15-مارس-2018

شمس الدّين بوروبي (فيسبوك)

نشأ الإسلام في الجزائر داخل الحاضنة الصّوفية. فهي تحتضن مقرّات العديد من الطرق الصّوفية المحلّية والعابرة للقارّات، في مقدّمتها الطريقة التجانية المنسوبة إلى مؤسّسها الأوّل أبي العبّاس أحمد التّجاني (1737 ـ 1815)، ويقع مقرّ مشيختها العامّة في منطقة عين ماضي التّابعة لمحافظة الأغواط، 400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، ويتبع لتعاليمها ربع عدد مسلمي العالم، بحسب الباحث الدّولي في التصوّف محمّد بن بريكة.

تحتضن الجزائر مقرّات العديد من الطرق الصّوفية المحلّية والعابرة للقارّات، في مقدّمتها الطريقة التجانية

كرّس هذا الامتداد الصّوفي قاعدة أن يأخذ المسلم تعاليم دينه عن شيخ يثق فيه، عملًا بالقاعدة القائلة "واتبع شيخًا سالكًا يقيك المهالكَ"، ممّا أضفى على رجال الدّين في الفضاء الجزائري هالة من الاحترام والتقدير، جعلت بعضهم يستغلّ ذلك في بيع ولاء النّاس له للسّلطة السّياسية لتزكية مشاريعها وخطاباتها، رغم أنّ كثيرًا منها لا يندرج ضمن الصّالح العام.

اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. رقم بلا معنى؟

هيمنت بعض الأسماء الدّينية، في مراحل معيّنة، على حقل الإفتاء والإشراف على التّوجيه الدّيني العام. منها عبد الرحمن الجيلالي (1908 ـ 2010) وأحمد حمّاني (1915 ـ 1998) ومحمّد كتّو (1933 ـ 1999). لكن مع انتشار ما يُسمّى بالصّحوة الإسلامية في الجزائر، منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين، بدأ هوى قطاع واسع من الجزائريين يزهد في الوجوه المحلّية، لصالح وجوه  وهابية تنتمي إلى الفضاء السّعودي، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من انتشار لقيم التّشدّد والتهجّم على الرّوح الصّوفية الدّاخلة في صميم الهوّية الدّينية الجزائرية.

في ظلّ هذا الواقع الدّيني الجديد على الشّارع الجزائري، ظهر خلال السّنوات العشر الأخيرة الدّاعية والنّاشط الدّيني شمس الدّين بوروبي، الذي يصرّ على أن يُسمّى شمس الدّين الجزائري، في إشارة منه أنّ مرجعيته تقوم المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والنزعة الروحية الصّوفية، أي الثالوث الذي يشكّل ملامح التديّن المغاربي والأفريقي، وبات محاصرًا في عقر داره من طرف السّلفية السّعودية.

لمع نجم الدّاعية الشابّ أكثر، بعد أن فتحت له قناة "النهار" واسعة الانتشار في الجزائر شاشتها منذ عام 2012، حيث استطاع أن يتحوّل إلى ظاهرة شعبية، حسب تدوينة للنّاشط مهدي رمضاني "بفضل اعتماده على اللغة الشّعبية والتّوقيت الموفق للاستدلال بالنّكت  ونبرة الصّوت الدّالة على تأثّره بالموضوع وأسلوب مخاطبة المعني مباشرة مع ربطه بالدّليل الشّرعي". حيث بات قطاع واسع من الجزائريين يتابعون مداخلاته ويتبادلونها في مواقع التواصل الاجتماعي، ليحصلوا على متعة لا يجدونها حتى في الحصص والبرامج الدّرامية.

[[{"fid":"98962","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":629,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

من فتاويه الطّريفة، حسب إحدى الصّفحات الفيسبوكية، أن إحداهنّ سألته إن كان يجوز لها التيمّم بالسّلحفاة، فقال لها إن ذلك جائز شريطة أن يكون الاستنجاء بالقنفذ. وقال له أحدهم إنه يحبّ أن يصلّي التّراويح خلف التلفزيون، فقال له: ماذا لو دخل ولدك وغيّر القناة؟ هل تكمل صلاتك أم تجري خلف ميسي؟ وقالت له إحداهنّ إنها لا تصلّي لكنها رأت الصّحابي بلال بن رباح في المنام، فقال لها إنها رأت ديدييه دروغبا.  

لم يسبق للجزائريين أن اختلفوا في شخصية دينية، مثلما اختلفوا على شخصية شمس الدّين بوروبي. بين معجب بها ومثمّن لحضورها وداع إلى تعميمها في المشهد الدّعوي، ومستنكر لها ومعتبر كونها تمييعًا لصورة الدّاعية وابتذالًا لها في انسجام مع موجة الرّداءة، التي زحفت على الواقع الجزائري في سنواته الأخيرة.

يقول المسرحي والنّاشط عبد الرّؤوف دادي إن معظم من تزعجهم شخصية الشّيخ سمس الدّين إمّا لأنهم يعتقدون أن رجل الدّين يجب أن يكون حازمًا وصارمًا وعبوسًا، لأنّهم تعوّدوا على ذلك، وإمّا لأنّهم أتباع للدّعاة الوهابيين السّعوديين، الذين يرون في محاولة الرّجل إعادة الاعتبار للشّخصية الفقهية الجزائرية خطرًا على نفوذهم. يسأل: "لماذا لا ينزعجون من خلوّ السّاحة الجزائرية من مفتي الجمهورية، مثلما هو معمول به في كلّ الدّول الإسلامية، ويزعجهم ظهور فقيه جزائري بروح جزائرية؟".

أدرك الشّيخ شمس الدّين الجزائري أن هناك جيلًا جديدًا من الشّباب، فاعتمد لغته وقاموسه وهواجسه وطرق ردود أفعاله

يضيف محدّث "الترا صوت": "أدرك الشّيخ شمس الدّين أن هناك جيلًا جديدًا من الشّباب، فاعتمد لغته وقاموسه وهواجسه وطرق ردود أفعاله، ممّا قرّبه منه، إلى درجة أنه بات يدلّعه باختصار اسمه إلى "شميسو"، ويسأل أحدهم صاحبه: "هل قال "شميسو" شيئا جديدا؟ تمامًا كما يسأل عن جديد الرّياضة والنّكت". في كلام عبد الرّؤوف دادي إشارة إلى اعتبارعميد التيّار السّلفي ذي المرجعية السّعودية في الجزائر محمّد علي فركوس ما يقوله شمس الدين بوروبي "ظلالًا وباطلًا وترّهاتٍ وتدليسًا وصياحًا وأهواءً".   

اقرأ/ي أيضًا: الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا

في المقابل، يقول طالب أصول الدّين وحيد بن ضيف الله لـ"الترا صوت" إنّ شمس الدّين بوروبي ليس جامعيًا ولم يدرس على أيدي علماء كبار، "وهو المعطى الذي دفعه إلى تعويض المصداقية العلمية بما يمكن أن نسمّيه تهريجًا حتى يستميل النّاس إليه. لماذا لا نقرأ له كتابًا أو بحثًا علميًا في مسألة من مسائل الدّين؟ إنّه يستمدّ فتواه من مواقع البحث، ويضيف عليها نبرة فكاهية، فتستوي الطّبخة".

وينتظر قطاع واسع من الجزائريين أن يقدم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على تعيين مفتي للجمهورية، بعد تجميده للمنصب منذ سنوات، "حتى لا يبقى حقل الإفتاء في الجزائر نهبًا إمّا للدّخلاء والمتطفّلين، وإمّا لمفتين أجانب لا يعرفون الخصوصيات الجزائرية"، بحسب تصريح الناشط علي عبدون لـ"الترا صوت". يختم: "علينا أن ندرك أن هناك أمنًا قوميًا فقهيًا مثلما هناك أمن قومي في المجال العسكري".    

اقرأ/ي أيضًا:

في ذكرى رحيل الترابي.. جدل سوداني حول تجربته ومشروعه السياسي الغامض

ذكرى إعدام محمود محمد طه.. جدل سوداني متجدد حول زعيم دعوة "الجمهورية"