أمام مرآب "مدني"، رغم إنه كان من المقرر أن نستمر في الحركة طوال الليل لكن السائق وجميع المسافرين نزلوا، ألقيتُ نظرة خاطفة على أنحاء المرآب والمقهى وشعرت أن المكان غير مرحب بالضيوف، ثم ذهبت قرب السيارة ومن أجل إتمام الحجة قلتُ للسائق: يبدو إننا سوف نبقى الليلة هنا؟

- أجل، لو الطريق سمح لنا بالعبور، غدًا..

الليلة سوف نبقى هنا وفي الفجر نكمل الرحلة.

ثم رأيت الشخص الذي يرتدي المعطف أتى نحوي، وقال بصوت هادئ ومختنق: "هنا ليس مكانًا جيدًا للبقاء لو إنك لا تملك مكانًا للإقامة أو ليس لديك أقرباء هنا، يمكنك المجيء إلى منزلي".

- شكرًا كثيرًا، لا أريد أن أسبب لك الإزعاج.

أنا أكره المجاملة، ولا أعرفك ولا أريد أن أعرفك ولا أريد أيضًا أن أترك معروفًا لك لأنني منذ أن بنيت غرفة على ذوقي بقيت غرفتي السابقة بلا فائدة لكنني أشعر إنها أفضل من المبيت في المقهى.

تركت لهجته البسيطة الخالية من التكلف والمجاملة أثرًا جيدًا في نفسي وفهمت إنني لا أتعامل مع شخص عادي وقلت: "حسنًا، أنا جاهز" وبلا تردد أتبعته.

أخرج من جيبه كشافًا يدويًا، وأشعله، وسقط أمام أقدامنا عمود رفيع من الضوء، واجتزنا عدة أزقة مرتفعة ومنخفضة من بين الجدران الطينية، وكان الصمت والهدوء يخيمان على جميع الأنحاء، وينفذ نوع من الهدوء والخدر في جسمي.. كان يأتي صوت مياه ونسيم لطيف يعبر من الأشجار ويلامس وجهنا، كانت هناك أضواء من بعيد تتهامس من البيوت، لوهلة من الوقت مشينا بصمت ولأجل أن أجعل صديقي الغريب يبدأ بالحديث قلت: "هنا ربما يمكن أن تكون مدينة جميلة".

كأن صوتي أفزعه، بعد قليل من التأمل قال بهدوء: "ما بين كل المدن التي رأيتها في ايران، أعجبتني "خونسار"، ليس من أجل أن بها الكثير من الحقول وأشجار الفاكهة والمياه، وإنما غالبًا لأنها ما زالت تحتفظ لنفسها بالحالة والأجواء القديمة، لأن أزقتها وبيوت الطين والأشجار الطويلة الصامتة بقيت كما السابق، يمكنك أن تشم رائحتها، ولم تفقد أيضَا ترحيبها بالضيوف، هنا مكان بعيد ومنسي، وهذا الأمر شاعري، الصحف، والسيارات، والطائرات والسكك الحديدية من مصائب هذا القرن، بالأخص الحافلة التي تنشر الغبار والتراب وصوت البوق العالي يجعل عامل السائق يشعر بالوجد، أفكار سطحية وأذواق عوجاء وتقليد أحمق يخرج من كل النوافذ، ثم يسلط الضوء على إطارات النوافذ ويقول: انظر! نوافذ على فن الأويما، انظر كيف يجعل البيوت نادرة والمرء يشعر بالحياة حين يستنشق رائحة الأرض ورائحة حصاد البرسيم، يمكنك أن تشم أيضًا رائحة قذارة الحياة، وصوت صرصار الليل والطيور الصغيرة، الناس القديمة البسيطة والمؤذية، كل هؤلاء يجعلونك تشعر بالحياة القديمة الضائعة ويبعد المرء من الحياة الجديدة المصطنعة!

 ثم فجأة كأنه شعر أنه قام بدعوتي سابقًا، قال: هل تعشيت؟

- أجل، تعشينا في مدينة "كلبايكان".

مررنا بجوار عدة أنهار، وأخيرًا قرب الجبل، فتح باب أحد البساتين، ودخلنا كلانا. وصلنا قرب بناية جديدة، ودخلنا في غرفة صغيرة، كان فيها سرير رحلات، وطاولة وكرسيان مريحان. أوقد مصباح الكيروسين، وذهب إلى غرفة أخرى، وبعد بضعة دقائق دخل مرتدي البيجامة ذات ورود بلون لحمي وجلب معه مصباحًا آخر، وأشعله. ثم فتح المغلف الذي كان معه وأخرج اباجورة بلون أحمر قاتم ووضعها فوق الضوء وبعد دقائق من التأمل، قال بتردد: هل تريد الذهاب إلى غرفتي الشخصية؟ أخذ الأباجورة معه، وعبرنا من تحت طوق مزخرف أسطواني الشكل مطلي بلون ترابي ومفرش يغطي الأرضية بلون أحمر، فتح الباب الآخر ودخلنا في غرفة بيضاوية الشكل وعلى الأغلب ما كان لها منفذ إلى الخارج إلا إذا كان هناك باب يطل على الممر، الغرفة ما كان فيها أي خطوط هندسية وكل أجزائها وسقفها وسطحها كان بلون عنابي، مُلئت رئتي بالعطر المتناثر في الجو. وضع الأباجورة على الطاولة، وجلس على السرير الذي كان يتوسط الغرفة، وأشار إلى الكرسي، وجلست عليه. كان على الطاولة إبريق من الحليب، بدأت أنظر باستغراب إلى الباب والجدار وكنت أتخيل أنني بلا شك وقعتُ أسيرًا في يد رجل مخبول غير سوي، وهذه غرفة تعذيبه! لهذا مصبوغة بلون الدم كي لا تنكشف جرائمه ولا يوجد فيها منفذ إلى الخارج!

كنت أنتظر ضربة هراوة على رأسي، أو يغلق الباب، وهذا الشخص يهجم عليّ بالسكين أو يطلق الرصاص.

لكنه بتلك اللهجة الهادئة، سأل: ما رأيك بغرفتي؟

- الغرفة؟ عفوًا، أشعر إنني جالس في كيس بلاستيكي!

هو دون اعتناء بكلامي قال مجددًا: طعامي هو الحليب فقط، هل تتعشى؟

- أشكرك، أخبرتك سابقا إنني تعشيت!

- قدح من الحليب لن يضرك، ووضع إناء الحليب والقدح أمامي، رغم إنني كنت فاقد الشهية لكنني شربت قدحًا من الحليب ثم وضع ما تبقى في القدح، وبدأ يرتشفه بهدوء، ويدور لسانه على شفتيه، كأنه يمرر ذكريات ما. وكان وجه الشاب الشاحب، وأنفه القصير الحاد، وشفتاه الممتلئة أمام الضوء الأحمر تضعه في مشهد شهواني. كان يملك جبينًا عاليًا بوريد أزرق بارز، شعره تمري اللون يصل طوله لأكتافه.

بدا وكأنه يتكلم مع نفسه.. قال: "لم أشترك يومًا في ملذات الآخرين، وكان دائمًا يقف في طريقي شعور صعب وإحساس بائس، وجع الحياة، مصاعبها، وأكبر خلل فيها اللقاء بأناسها، شر المجتمع الفاسد، شر الطعام والملبس، كل هذه الأمور تجعل وجودنا الحقيقي لا يستيقظ، حدث مرة أنني دخلت في جمعهم أردت تقليد العامة، رأيت إنني أسخر من نفسي، جربت كل شيء من الملذات، رأيت ملذات الآخرين لا تناسبني، كنت أشعر دائمًا في كل مكان أنني أجنبي. لم تكن هناك أي علاقة تربطني بهم، لم أستطع الاندماج معهم، دائمًا كنت أقول لنفسي: سوف أهرب يومًا من المجتمع وأعيش في مكان بعيد أو في قرية بانزواء. لكني ما كنت أريد جعل هذا النمط من الحياة شيئًا يثير شهرتي، ما أردت أن أكون محكومًا بأفكار أحد أو أقلد أحدًا، أخيرًا قررت صنع غرفة تناسبني، مكان أكون فيه أنا لذاتي، مكان لا تشتت فيه أفكاري، أنا في الواقع خلقت إنسانًا كسولًا، العمل والسعي هما للإنسان الخاوي وبهذه الأدوات يريدون ملأ الحفرة التي بباطنهم، هذا السعي المستمر للجياع!

لذلك قد امتلأت الحفرة التي بداخل آبائي وأجدادي وأورثوني الكسل، لا أشعر بالفخر بهم، إضافة إلى ذلك هذا المجتمع ليس كسائر المجتمعات الطبقية، ولو أردت أن تنبش قليلًا بأصول آبائهم وأجدادهم لاكتشفت أهم سراق أو متملقون للملوك أو صرافون، ولو أردت الزحف أعمق سوف تصل بالتأكيد إلى القردة.

لذلك الشيء الوحيد الذي أعرفه إنني لم أخلق لأعمل فقط، الأشخاص الذين يريدون فرد عضلاتهم وقدراتهم الفكرية المتجددة يمكنهم أن يتأقلموا بهذا المجتمع الذي يتطابق مع ميولهم وذائقتهم وشهوتهم ولو أردت الانضمام لهم عليك أن تبلع حبة قوانينهم الجبرية والتابعة لهم، هذا الأسر، يسمونه العمل! ولو أراد عامل حقه في العيش، فعليه أن يستجدي منهم! هذه الحياة فقط حفنة من السراق والحمقى وعديمي الخجل يمكنهم العيش فيها، ولو أراد واحد منا أن يرفض السرقة أو التملق أو الدناءة يقولون عنه: ليس صالحًا للحياة، الأوجاع التي تحملتها، الحمل الموروث من آبائي وأجدادي أرهقني، هؤلاء لا يمكنهم فهم ذلك، أنا مرهق من تعب آبائي وأشعر باستمرار بنوستالجيا والتوق إلى الماضي، أردت كالحيوانات الشتوية أن أخبئ نفسي في حفرة وأغوص في ظلامها وأصنع قوامًا لي تمامًا كغرفة التحميض، كيف تبدأ الصورة بالظهور، من كثرة الركض في الحياة والجدال المستمر فيها الضياء يختفي فينا ومن ثم يموت، فقط في الظلام يمكن لتلك الصورة الحقيقة الظهور والنمو من جديد وهذا الظلام كان موجودًا في داخلي عبثًا كنت أحاول إخفاءه، أتحسر على تلك الفترات التي طاوعت بها البشر، الآن فقط عرفت إن الظلام الركن الثمين لي، هذا الصمت المطبق، وهذا الظلام في باطن كل الكائنات، يظهر حين نلجأ إلى الانزواء الذاتي لنا، حين ندع أنفسنا جانبًا عن مظاهر الحياة الدنيوية، لكن الناس دائمًا في هروب مستمر من هذه العزلة، يغلقون آذانهم من صوت الموت ويخبئون شخصيتهم في ضجيج الحياة ويدمرونها، لا أريد كالمتصوفين أن أقول: إن نور الحقيقة تجلى في نفسي، على العكس انتظر هبوط الشيطان في داخلي، أريد أن أكون حقيقيًا وأستيقظ.

أشعر بالقرف من جمل المتنورين الجوفاء ولا أريد لأجل احتياجات الحياة القذرة المصطنعة، التي تطابق تمامًا أمنيات السراق والمهربين والكائنات التي تتعبد الذهب، أن أمحو شخصيتي الحقيقية، فقط في هذه الغرفة أستطيع أن أعيش مع نفسي ولا أخسرها، هذا الظلام والضوء الأحمر ضروريان بالنسبة لي، لا أستطيع الجلوس في غرفة يكون فيها ضوء النافذة ورائي، أشعر أن أفكاري تتطاير ولا أحب الضوء، تحت الشمس كل شيء عادي وبليد، الخوف والظلمة مصدر الجمال: القطة في الضوء تبدو عادية، لكن في ظلام الليل تبدأ عيناها في اللمعان، وشعرها يبدأ بالتموج، وحركاتها تصبح لها دلالة خفية، نبتة الوردة في النهار تبدو ذابلة وملفوف حولها بيت العنكبوت، لكن في الليل كأن أسرار تدور حولها وتصبح ذات معنى، الضوء يدع الكائنات في يقظة وحذر، في الظلام كل الأشياء تبدو سرية كل المخاوف الضائعة تستيقظ، في الظلام المرء ينام لكنه يسمع، وهناك تبدأ الحياة الحقيقية غير المتصلة بحاجة الحياة الدنيئة، يبدأ بطي الحياة المعنوية ويصل إلى إدراك تام لكل الأشياء المجهولة".

***

بعد هذا الخطاب الرنان، صمت فجأة. كأن كلامه كان تبرئة لنفسه. هل هذا الشخص كان ابنًا لعائلة أرستقراطية قد تعب من الحياة؟ أم أنه كان يتألم من شيء غريب؟ على أي حال لم يكن يفكر كعامة الناس، وكنت أجهل كيف أرد عليه، كان وجهه فيه شيء خاص، ظهر الشقان قرب شفتيه أعمق من قبل، وبدأ الشريان النابض على جبينه يتورم، وحين يتكلم كانت أرنبة أنفه ترتجف، ويجعله انعكاس اللون الأحمر على وجهه الشاحب مرهقًا وتعيسًا، كان يشبه رأسًا مصنوعًا من الشمع ومتناقضًا تمامًا مع الشخص الذي رأيته في الحافلة. حين يحني رأسه، كانت ابتسامة خفيفة تظهر على شفتيه، ثم فجأة كأنه انتبه إلى شيء ما، قال بنظرة حادة ومصحوبة بالسخرية لم أعتد عليها: "أنت مسافر متعب، وأنا تكلمت كثيرًا عن نفسي".

- "أي أحد يتفوه بأي شيء هو في الأصل يتكلم عن نفسه، هذه الحقيقة الوحيدة لأي أحد، جميعنا بشكل غير متعمد نتكلم عن أنفسنا، حتى في المواضيع الخارجية ننطق بأحاسيسنا ومشاهداتنا الذاتية لكن على لسان غيرنا، أكبر معضلة لنا أن يظهر المرء الحقيقة كما هي".

ندمت من ردي لأنه كان عديم المعنى وغير متناسب ولا محل له، لا أعرف ما أردت إثباته، ربما كان قصدي تملقًا غير مباشر مني لمضيفي، لكنه دون أن يعير لي أهمية، حدق بنظرته الموجعة إليَّ لثوانٍ، ثم نزل جفناه مرة أخرى إلى الأسفل. حرك لسانه على شفتيه كأنه يسير في عالم آخر.

قال: دائمًا كنت أتمنى أن أصنع مكانًا مريحًا يطابق ذوقي وميولي، ففي النهاية لم يناسبني الغرف التي أعدت من قِبل الآخرين. كنت أريد أن أبقى مع نفسي وذاتي، لأجل هذا العمل حولت كل ما أملك إلى قطع نقدية. أتيت إلى هذا المكان وبنيت هذه الغرفة، وجلبت معي كل هذه الستائر المخملية وحرصت على كل هذه التفاصيل الموجودة هنا، كنت قد نسيت هذه الأباجورة الحمراء، ثم بعد توصية عليها في طهران وصلت اليوم، لأنني لا أرغب بالخروج من غرفتي أبدًا، ولا أريد معاشرة أحد، حتى طعامي اختصرته في الحليب كي أستطيع شربه إن كنت جالسًا أو متمددًا ولا أحتاج إلى الطبخ، وعاهدت نفسي إن حصل ونفدت أموالي فلن احتاج إلى أي أحد وبيدي أختم حياتي!

اليوم هو اليوم الأول الذي سوف أنام بغرفتي، أنا إنسان سعيد لأنني حققت أمنيتي، إنسان سعيد، كم تصوره صعب، لم أكن أبدًا أتخيل هذا لكن الآن أنا إنسان سعيد! ثم صمت مجددًا.

لأجل كسر الصمت المزعج قلت: الحالة التي تبحث عنها، تشبه حالة الجنين في رحم الأم الذي بلا هاجس وجدال وتملق في باطن جدار أحمر ودافئ وناعم منطوٍ، وبهدوء يمتص دم أمه وبهذا الشكل التلقائي يمضي على احتياجاته. هذه نوستالجيا الفردوس الضائع القابعة في أعماق كل إنسان، أن يحيا المرء في نفسه ولنفسه ربما هذه طريقة موت اختيارية؟ كأنه ما كان ينتظر من أحد أن يتدخل ما بين حديثه النفسي، نظر إليَّ باستهزاء وقال: "أنت مسافر ومتعب، تفضل للذهاب إلى النوم!" مسك بالضوء وقام بإرشادي إلى الممر وأشار إلى الغرفة.

كان قد انقضى نصف الليل. استنشقت الهواء، كأنني خرجت من سرداب وخم. كانت النجوم تتلألأ في السماء قلت في سري: "هل قابلت مجنونًا لوثًا أم نافذ البصيرة؟".

***

استيقظت يوم غد بعد ساعتين من الظهر، لأجل الوداع مع مضيفي، كإنسان غريب يذهب إلى حضرة معبد مقدس، بهدوء ذهبت قرب الممر وبحذر طرقت الباب. الممر كان مظلمًا وصامتًا، تسللت إلى الغرفة، كان الضوء يحترق على الطاولة، رأيته بتلك البيجامة الموردة، يضع يديه على وجهه ومقرفص مثل جنين في أحضان أمه، يعتلي السرير. ذهبت بقربه وحركت كتفه، لكنه بقي في تلك الحالة متيبسًا، بذعر خرجت من الغرفة وذهبت مسرعًا إلى المرآب، لأنني ما أردت أن تفوتني الحافلة.

هل على حد قوله نفد كيسه؟ أم شعر بالخوف من مدح تلك العزلة التي كان يتحدث عنها وأراد على الأقل أن يكون بصحبة أحد في آخر ليلة له؟ بعد كل هذه الأمور التي حصلت ربما هذا الإنسان هو السعيد الحقيقي وأراد أن يحتفظ بسعادته لنفسه وتلك الغرفة كانت غرفته المثالية!

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيرج بزشك زاده في "خالي العزيز نابليون".. كيف يقتلنا الخيال؟

ماتياس إينار وروايته "البوصلة": صورة الشرق من ثقافته