08-مارس-2017

منال الدويان/ السعودية

على حيطان المرايا الأربعة التي تشكل الغرفة المستطيلة، أنعكس عددًا لا نهائيًا من المرات. تتكرر الهالات السوداء رغم "الكونسيلر" ذي الطبقتين إلى ما لا نهاية. شعري المشدود إلى الخلف على هيئة كعكة، خصل صغيرة لم تنم كفاية لتنضم إلى الجمع المحزب بعد، باب الغرفة المغلق يفضي إلى باب مغلق بداخله آلاف الأبواب المغلقة التي تضيق وتصغر وبهجة الأسرار الشفيفة التي تؤطرها تتضاعف. وأنا، حذاء قماش وردي، وشريطا ستان يلفتان إلى الأعلى متعاكسين، وتنورة مفرودة على الخصر، أبتسم فيبتسم لي الحشد الغفير في المرايا.

الحيطان المسافرة في ذاتها تلوح لي. باليرينا تأتي إلى غرفة الدرس مبكرًا. "إذا جاء دمك لا تخافي، هذا يعني أنك صرت امرأة". أمد رجلي اليمنى على بار الحديد الموازي لأحد الحيطان، أضم باطن قدمي بكلتا يدي، أحضن نفسي وأتنفس. يالصدق الطبيعة في التعبير عن ذاتها وقت جعلت مجيء الدم علامة اكتمال النساء.

أبدل الأرجل، أشد بطني التي نتأت رغم صحرائها، أو، كتفسير طبي بديل، بسبب صحرائها، أحضنني، أحبس نفَسي ثم أطلقه. "أنت ما عندك دم!" أكان ذلك سؤالًا أم تقريرًا؟ أمد يدي أضغط زر المسجلة القريبة فيتدفق بين المرايا صوت لارا فابيان "جو سويه مالاديه"، سرعان ما يصير الصوت صدى. ما أعظم الله وقت يجري الحقيقة على ألسنة المارة المتعبين وأنت ترتطم بهم من دون قصد!

أرفع رأسي، أضم ألواح ظهري، أرخي يدي إلى الوراء وأجري على رؤوس أصابعي إلى وسط القاعة كبجعة متعبة. "أحبك وأريد أن أكون أبًا… وأنا ألم أقل لك!؟" لبرتو لبرتو لبرتو؛ لحظة تصير قصة الباليرينا على المسرح مشهدًا رقيقًا من الموسيقى، كلمعة القداحة، لبرتو، شرارة تعرف وقتها، لا تتقدم في الزرع الأخضر، ولا تتأخر في المحاصيل الميتة. كطفل لم يولد، لبرتو، كطفل لن يولد، كامرأة لا تعرف متى تكتمل.

ببطء من ليس لديه ما يتأخر عليه، رفعت يميني فوق رأسي وحنيت كوعي، أنزلت يساري تحت صدري وحنيت كوعي، ركزت جسدي على رؤوس أصابعي ودخلت في الحضرة. عارفة بالطريقة، لا أفكر بالسماء، آلامي الصغيرة تكفيني. مريضة بالحياة و"كخطيئة أتشبث بها". وأدور. شعور النشوة يدغدغ أسفل بطني وباطن قدمي. "أنت غيمة على شمسك فاعرف نفسك" تكشف لي الحجب، يلوح لي ابن عربي فأتركه ورائي وأدخل في الرؤية، يتجلى لي بطني مسكونًا بملايين النجوم الصغيرة، بطن ولود ودود، أدور حوله في لحظة الوصل ويعاندنا كون يخجل بامرأة لا تحيض، علامة دامغة على النقصان.

أدور فتقهقه المرايا، أدور فتبتعد أرض الخشب، أدور وإذا بالأشبار التي تفصلني عنها تعلو وتقهقه، تعلو وتقهقه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما يجب أن يقال في يوم المرأة

عبارات الأفلام: شعر عبر الكاميرا