10-مارس-2025
مخيمات الضفة رمضان

(AP) نازحون فلسطينيون أُجبروا على مغادرة مخيم نور شمس

وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة منذ 21 كانون الثاني/يناير الماضي، مستهدفًا بشكل رئيسي مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، ما أسفر عن نزوح ما لا يقل عن 40 ألف فلسطيني. وفي وقت سابق، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن الجيش سيواصل انتشاره في هذه المناطق، حيث أُجبر السكان على النزوح القسري، حتى نهاية العام الجاري.

معاناة النازحين تتفاقم في رمضان

منذ تصعيد العدوان الإسرائيلي على مخيمات شمال الضفة، اضطرَّت مئات العائلات الفلسطينية إلى النزوح نحو الأحياء المجاورة، حيث تعيش في ظروف قاسية، خاصة خلال شهر رمضان. وفي ظل غياب الاحتياجات الأساسية، لا يزال العديد من النازحين يقيمون في مراكز إيواء، وسط أوضاع إنسانية متدهورة، وفقًا لتقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

لم تتخيل ميساء الناطور يومًا أنها ستقضي شهر رمضان نازحة بعيدًا عن منزلها في مخيم جنين، لكن العدوان الإسرائيلي الأخير أجبرها على مغادرته قسرًا. تقول الناطور لـ"ميدل إيست آي": "قضيت أكثر من 40 يومًا دون غاز للطهي، وحتى الآن لا أملك غسالة، وأضطر لغسل الملابس عند الجيران". وتضيف: "إعداد وجبتي الإفطار والسحور أصبح تحديًا يوميًا، في ظل نقص الغذاء والمواد الأساسية التي يحتاجها أطفالي".

يعيش مهجرو الضفة الغربية ظروفًا قاسية خلال شهر رمضان، إذ في الوقت الذي يفقتدون إلى احتياجاتهم الأساسية، فإنه لا يزال الكثير منهم يقيمون في مراكز إيواء

تنقلت الناطور وعائلتها بين أماكن عدة قبل الاستقرار في مبنى فارغ، حيث ناموا على الأرض بلا فرش أو أغطية. وعندما تمكنت من زيارة منزلها في مخيم جنين، صُدمت بما رأته. تقول للموقع البريطاني: "أصررت على الذهاب لرؤية منزلي، فوجدته نصف مدمر وغير صالح للسكن. كل الأثاث محطم (...) حتى أواني الطهي كانت محطمة".

وبينما كانت الناطور في المنزل، عاد جنود الاحتلال إلى المخيم، لتجد نفسها محاصرة داخل أحد المنازل لمدة ساعة قبل أن تتمكن من الهرب. حاليًا يتمركز جنود الاحتلال أمام المبنى الذي تقيم فيه مع عائلتها، تقول بألم ومرارة: "لا أرى أي مستقبل"، مضيفة "لقد بعت قطعة أرض لأشتري منزلًا لابني فوق منزلي، والآن تم تدمير كل شيء، لم يعد لدينا أي مأوى. أشعر وكأنني أعيش كابوسًا وأتمنى أن أستيقظ منه".

خوف وقلق ومصير مجهول

بحسب "ميدل إيست آي"، لا يقتصر غياب الاستقرار على تلبية الاحتياجات اليومية، إذ تزيد أصوات القصف المستمرة، إلى جانب تدمير وإحراق المنازل، من مشاعر الخوف لدى النازحين. ويظل مصيرهم مجهولًا، فلا يعلمون إن كانوا سيتمكنون من العودة إلى منازلهم يومًا ما، أم أن التهجير القسري أصبح واقعهم الدائم.

تعاني بيان القروي، المقيمة في مخيم نور شمس قرب طولكرم، من آثار الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 20 يومًا. ورغم إقامتها على أطراف المخيم، أُجبرت هي وأسرتها على النزوح بعد أن طردهم الجنود الإسرائيليون، إلى جانب 30 فردًا من عائلة زوجها، الذين كانوا يقطنون في خمس شقق سكنية.

تقول القروي لـ"ميدل إيست آي": "أجبرونا (جيش الاحتلال) على الخروج تحت تهديد السلاح، كان الجنود يصرخون بنا ويأمروننا بالإسراع. لقد دمروا الشوارع بالكامل، ولم يعد بالإمكان السير فيها بالسيارات. كان يومًا مروعًا". وبعد رحلة شاقة عبر الطرق المدمرة، تمكنت القروي وعائلتها من مغادرة المخيم، لكن الشتات كان مصيرهم.

لجأت القروي مع أسرتها إلى منزل والدتها في نابلس، بينما تقيم عائلة زوجها في شقق ضيقة، وآخرون بمراكز إيواء في ظروف قاسية. تقول القراوي: "كنا نعيش حياة مستقرة، ولم أتصور يومًا أن أرى أحدًا من عائلتي يطلب المساعدة لتأمين الطعام. لكن الآن، خلال رمضان، نواجه إذلالًا غير مسبوق، ومستقبلنا مجهول"، وتضيف في حديثها: "نتابع الأخبار بقلق وخوف، وكل يوم نترقب مصيرنا المجهول".

اخترنا البقاء رغم الخوف الدائم

في ظل استمرار تصعيد جيش الاحتلال، لم يقتصر التهجير القسري على من غادروا، بل أصبح البقاء في المنازل خيارًا محفوفًا بالمخاطر. في مخيم طولكرم، يعيش مئات الفلسطينيين تحت تهديد مستمر، بين اجتياحات عسكرية وانقطاع الخدمات الأساسية. وبينما تزداد الأوضاع الإنسانية سوءًا، يواجه السكان معضلة البقاء في الخطر أو الرحيل إلى مصير مجهول.

رفض ثائر دراغمة وعائلته مغادرة منزلهم في مخيم طولكرم، مثل 250 عائلة أخرى تعيش في أحياء لا تشهد اقتحامات يومية، لكنها تترقب خطر التهجير القسري في كل لحظة. وأضاف لـ"ميدل إيست آي": "رفضنا المغادرة لأننا كنا نعلم أنه إذا خرجنا، قد لا نتمكن من العودة أبدًا. لذلك اخترنا البقاء، رغم الخوف الدائم".

ويتابع حديثه: "كل لحظة نسمع أصوات الرصاص والانفجارات وهدم المنازل. نرى أعمدة الدخان تتصاعد بعد إحراق بعض المنازل، لكن رغم ذلك، نحن صامدون". تحسنت المساعدات في رمضان لكنها تبقى غير كافية لتلبية احتياجات النازحين، بينما يستمر الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء، وفقًا لدراغمة، الذي يختم حديثه بالقول: "مغادرة منزلنا تعني نهاية حياتنا هنا. نحن نرفض أن نصبح مجرد أرقام أخرى في قائمة المهجّرين".

تغيير خصائص المخيمات بشكل دائم

قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إن جيش الاحتلال هدم خلال الشهر الجاري أكثر من 27 مبنى في مخيم نور شمس، إضافة إلى 14 منزلًا في مخيم طولكرم. وأشارت إلى أن قوات الاحتلال نفذت عملية هدم ممنهجة في مخيم جنين قبل نحو شهر، مما جعله غير صالح للسكن.

وأضافت الوكالة في بيانها الذي نُشر، الخميس الماضي، أن "عمليات الهدم واسعة النطاق هذه تمثل نمطًا جديدًا مثيرًا للقلق وأنها تخلف أثرًا غير مسبوق على اللاجئين الفلسطينيين"، مشددة على أن جيش الاحتلال يهدف من وراء عملية الهدم الممنهجة هذه إلى "تغيير خصائص المخيمات في شمال الضفة الغربية بشكل دائم".

وكان جيش الاحتلال والمستوطنون قد صعدوا من اعتداءاتهم ضد السكان المدنيين في مختلف مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية، مما أسفر عن استشهاد نحو 932 فلسطينيًا، فضلًا عن إصابة سبعة آلاف شخص، واعتقال ما لا يقل عن 14,500 شخص، بحسب نقلت وكالة "الأناضول" عن بيانات رسمية، بالإضافة إلى الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

خلص تقرير حديث صادر عن البنك الدولي، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلى أن التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أدى إلى خسائر في قطاع الإسكان قُدرت بـ16 مليون دولار، في حين بلغت خسائر البنية التحتية الصحية 14.6 مليون دولار.

ووفقًا للتقرير، تراجع اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 16% نتيجة القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة والتجارة، كما ارتفعت نسبة البطالة إلى 35% (أي ما يعادل 40 ألف عامل) بسبب القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، اضطر أكثر من ستة آلاف طالب لمتابعة تعليمهم من المنزل بسبب الإغلاقات.