22-مايو-2017

فوتوغراف لـ عباس كيارستمي/ إيران

تحوّلات كاتب

جلس يشرب شايَه، في صباح خريفي بارد، تحت شجرة تشيّع أوراقها في طمأنينةِ مؤمنةٍ خارجةٍ من محراب الليل. هامسة فيها: لا يقلقك سقوطك، ذلك أن الأرض ستحوّلك إلى سماد، وسأمتصّك من جديد.

أخرج الورقة الوحيدة من جيبه وهمس فيها: عليك أن تقلقي، لأنني لم أستطع أن أكتب عليك حرفًا، وستبقين بلا معنى إذا لم أفعل.

هبّت زفّة ُريحٍ، وعلتْ بالورقة بعيدًا في الفضاء، فأوحى له المشهد نصًّا لا يخطر على بال كاتب، لكنه بقي معلقًا في باله، لأنه لم يعد يملك ما يكتبه عليه، فأصبح يحسّ أنه بات ورقة تافهة، لا تستطيع أن تتحلّلَ في الأرض، ولا تستطيع أن تطيرَ في السّماء.

 

تحوّلات جبل

وُلد في سفح جبلٍ شاهدٍ على طفولة التاريخ، ولا يعرف المؤرّخون طفولتَه. كبر فاضطرّته الأحوالُ إلى أن يهاجر مصطحبًا معه حصاةً،  ذكرى الجبل في علبة كبريت، يلحسها باكيًا كلّما استيقظ حنينُه من فراش الرّوح.
بعد سنتين: صارحه الطبيب بحصاة تنمو في كليته.

أثناء التخدير: رأى في الأحلام فتاةً تولد في سفح الجبل، تكبر فتضطرها الأحوالُ إلى أن تهاجر مصطحبةً معها حصاةً، ذكرى الجبل في علبة كبريت، تلحسها باكيةً كلما تمدّد حنينُها في فراش الرّوح. استيقظ من خدر الجراحة، فبادره الطبيب بحصاة الكلية/ بادره هو بالسّؤال: أين الفتاة؟، لماذا جاء الجبلُ ولم تجئ؟

عاد إلى سفح الجبل، يبحث عن فتاة الأحلام. 

 

تحوّلات ديك

صاح فوق القرميد، حين شمّ رائحة الأفجار، فقام العجوزان يصليان: "لك الديك الأسود يا سيدي جحيش إن أنت أعدت لنا فتانا الوحيدَ من الجبل"، فندم الديكُ على أنه أيقظهما للصّلاة.

عاد الفتى وقد ندم على أنه رهّب خلق الله، متشهيًا لحمَ الديك.
- بني.. إنه لسيدك الولي، وعدناه برأسه إن هو أعاد لنا سلامة راسك.

تحسّس رأسَه/ دار حوله/ سقط على ركبتيه، وأخذ يصيح مثل ديك، فحملوه إلى الولي.

 

تحوّلات ملعقة

قبّلت ملعقة جدّتها الراحلة حديثًا وبكت: "يا يتمها من فمك يا جدّتي"، وأقسمت ألا تأكلَ بغيرها حتى تموت. في النّوم طالبتها الجدّة بملعقتها فترجّتها: "دعيها لي يا جدتي، ولتقطعْ يمناي إن أنا أضعتها".

في الصّباح: بحثت عن الملعقة، فلم تجدها/ سألت عنها فلم يجيبوها.

عند رأس الجدة، في مقبرة العَمْري: قطعتْ يدَها حتى تلوّنَ القبرُ بالدّماءات/ مسحت على التراب بيسراها فصادفتها الملعقة/ عضّت على لسانها من الندم، فلم تستطع أن تقسم ألا تأكل بغيرها.

 

تحوّلات قلب

يعيش قلبُها في الماضي.
راسلها الفتى الأخيرُ: "لن أغيّرك بنساء الله. أنت عطشى وأنا عطشانُ، وكلانا أولى بآخَره".
راسلتْهُ: "قلبي يعيش في الماضي، حيث عاش الفتى الأوّل".
راسلها: "فتّشي قلبك، وستجدين لي مكانًا فيه".

فتحت قلبَها لأوّل مرة بعد رحيل الفتى الأوّل/ ساءتها جثتُه تحرمها من هواء جديد/ فدفنتها في مقبرة الماضي/ قفز الفتى الأخير إلى قلبها، فبات ينبض بالمستقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتمالاتٌ حُرَّة

رينيه شار: الرفاق في الحديقة