بعد مرور أكثر من خمسة عشر شهرًا على الحرب على غزة، التي أودت بحياة أكثر من 46 ألف فلسطيني، يعيش معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة في مساكن مؤقتة، وسط استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية جراء البرد القارس والمجاعة.
بالإضافة إلى ذلك، نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون فلسطيني، أي حوالي 90% من سكان القطاع، بعد تهجيرهم، واضطر كثيرون منهم إلى التنقل مرارًا، البعض لما يصل إلى عشر مرات.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ركزت العمليات العسكرية الإسرائيلية على شمال القطاع، حيث تدّعي إسرائيل أنها تحاول منع حركة حماس من إعادة تنظيم صفوفها، فيما يتهم الفلسطينيون إسرائيل بالسعي إلى تهجير سكان المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة.
نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون فلسطيني، أي حوالي 90% من سكان القطاع، بعد تهجيرهم، واضطر كثيرون منهم إلى التنقل مرارًا، البعض لما يصل إلى عشر مرات
وبحسب المكتب الإعلامي للحكومة في غزة، استشهد ما لا يقل عن 5 آلاف فلسطيني خلال الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ أكثر من 100 يوم على شمال غزة.
وضع لا يمكن تصوره
وصفت شينا لو، مستشارة الاتصالات في مجلس اللاجئين النرويجي في فلسطين، الأوضاع في شمال غزة بأنها "لا يمكن تصورها"، مع نقص حاد في الغذاء والماء، والقليل جدًا من المساعدات التي يُسمح بدخولها.
ورغم ادعاء الجيش الإسرائيلي بأنه يعمل على تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، تتهم منظمات الإغاثة الإنسانية إسرائيل بمنع شحنات المساعدات بانتظام بل وتشجيع العصابات المسلحة على نهب القوافل.
📹 9 من كل 10 أشخاص في #غزة نزحوا مرة واحدة على الأقل.. 90% من أهالي قطاع غزة في حالة نزوح.. ماذا يقول أهالي القطاع عن نزوحهم؟ pic.twitter.com/P5wGuBY5eb
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 31, 2024
وفي آب/أغسطس من العام الماضي، صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بأن منع وصول المساعدات إلى غزة يُعتبر "مبررًا وأخلاقيًا"، حتى لو تسبب ذلك في موت مليوني مدني من الجوع، بزعم القضاء على حركة حماس.
ندرة المواد الغذائية الأساسية أدت إلى ارتفاع أسعارها إلى حوالي 20 ضعف أسعارها العادية، مما يجعلها بعيدة عن متناول معظم الناس، الذين استُنزفوا ماليًا بسبب غياب الدخل والنزوح المتكرر، كما أدى ذلك إلى انتشار الجوع في جنوب القطاع.
ووفقًا لسكان القطاع، ارتفع سعر كيس الطحين (25 كغ) من 10 دولارات إلى 140 دولارًا. ورغم زيادة دخول البضائع التجارية غير الأساسية، فإن المساعدات الإنسانية لم تشهد تحسنًا كبيرًا.
في عام 2024، خططت الأمم المتحدة لإدخال 5.321 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ومع ذلك، تم منع دخول 24% من تلك الشاحنات، بينما واجهت 19% عقبات حالت دون وصولها، وتم إلغاء 9% من الشحنات بالكامل.
#الأونروا: تحولت المستشفيات في #غزة إلى "مصائد للموت" بسبب القصف والاستهداف الإسرائيلي المستمر. pic.twitter.com/YKEqJvAHce
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 8, 2025
نصيبة، البالغة من العمر 25 عامًا، التي تم تهجيرها مع ابنها خمس مرات واستشهدت شقيقتها سمية في غارة جوية إسرائيلية، تحدثت لصحيفة "الغارديان" البريطانية، قائلةً: "نحن نعاني كثيرًا: القصف، الموت، والدمار من جهة، ومن الجهة الأخرى الجوع والبرد". وأضافت: "أقول إن شقيقتي كانت محظوظة، فالموت أفضل بكثير من حياة كهذه. نحن مرهقون تمامًا، ونريد فقط إنهاء هذه الحرب التي أخذت منا كل شيء ثمين.. الأطفال يموتون، ليس بسبب القصف، بل بسبب الجوع والبرد. كل ما نريده هو وقف الحرب".
ووفقًا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، توفي ثمانية أطفال حديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة أجسامهم خلال ثلاثة أسابيع نتيجة الطقس الشتوي البارد ونقص المأوى.
كما ذكرت وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة في تقرير أن الحرب دمرت أكثر من 161.600 وحدة سكنية، وألحقت أضرارًا جزئية بـ194 ألف مبنى، وأصبح 82 ألف منزل غير صالح للسكن.
هجمات على المسعفين والصحفيين
بحسب منظمة الصحة العالمية، تعمل 16 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة بشكل جزئي، بسعة إجمالية تبلغ حوالي 1800 سرير، وهو عدد غير كافٍ بشكل كبير لتلبية الاحتياجات الطبية الهائلة. وقالت المنظمة إن أكثر من 25% من بين أكثر من 100 ألف مدني أصيبوا بجروح يعانون من إصابات تغيّر حياتهم.
ووثّق تقرير أصدره مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، الشهر الماضي، وقوع 136 هجومًا على مستشفيات ومنشآت صحية أخرى بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و30 حزيران/يونيو 2024.
عندما تتحول الحيوانات إلى سلاح حرب:
🚨شعرت تحرير حسني العريان، وهي حامل في شهرها التاسع، وكأن قطعًا من لحمها تتمزق وتتساقط على الأرض بينما كان كلبُ هجومٍ إسرائيلي ينهش فخذها.
🚨كانت الأم الفلسطينية لثلاثة أطفال في منزلها مع زوجها وأطفالها في #خانيونس، جنوبي قطاع #غزة، عندما… pic.twitter.com/SvCw4FcSgA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 9, 2025
ووجد التقرير أن "تدمير النظام الصحي في غزة، إلى جانب القيود الإسرائيلية على دخول وتوزيع الإمدادات الطبية، أدى إلى تدهور كبير في الأوضاع الصحية للسكان، وخلق كارثة صحية مع انتشار الأمراض المعدية مثل شلل الأطفال والتهاب الكبد A والإسهال الحاد واليرقان". بالإضافة إلى ذلك، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من ألف عامل في مجال الرعاية الصحية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتحدثت الدكتورة تانيا حاج حسن، من جمعية الإغاثة الطبية للفلسطينيين، عن الأوضاع التي يمر بها الطاقم الطبي في غزة قائلة: "ارتداء ملابس الجراحة والمعاطف البيضاء يشبه وضع هدف على ظهورنا".
مع استثناءات نادرة، تواصل القوات الإسرائيلية منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة. ولا يستطيع سوى الصحفيين الفلسطينيين الموجودين بالفعل في القطاع تغطية الأحداث، وغالبًا ما يدفعون ثمنًا باهظًا. وبين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و25 كانون الأول/ديسمبر 2024، قُتل ما لا يقل عن 217 صحفيًا وإعلاميًا في غزة.
وحول المعلومات المتداولة عن قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، يقول مازن حماد، الذي يعيش في خان يونس جنوب القطاع: "نسمع أن هناك مفاوضات كل يوم، لكننا لا نرى شيئًا. عندما نرى ذلك على أرض الواقع، سنصدق أن هناك هدنة".