12-مايو-2019

باول كوزنسكي/ بولندا

كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة أوكسفورد أن أكثر من 6000 صاحب حساب على فيسبوك يموت يوميًا، وبالتالي فإن الفيسبوك هو أكبر مقبرة في العالم اليوم. كما توقعت الدراسة، بعد تحليلها لبيانات ومعلومات كثيرة، أن يكون عدد أصحاب الحسابات من الموتى، أكثر من حسابات الأحياء، مع حلول العام 2069.

يحافظ فيسبوك إذًا على خصوصياتك حتى بعد وفاتك، أكثر من أناس حقيقيين في حياتك تظن أنك تثق بهم.

وكان الفيسبوك قد منح في العام 2015 ميزة جديدة لمستخدميه، تتيح لهم "توريث" صفحتهم بعد موتهم لأشخاص يثقون بهم، يتولون إدارة الصفحة والاهتمام بها لإبقاء ذكرى صاحبها حية، فيمكن لهم تغيير الصور وقبول طلبات الصداقة ونشر نصوص الرثاء وما إلى ذلك، فيما تبقى المراسلات والأحاديث الخاصة للميت محمية ولا يمكن اختراقها. يحافظ فيسبوك إذًا على خصوصياتك حتى بعد وفاتك، أكثر من أناس حقيقيين في حياتك تظن أنك تثق بهم.

اقرأ/ي أيضًا: المنصّات فقاعة وهمٍ

مشوار جينا عالدني مشوار

في 20/7/2010 مات صديقي حسن، دهسته سيارة قرب مكان عمله. وُلد صديقنا الثالث بتاريخ 20/5/1985، ولدت أنا في 20/6/1986. كنت أقول لحسن دائمًا أنه كان عليه أن يولد في 20/7/1987 لتكتمل السلسة، فكان يرفض ذلك، ويصر على أنه يحب تاريخ ميلاده في آب/أغسطس 1987 والذي جعله من مواليد برج الأسد، كان يتفاخر دائمًا بميزات برج الأسد، ويطلب دائمًا من الأصدقاء أن يقراوا له توقعات برجه. لم يولد حسن في 20/7 لكنه مات في ذلك اليوم. لم أصدق عندما سمعت الخبر على الهاتف، كنت في القرية، وبقيت لساعات مقتنعًا أن هناك شيئًا ما غير صحيح. في المساء شاهدت الخبر على تلفزيون الجديد، نصدق التلفزيون دائمًا، كان ماريو عبود يتلو الخبر، في نشرة منتصف الليل. مات ثلاثة شبان بحوادث مختلفة في ذلك اليوم، كان حسن من بينهم. عرضَ التلفزيون صورة له ممددًا على الإسفلت الحارق في تلك الظهيرة التموزية.

كان يلبس قميصه الأبيض الذي استعترته منه ذات مرة، وكان الوشم في زنده باديًا بشكل واضح، كان هو فعلًا.

وما عدت شفتك

يقولون إن الميت يشعر بدنو ساعته. قبل موت حسن ببضعة أيام كنت في بيروت للمرة الأولى منذ فترة طويلة، لم أخبر أحدًا بذلك. كان يوم أحد، سمعت صوت حسن يأتي من الشارع، قال لي إنه كان قريبًا من بيتي، وأنه شعر بأنني قد أكون في المنزل. تحدثنا عن العمل الذي بدأ به، وعن مونديال 2010 الذي كان قد انتهى توًّا، أذكر تفاصيل الحديث جيدًا. أعطاني هدية ميلادي الذي كان قبل ثلاثة أسابيع، كان يحتفظ بها في جيب دراجته النارية.

"خبرنا بس تجي على بيروت، لولا الصدفة ما كنت شفتك اليوم". كانت هذه آخر جملة سمعتها منه، مات بعدها بثلاثة أو أربعة أيام.

ضلّوا تذكرونا  

كان حسن أول شخص يموت في لائحة أصدقائي على فيسبوك، تردّدت كثيرًا قبل الدخول إلى صفحته مرة أخرى، كان ذلك بعد موته بعشرة أيام ربما. بدت الصفحة مخيفة وموحشة في البداية، كأنك تمر بجانب مقبرة في ليلة مظلمة وباردة، ثم تأخذك الجرأة فتغوص إلى الداخل. صور وضحكات ومواقف، ترى جزءًا منك داخلها، جزءًا مات وسيبقى هناك داخلها. أزور الصفحة كل فترة، لدينا 12 صديقًا مشتركًا فقط، كان من الممكن أن يكونوا ألفًا لو أنك لا تزال معنا.

بعد موته بعشرة أيام ربما، بدت صفحته الفيسبوكية مخيفة وموحشة في البداية، كأنك تمر بجانب مقبرة في ليلة مظلمة وباردة

اقرأ/ي أيضًا: كاثي أونيل: الرياضيات "ستربتيز" مجاني

أدخل صفحتك كل فترة، أضع ورود جديدة، وأنزع الحشائش التي نمت على أطرافها. المشاعر لا تبقى هي نفسها مع الوقت، تأخذك الحياة بسرعتها، فتنسى أن تلتفت إلى الوراء، أكتبُ هذه الكلمات لكي أعود إليها دائمًا. أعود إليها عندما يصبح الموت بدون قيمة تقريبًا بعد أن تسحقنا عجلة الحياة، عندما يصبح الموتى في العالم الأزرق أكثرمن الأحياء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

10 كاريكاتيرات من العالم عن السوشال ميديا

مساعٍ غربية للهيمنة على فيسبوك العراق.. حديث صناعة الوهم