16-سبتمبر-2020

شكري عرّاف وكتابه

ألترا صوت – فريق التحرير

صدر حديثًا عن "رواق.. مركز المعمار الشعبي" كتاب بعنوان "عَسَسُ السلطان وَعيون الحُكّام: الشرطة في فلسطين ما بين الإصلاحات العثمانية وخطة تيجارت الكولونيالية" للمؤرخ الفلسطيني شكري عراف، والكتاب يجمع بين البحث الميداني والصور الوثائقية، ويضاف إلى جهود عرّاف الرامية إلى دراسة فلسطين وتاريخها وجغرافيتها وحضارتها المادية.

في كتاب "عَسَسُ السلطان وَعيون الحُكّام"، يرصد شكري عرّاف كل مراكز الشرطة والسجون والمعتقلات، وأنظمة الرقابة والمراقبة والاعتقال في فلسطين

منذ بدأ حراك الفلسطينيين مع انتفاضة النبي موسى 1920، وصولًا إلى هبة البراق 1929، بدأت حكومة الانتداب البريطاني القيام بإصلاحات في جهاز الشرطة للحفاظ على النظام في فلسطين، وذلك لكي تقف في وجه أي حراك فلسطيني، ومع مجيء الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 تم استدعاء الضابط تيجارت الذي كان يخدم في الهند للقضاء على هذه الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| المؤرخ شكري عرّاف: التحدي الأكبر هو ألّا تقبل أن تراهم يلغونك

يرصد عرّاف في هذا السفر الكبير كل مراكز الشرطة والسجون والمعتقلات، وأنظمة الرقابة والمراقبة والاعتقال من فترة الإصلاحات العثمانية إلى مخطط تيجارت الاستعماري البريطاني، بينما يوثّق مركز "رواق" كل مراكز الشرطة توثيقًا بصريًّا.

يقسم الكتاب إلى قسمين، الأول بعنوان "الشرطة في فلسطين في طور الإصلاح"، وفيه يتناول: انتفاضات الفلسطينيين وثوراتهم إبان الاستعمار البريطاني، والمندوبون السامون في فلسطين، وإعادة تنظيم الشرطة بين عامي 1930 – 1935، وأنواع الشرطة وانماطها في فلسطين، والمعتقلات والسجون ومراكز التوقيف في فلسطين.

أما القسم الثاني الذي جاء تحت عنوان "الشرطة في فلسطين وخطة تيجارت الكولونيالية"، فتضمن بحثًا في توصيات تيجارت، وتموضع محطات الشرطة، ومشكلة إسكان الشرطة، وبناء قلاع عُرفت بقلاع تيجارت ضمت أنظمة مراقبة وإنذار، وفي هذا القسم نتعرّف على توزع هذه القلاع جغرافيًا، ثم تأتي إطلالة على واقع الشرطة في المستوطنات والبلدات اليهودية، وعلى الشرطة البحرية الانتدابية.

وفي تصريح خاص لـ"ألترا صوت"، قال شكري عراف: "الكتاب ليس نتيجة لجهدي في البحث فقط، إنما نتيجة لتصوير وتخطيط رواق".

من جانب آخر، سوف يثمر التعاون بين عرّاف ورواق عن إصدار مجموعة من الكتب تتناول: الأسواق، الحمامات، المطاحن، أسبلة المياه. حيث يدرس كل كتاب توزع الجغرافي للمعلم الذي تتناوله الدراسة على كل الأرض الفلسطينية، ويرصد مواقعها ومساحاتها وأدوارها وأهميتها.

هذه الكتب هي استمرار لعمل صاحب "القرية العربية الفلسطينية" في حفظ الموروث الحضاري المادي الفلسطيني، وقد أصدر في هذا السياق من قبل، وبالتعاون مع رواق أيضًا، كتاب "خانات فلسطين" الذي رصد 160 خانًا في فلسطين من مختلف النواحي التاريخية والاقتصادية، ومن خلال المعمار أيضًا، وشملت الدراسة كيفية إدارة هذه الخانات من مختلف جوانبها.


من الكتاب

كان عرب فلسطين يعترضون على القوانين البريطانية التي ساعدت على تسريب الأراضي لليهود، وعلى التعديات والهجمات الصهيونية في المناسبات المختلفة، وقد لَقِيَ ذلك منتهى الرفض، والعنف والبطش البريطاني. لذا، فإن معظم محطات الشرطة في فلسطين أقيمت كرد فعل على عدم رضى الفلسطينيين، بعض القيادات السياسية والجماهير بشكلٍ خاص، عن التمييز الصارخ الذي انتهجه الانتداب البريطاني بين معاملته لليهود والعرب الفلسطينيين.

كانت الثورة الفلسطينية الكبرى من أكبر العوامل التي أدت إلى اتخاذ قرارات ببناء عشرات محطات الشرطة في أنحاء فلسطين: في المناطق القروية التي انطلق منها الثوار، 15 منها على محاور الطرق التي تسيطر على خطوط المواصلات التي تعرضت لضربات الثوار بشكل مركز، وفي المدن، وبخاصة المختلطة منها، حيث كانت فرص الصدامات بين العرب واليهود أكبر. 

كان لرجال الشرطة العرب أثر واضح جدًا في انتمائهم إلى فلسطين، كما كان لرجال الشرطة اليهود الأثر نفسه بالنسبة لليهود. وقام الرجال من كلا الطرفين بإيصال الأخبار التي قررتها محطات الشرطة إلى المعنيين لاتخاذ القرار بمقاومة أي هجوم و/أو الابتعاد عن مثل هذا الهجوم لتقليل الخسائر. كان لمثل هذه الأخبار قيمة كبيرة في تسهيل عمليات الهجوم على محطات الشرطة، وأخذ ما تمكن منه المهاجمون من أسلحة وذخائر بعد أن حاولوا نسف المحطات أو تعطيل بواباتها.

إن البحث في منظومات الاستعمار وأدواته هو بحث شائك ومجدٍّ في آن. فقلة المراجع أو زحمتها تجعلان من التحقق مسألة صعبة لهواة التاريخ، كما إن وجود المواد البحثية في أرشيفات مغلقة يصعِّب من البحث. إلا أن البحث في النظم المغلقة مجدٍ، حيث يتطلب مداخل وأسئلة جديدة لموضوع الدراسة، وربما تكون عمارة المنظومات وتجلياتها المادية مدخلًا منتجًا. وفيما تختص هذه الدراسة بالشرطة إبّان الانتداب البريطاني، فإن منظومات أخرى بحاجة لاستقراء وبحث، فمثلاً شبكات الطرق الكولونيالية، وشبكات الاتصال، والبنى التحتية، ومحطات الطاقة ومصانعها، والموانئ الجوية والبحرية، وشركات الفوسفات وأملاح البحر الميت، والمدارس والمستشفيات، والإذاعة، والمجلات، والجرائد... كلها أدوات فاعلة ضمن المنظومة الاستعمارية، ولا يمكن النظر إليها بمعزل عن شخوصها ومنفذيها، ولا بمعزل عن غاياتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية. كما لا يمكن فصلها عن صيرورتها التاريخية بغض النظر عن وجود مراحل مفصلية ساهمت أكثر من غيرها في إنتاج هذه النظم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤرخ عصام سخنيني.. حياة في حراسة التاريخ الفلسطيني

سلمان ناطور في سفره الطويل