15-ديسمبر-2020

لوحة لـ بيت موندريان/ هولندا

إلى صاحبي،

إن الشجرة التي تَكبُر في رأسك غريبٌ أمرها، لقد استطابت بِذرتها غشاء دماغك السّميك وانشق جُذيرها من أوجاع رأسك، تُغذيها السيلات العصبية، وها هي اليوم ساق... لكن ماذا كنتَ تهدف من زراعتها؟ أتريد أن تمشي بين الجَمع من الناس فينظروا إليك ويقولوا: "هذا الرجل برأس شجرة" حتى يكون لك علوًا في القامة لم تبلغه في المكانة؟

وإن شجر الخشخاش الذي اخترتَه، لهو شجرٌ مزعج، يرمي بذوره كلما هبّ نسيم عابر! هوووو... تُرى هل جَفلت؟

الزوايا في البيوت الضيقة لها قيمة من حيث المساحة، تُزاحم فيها العرصات في البيوت الشاسعة، كلٌ له وظيفته المكانية، فلو مثلًا أخذنا الشجرة التي تكبر في رأسك ووضعناها هناك، لأَضفت سحرًا على الرُكن الضيق. اللون الأخضر الذي يُعانق الضوء الُمنكسر عبر زجاج النافذة: أخاذ... الأخضر والضوء المُنكسر وكلٌ فيه فصل من الحياة.

لكنك عنيدٌ يا صديقي، تتشبث بهذه الشجرة التي تنمو أُفقيًا نحو الفراغ، لو تخبرني غايتك من زراعتها، لكففتُ عن السّخرية من اختياراتك العبثية وهذا النهج بالانتقاء النخبوي... لكنك تُصر على اعتباري طالبًا لم يُدرك بَعد كنه المُصطلحات المُقعرة.

لو تعرف كيف يبدو مظهرك من الجانب والخلف، لضحكتَ كثيرًا، ربما ستتقنع لو قلت لك أنك تشبه القط توم حينما يضربه الفأر جيري على رأسه.

تسكبُ على أُذنيك صمغ الخواء أو سِمه إن شئت بالمعرفة المُتعجرفة وتركلني بقدمك التي تنتمي إلى النخبة، تأنف من ثقافة القطيع العريض، لكنكَ لا تعرف أن القطعان مُتكدسة على مقاعد النُخب، أيضًا.

صديقي العزيز صاحب الرأس شجرة، إنني نَعَس، ولن أُزين كلماتي وأختار أكثرها تعقيدًا أو تهذيبًا، فأنا ابن الصوت الأول، وأنا ابن الخطوة الأولى المُترنحة، تتلقفني ذراعي الحياة... وأنا الطفل الكبير يُغلق عليه غرفته ليُحدق طويلًا في السقف، ولا يستطيع حتى اليوم طَي قميص واحد على غِرار القُمصان المصفوفة في محلات الملابس.

أنا السهل أكره التعقيد اللغوي ومنح قصصي العابرة طابعًا بطوليًا استثنائيًا... لا زلتُ أغرقُ في سطر بكاء، ويُصيبني الهلع إذ ما اقتطع مسار نومي صوتٌ خارجي، ومن بين المتون المُتكدسة المتزايدة، فأنا الخُلاصة وإنني لا زِلتُ أحاول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إنها اللامبالاة يا شكسبير

ربما ليس سرطانًا!