01-مايو-2018

صهيب دهني/ سوريا

يعالج الباحث السوري شمس الدين الكيلاني في دراسته "دور المثقّف في الثورة السوريّة بين شهيد ومتفكر" المنشورة في ضمن مؤلَّف جماعي بعنوان "دور المثقّف في التحوّلات التاريخيّة" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017) جملةً من الإشكاليّات حول مفهوم المثقّف السوري ودوره في الثورة، ولا سيما الإشكاليّة التي حمّلت في مضمونها المثقّف مسؤوليّة تراجع مدنيّة الثورة على حساب عسكرتها ومن ثمّ "تطرّفها".

التعريف الأقرب للتعبير عن المثقّف السوري هو مفهوم "المثقّف العام السياسي"، بحسب شمس الدين الكيلاني

ينطلق الكيلاني من فرضية أنّ "المثقّفين السوريين لم يرتقوا إلى مصاف الرسل ولم ينحدروا إلى مستوى الرقيب أو الشاهد الحيادي، بل حافظوا، ولو قلّة منهم، على رباطة جأشهم، وعبّروا عن الضمير الأخلاقي للمجتمع".

اقرأ/ي أيضًا: هل أصيب المثقف العربي بـ"متلازمة ميدان تيانانمن"؟

وتاليًا، فإنّ كلّ ما سوف يأتي لاحقًا، لن يأتي لمجرّد تأكيد صحّة هذه الفرضيّة أو نفيها وحسب، بل لتكوين صورة أوليّة لدى المتلقّي عن المثقّف السوريّ، وإن كان ذلك بإيجاز شديد. وبناءً على ذلك، يفتتح الكيلاني أطروحته بمقاربة مفهوم المثقّف السوري. هنا، يعود إلى طبيعة مهامه أو دوره في الانتفاضة الشعبيّة، من قيادته للتظاهرات وتنظيمها والتحضير لها وتأمين شروط نجاحها، إلى نشاطه في المجال الإنساني والإغاثي والإعلامي. واستنادًا إلى ما سبق، يجد الباحث أنّ التعريف الأقرب للتعبير عن المثقّف السوري هو مفهوم "المثقّف العام السياسي"، ذلك أنّ "الناشط السياسيّ يحرّك المجتمع لإقامة نظم مؤسسة على الحرية السياسيّة" بحسب تعبير السيد ياسين، دون أن يمنع هذا أيضًا "المفكّر" من أن يكون مثقّفًا عمومًا.

من هذا الباب، يستعرض شمس الدين الكيلاني، صاحب "مدخل في الحياة السياسية السورية" الحالة العامّة للمثقّف السوريّ وتبدّلاتها تاريخيًا، منذ 1932 وإلى ما بعد الثورة الشعبيّة، ليتبيّن لنا هنا أنّه كان رهنًا لبيئة كثيرة الزلال والارتدادات. فبعد الحياة الديمقراطيّة التي عاشها في الفترة الممتدّة بين 1932 و1963، دخل مرحلةً جديدة حوّلت فيها السلطة الاستبدادية لحزب البعث الثقافة إلى أداة سياسيّة سُلّمت منابرها إلى "الأكثر طاعة وانقيادًا". ويشير شمس الدين الكيلاني إلى أنّ تأثير النظام لم يقتصر على تدمير الحياة السياسيّة والاجتماعيّة بل "نشر أيديولوجيا الاستبداد لتصبح سائدة حتّى في صفوف النخب المعارضة، باستثناء بقايا أصوات ليبرالية خافتة".

وفي ضوء هذه الاستبداد السياسي والثقافي الذي مارسه "البعث"، يؤكّد الكاتب شمس الدين الكيلاني أنّ المثقّفين السوريين لم يصمتوا، مستعيدًا هنا التيارات الديمقراطيّة التي برزت بموازاة عمليّات "الطليعة المقاتلة لحركة الإخوان المسلمين"، وطالبت بدولة الحريّات، ومهّدت لولادة المثقّف الديمقراطيّ أيضًا. بيد أنّ انتصار سلطة الأسد على الإخوان وتدميرها لمدينة حماة أعاد المثقّف إلى الظل مجدّدًا، وأخمد صوته العام ليخلد بعد ذلك، بحسب تعبير الكيلاني، إلى مملكة الصمت وتفحّص التراث بدلًا من الحاضر المرعب. وعلى الرغم من ذلك، ظلّت الديمقراطيّة هاجسًا عند المثقّفين السوريين الذين علت أصواتهم مجدّدًا بعد وصول الأسد الابن إلى السلطة وإطلاقه وعودًا بالإصلاح السياسيّ والاجتماعيّ. ذلك أنّهم وجدوا في ذلك فرصة للانتقال الديمقراطيّ آنذاك، عبّروا عنها في "بيان 99" و"وثيقة الألف" قبل أن تغلق السلطة الباب أمامهم باسترجاعها العنف والسجون.  

دور المثقف في التحولات التاريخية

في الانتقال إلى بداية الحراك السلمي، يقول شمس الدين الكيلاني إنّ التجمّعات الأولى كانت نسيجًا مركبًا من مثقّفين وناشطين سياسيين وشبّان أيقظتهم الثورات العربيّة، سرعان ما التحقت بهم الطبقة الوسطى والقاع الشعبي، لتتخذ التظاهرات، مع اتسّاعها، قادةً لها من بين صفوفها في ظلّ غياب المثقّف/ المفكّر عن القيادة، دون أن يقلل هذا الأمر من دوره أو من احترام القوة الثوريّة له. وهنا كانت البدايات لظهور الأنموذج الجديد لمثقّف الثورة "المثقّف العام السياسيّ" الذي هو في الأساس ناشط التنسيقيات.

يؤكّد شمس الدين الكيلاني، صاحب كتاب "صورة أوروبا عند العرب في العصر الوسيط"، أنّ الأغلبيّة العظمى من الشعب السوري ومثقّفيه اتّجهت إلى تغيير جذري يقتلع أساس نظام الاستبداد من جذوره ليقيم نظامًا ديمقراطيًا على أسس المواطنة. ويُشير هنا إلى أنّ انحياز المفكّرين إلى الثورة السورية كان واضحًا، وتجلّى ذلك من خلال بيان وقّع عليه ثلاثمئة من أفضل العقول السوريّة، أدان قمع السلطة ودعا إلى حلول الدولة المدنية محلّ الدولة الأمنيّة.

للفنّانين أيضًا دور في هذا المعترك، إذ عبّر عدد كبير منهم على تأييده للاحتجاجات الشعبيّة، وعبّروا عن مواقفهم من خلال بيانات عدّة أبرزها "بيان الحليب" و "تجمّع فناني ومبدعي سورية من اجل الحرية".  وهذا من دون تجاهل الأثمان الباهظة التي دفعها جميع المثقّفين بأدوارهم المختلفة.

الأغلبيّة العظمى من الشعب السوري ومثقّفيه اتّجهت إلى تغيير جذري يقتلع أساس نظام الاستبداد من جذوره، ليقيم نظامًا ديمقراطيًا على أسس المواطنة

فيما يخصُّ التحوّلات التي طالت الثورة السوريّة، نجد في دراسة شمس الدين الكيلاني أنّ عددًا كبيرًا من المثقّفين راهن على استمرار سلمية الثورة، وحاولوا قدر الإمكان عدم جرّ البلاد إلى ما هي عليه الآن من خلال التشديد على فكرة الانتقال السياسي. ويشير الباحث إلى أنّ، وعلى الرغم من عسكرة الثورة، ظلّ عدد كبير من المثقّفين السوريين متمسكًين بحلمه بالحرية وانتصار الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب عزمي بشارة عن الطائفية.. تأصيل فريد في مختبر تاريخي حيّ

يختتم صاحب "صورة الشعوب السوداء في الثقافة العربيّة" بتأكيده على أنّ المعطيات التي عرضتها دراسته، تؤكّد أنّ "المثقّف السوريّ لم يضع نفسه على الهامش، أكان في العقود الماضية أم في فصول الثورة الراهنة، بل استمع إلى صوت عقله، وإلى يقظة ضميره في الأيام الصعبة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبدالله حنا.. في تأريخ أحزاب سوريا

العرب وأمريكا.. علاقة قلقة