08-مايو-2019

من أعمال المعرض

مثل كلّ مرّة، يرسم الفنّان اللبنانيّ شوقي شمعون أشياء يعرفها جيدًا، ولا يبتعد عنها أبدًا، ولا يأتي بجديدٍ فيها. تلك هي طريقته. يسعى لإنجاز لوحاتٍ آمنة، لا يضطّر فيها لمواجهة تحدّياتٍ أو مغامراتٍ جديدة، قد تضعهُ في طريقٍ غير ذلك الذي يسلكهُ منذ سنواتٍ طويلة. لا يبدو أنّ صاحب "أبعد من الجدران" مستعد لأن يصعّب من الرسم على نفسه. ولا يبدو أيضًا أنّه قد يخطو أي خطوةٍ خارج حدود الرسم السهل والبسيط والواضح. فاللوحة عنده لا تنشأ من الأساس من أمكنةٍ صعبة أو وعرة، أو أمزجةٍ وهواجس مضطّربة ومتناقضة.

يرسم الفنّان اللبنانيّ شوقي شمعون أشياء يعرفها جيدًا، ولا يبتعد عنها أبدًا

لأجل ذلك، نراه في كلّ معرض له يقترب أكثر من السهولة والوضوح، ناصبًا المزيد من الحواجز بينه وبين الضراوة. هكذا، يرسمُ لوحاتٍ بمنحدرات ونتوءات ولطخات لا تجعل من اللوحة المنجزة عملًا فوضويًا. تمامًا كما لو أنّه يرسم من حرصه على الانطباع الذي ستبثّهُ اللوحة للمتفرّج.

اقرأ/ي أيضًا: فن الشارع... صوت اليمن على جدرانه

معرضه الجديد المعنون بـ"آفاق"، والذي يستضيفه غاليري "مارك هاشم" في العاصمة اللبنانية بيروت حتّى الخامس والعشرين من أيار/ مايو الجاري، لا يختلف عن معارضه السابقة. ونستطيع القول إنّه نسخة محدّثة أو مطوّرة من معارض سابقة تتجاوز الـ 30 معرضًا فرديًا. فالفنّان اللبنانيّ لا يزال يعتمد على الطبيعة في إنجاز لوحاته، ويتعامل معها كذلك كمصدره الأوّل والأخير. إنّها، وبطبيعة الحال أيضًا، أساس لوحاتٍ يريد شمعون لها أن تُحافظ على هدوئها ووضوحها. لذلك، يكتفي بوضع مساحاتٍ ملوّنة تحتلُّ أكثر من نصف اللوحة، قد تكون بحرًا أو نهرًا أو جبلًا أو صحراء. وأسفل منها، هناك جمعٌ من البشر، نراهم مُتلاصقين في مكانٍ ما من اللوحة، ومنفصلين في مكانٍ آخر. قد يكونوا إمّا متأمّلين أو منتظرين شيئًا ما.

الانطباع الثابت أنّ هذه القامات البشرية المرسومة غالبًا باقتضابٍ شديد، والظاهرة داخل اللوحة كأرتالٍ بشرية متناهية في الصغير، متراصّة تارةً، ومنفصلةً انفصالًا كاملًا تارةً أخرى؛ إنّما يقفون مدفوعين بالدهشة لشدّة ضآلة حجمهم أمام ما يقفون أمامه. وربّما هذا الانطباع هو واحد من مجموعة انطباعاتٍ يكتشف المتجوّل بين لوحات شمعون في نهاية المطاف أنّها انطباعٌ واحد، حيث إنّ لوحات هذا الفنّان اللبنانيّ لا تبدو قابلةً لتأويلاتٍ وانطباعاتٍ متعدّدة. وهذا يعود أوّلًا إلى وضوحها الشديد، وابتعاده، أي شوقي شمعون، عن تطعيم لوحته بالحيرة. بالإضافة إلى أنّ غالبية اللوحات هي لوحة واحدة؛ قامات بشرية ثابتة لا تتحرّك من أسفل اللوحات إطلاقًا، وألوان قد تكون، كما ذكرنا أعلاه، جبلًا أو بحرًا أو غيره.

تقف شخصيات شوقي شمعون مدفوعة بالدهشة التي من شدّتها تجعل أحجامهم شديدة الظآلة

يصل المتلقّي في النهاية إلى انطباع أنّ معرض شوقي شمعون هذا، في أساسه، فرصة أو فسحة للهروب من المُحيط، ذلك الذي ظلّ بعيدًا عن أعماله. فما ينبعث من اللوحات هو، وببساطة شديدة، شعور بالهدوء والراحة. ذلك أنّ المناظر الطبيعية التي يرسمها، تأتي ضمن مساحات لونية شديدة الهدوء. والألوان عنده تأتي محمّلةً بأبعادٍ جمالية كثيرة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: ريم العيّاري.. انتصار الفنّ لأجل الفنّ

في بيان المعرض، ذُكر أنّ شمعون "يحافظ على التقاليد والعادات، سواء في بناء اللوحة أو التقنية المستخدمة أو حتى في تماسك جميع العناصر واتساقها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أكوان" معرض بسّام كيرلس.. الحرب ذاكرة المباني

ماريانا بينيدا.. المرأة التي جالت في الطرق السرية لغارسيا لوركا