شهادة| عندما استقبل المترجم دنيس جونسون ديفز "السيَّاب" بلندن
21 يونيو 2025
أصدر المترجم البريطاني دنيس جونسون ديفز (1922 – 2017)، مجلته الأدبية "أصوات" في مطلع الستينيات من القرن الماضي، لتصبح بمثابة دار للكُتَّاب والشعراء العرب الذين يزورون لندن من حينٍ لآخر. ومن بين أبرز الشعراء العرب الذين قابلهم في لندن، العراقي بدر شاكر السيّاب، حيث دوّن بنفسه تفاصيل هذه الزيارة الخاطفة في كتابه "ذكريات في الترجمة":
كنت قد تبادلت المراسلات لبعض الوقت مع الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وهو أحد قادة حركة التحديث في الشعر العربي. وقد كان مناهضًا للشيوعيين بقوة، وكتب لي في وقت مبكر رسالة ينتقدني فيها لإبراز بيكاسو في العدد الأول من "أصوات"، وقد ساهم في المجلة، في وقت لاحق، بقصائد عدة، من بينها قصيدته الشهيرة عن جميلة بوحريد، الشابة التي عذَّبها الفرنسيون في الجزائر. وفيما بعد، عقب لقائنا في لندن، ساهم بالعديد من القصائد القصيرة، التي قارن فيها بمصيره أيوب، حيث كان عاجزًا أمام المرض القاسي الذي يستنزف العافية من جسمه.
بدر شاكر السياب وهو أحد قادة حركة التحديث في الشعر العربي. وقد كان مناهضًا للشيوعيين بقوة
تلقيت، ذات صباح، اتصالًا هاتفيًا منه، يعلن فيه أنه قد وصل إلى لندن، وأنه ينزل في فندق كمبرلاند. ولما كان مكتبي يقع في شارع صغير خلف متجر سلفردج، فإن فندق كمبرلاند كان قريبًا، ودعوته لزيارتي في المكتب في أي وقت يناسبه، ولكنه أصر على قدومي إلى الفندق، فوافقت على المُضي سيرًا على الأقدام إلى الفندق، عندما أفرغ من عملي. سألت في مكتب الاستقبال بالفندق عن رقم غرفته، ومضيت إليها بالمصعد. وقمت بالضغط على زر جرس غرفته مرات عدة، وكنت على وشك النزول معتقدًا أنني ربما كنت قد أُعطيت رقمًا غير صحيح. ولكنني قمت بالضغط على زر الجرس مجددًا، وفتح الباب، فقد استغرق بدر كل هذا الوقت للوصول إلى الباب. أوضح لي جلية الأمر بالنسبة للمرض الشديد الذي كان يعاني منه، والذي كان قد استشار بشأنه كل أطباء بيروت وغيرها من المدن، فهل أعرف طبيبًا جيدًا؟ اصطحبته بعد يوم أو نحو ذلك إلى طبيبي، جيمس بيفن James Bevan ولكن الحكم كان هو ما سمعه بالفعل من أطباء أخرين. حُجز له سرير في مستشفى ميدلسكس، حيث أُجريت له سلسلة من الاختبارات المؤلمة التي أخضع لها عموده الفقري. وأشار لي جيمس بيفن إلى أن بدرًا بمقدوره أن يتقبل الحقيقة القاسية، بدلاً من خداعه بالآمال الكاذبة، وهكذا تم إبلاغه بأنه مصاب بمرض مقعد على نحو لا علاج له يؤثر على عموده الفقري، وانه لا ينبغي أن يهدر الوقت والمال بالقيام بجولات على المزيد من الأطباء. وبعد أيام قلائل تحامل على نفسه، وسافر إلى الكويت، حيث مات عن ٣٩ عامًا. وقد عثرت، مؤخرًا، على رسائل عدة من رسائله وقصيدة أو اثنتين بخط يده. وحدثت نفسي بأن صديقي العراقي خالد المعالي، الذي يقيم في ألمانيا، قد يكون مهتمًا بالحصول عليها، وقد نشرت بالفعل في مجلة "عيون" التي يصدرها.