02-مارس-2021

صورة تعبيرية (Getty)

يعاني العاملون في قطاع التعليم في لبنان بشدة، إذ تصدرت صرخات الكوادر التعليمية في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، وحتى أساتذة الجامعات، بسبب تآكل الرواتب وتقلصها بنسب كبيرة. وفي ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبشرية بسبب جائحة كوفيد-19، وفي ظل الأزمات التي هزت المجتمع اللبناني بعد الانهيار الاقتصادي الذي أصابه منتصف العام 2019 بات القطاع التعليمي تحت طائلة التهديد بالانهيار. ترصد هذه الشهادات أوضاع فئة محددة من الأساتذة، وهم الذين يدرسون المواد الإجرائية كالفنون والرياضة، وما تكبده هؤلاء من آثار مضاعفة في وظائفهم وواقعهم المهني بعد الانهيار الاقتصادي في لبنان وجائحة كوفيد -19.

يعاني أساتذة المواد الإجرائية في المدارس اللبنانية من صعوبات التكيف مع أسلوب التعليم عن بعد، ومن تقليص ساعات عملهم وأجورهم

قالت معلمة الرياضة دعاء علام لألترا صوت "بسبب الظروف تقلصت فرصي في الحصول على وظيفة، وإن وجدت وظيفة فالراتب لا يكفي أبسط مقومات الحياة". علمًا أن علام تحمل خبرة  7 سنوات في مجالها. وأضافت "كان أساتذة الرياضة والفنون والعلوم التربوية والتاريخ والجغرافيا أبرز ضحايا هذه الجائحة، لأن المدارس اعتمدت على المواد ذات الأولوية بالتعليم، مثل العربية والإنجليزية ومادة الرياضيات والعلوم فقط، بينما تم تهميش المواد الأخرى على اعتبارها ثانوية". وأضافت علام في حديثها "أدت هذه الإستراتيجية إلى فقدان عدد كبير من أساتذة تلك المواد لوظائفهم التي تشكل مصدر دخلهم الأساسي، مما وضعهم في ظروف صعبة ماديًا ومعنويًا، حيث ترك أغلب الأساتذة يصارعون مصيرهم ووضعهم أمام محنة مالية منعتهم من تسديد التزاماتهم كأجور المسكن والمأكل والملبس".

اقرأ/ي أيضًا: الصين تمنع الأطفال من استخدام الهواتف المحمولة في المدارس

من جهته وضح أستاذ مادة الموسيقى مالك ناصيف، أن حصة الموسيقى تنقسم إلى قسمين "نظري وتطبيقي" لكن في ظل التعليم عن بعد بات من المتعذر على الطلاب اقتناء آلات موسيقية كما هو الحال في استديو الموسيقى في المدرسة، إضافة إلى أن أسعار أصغر الآلات الموسيقية باتت تفوق قدرة الأهالي على تحمل ثمنها مما يجعل تعليم المادة من خلف الشاشة شبه مستحيل. وأشار ناصيف إلى أن حصة الموسيقى صارت فقط "حصة غناء لا غير في ظل التوقف عن تدريس النظريات، وفي ظل التوقف عن التمارين التطبيقية على الآلات الموسيقية". صعوبات أخرى تحدث عنها ناصيف تتجلى في صعوبة تأدية الكورال عن بعد بسبب بطئ الانترنت واختلال الإيقاع الصوتي لمجموعة الطلاب حين يغنون سويًا بشكل جماعي أو يعزفون على الآلات سويًا.

أما عن الواقع المعيشي فقال ناصيف أنه تم الاقتطاع  من راتبه في بداية الأزمة الاقتصادية بنسبة 75%، وأما في المعهد الموسيقي الخاص الذي يديره فهناك صعوبات كبيرة تتعلق بعدم تسجيل الطلاب في الأنشطة التي ينظمها المعهد مثل الرقص والموسيقى والمسرح والرياضة والرسم وغيرها. وبحسب قوله "يعتبر الأهل أن هذه المواد غير ضرورية في الوقت الحالي ومكلفة"، وأضاف "الآلات الموسيقية مستوردة من الخارج وثمنها بالدولار الأمريكي مما يجعلها خارج متناول الطلاب وهناك صعوبة للتدريس بدونها"، وأشار إلى أن أرباحه تقلصت من 7 آلاف دولار أمريكي شهريًا إلى أقل من ألف دولار شهريًا بسبب تدهور قيمة الليرة اللبنانية. وأكد ناصيف أن مادة الموسيقى ذهبت ضحية ظروف الإجراءات الوقائية التي فرضتها الجائحة. 

في سياق متصل، قالت الفنانة التشكيلية ومعلمة مادة الرسم منى عزالدين في حديثها لألترا صوت أنها تواجه عدة مشاكل في تدريس مادة الرسم عن بعد، إذ تتمثل هذه المشاكل في "عدم وجود المواد اللازمة لدى جميع الطلاب كالأوراق وأقلام التلوين وغيرها، وعدم قدرة الأهل على شراء هذه المواد لأطفالهم بسبب الغلاء الفاحش لهذه المستلزمات المطلوبة". لكنها أضافت أن المدرسة التي تدرس فيها تهتم جدًا بالمواد الفنية والأدائية، لذلك حافظت على كادرها التعليمي ولم تقم بالاقتطاع من راتبها. أما زميلتها الفنانة التشكيلية أحلام عباس، التي تدرس مادة الرسم أيضًا في إحدى مدارس بيروت، فشاركت ألترا صوت تجربتها بالقول "لا زلنا كمعلمات نتقاضى الراتب بدون تعديل" في إشارة إلى انهيار القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وفقدانها 80% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي.

من جانبها، أشارت أستاذة مادة المسرح نداء زغيب، إلى أن تكييف المنهج المسرحي ليتناسب مع وضعية التعليم عن بعد أمر في غاية الصعوبة. واعتبرت زغيب أن مادة المسرح "فسحة للترفيه والاستفادة فكريًا وجسديًا" لكنها صارت تواجه صعوبة في تدريس التمارين الجسدية والحركية الضرورية ضمن هذه المادة التعليمية. وأضافت زغيب "فقد الطلاب التفاعل الحسي بين بعضهم البعض ضمن مادة المسرح". وبرأيها أصبحت مادة المسرح مجال للتجربة ولاكتشاف ما يمكن فعله وما لا يمكن من خلال التعليم عن بعد، حيث "أن الاعتماد صار فكريًا ونظريًا" في ظل غياب مساحات كبيرة من التنوع الذي يمكن أن يعطيه المسرح للطلاب حضوريًا.

أما المدرس المتعاقد بنظام العمل بالساعة، نزار إسماعيل، فقد شارك تجربته بمرارة وسخرية بالقول "أصبح الراتب لا يساوي كيلو دجاج". وقال أن هناك خصومات كثيرة هذه السنة بسبب الحجر المنزلي وتعطل الدروس مما لا يحتسب ضمن الرواتب ويخرج الأستاذ خالي الوفاض دون تعويض، وأشار إلى أن "ساعة تدريس الأستاذ في المواد الإجرائية هبطت من  14 دولار أمريكي إلى دولارين فقط".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أكثر من ثلث طلاب الجامعات البريطانية لا يشعرون بالرضا عن تجربتهم الأكاديمية

التعليم في الهواء الطلق.. حل إبداعي في وقت الجائحة