31-ديسمبر-2019

تواجه القوات الأمريكية شرق الفرات تحديات جديدة (Getty)

خطر جديد يهدد القوات الأمريكية المتمركزة في المناطق النفطية شرق الفرات، في ظل عدم وجود توجيهات واضحة من واشنطن بكيفية التعامل مع هذا الخطر المتمثل بقوات النظام التي حاولت السيطرة على آبار النفط سابقًا، والميليشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الذي يواصل تعزيز نفوذه في تلك المنطقة التي ما زالت خامدة حتى اللحظة، عقب طرد تنظيم الدولة الإسلامية.

تعمل روسيا التي استلمت ملف شمال شرق سوريا على تأسيس وحدات عسكرية محلية تابعة لها في المنطقة

وتعمل روسيا التي استلمت ملف شمال شرق سوريا على تأسيس وحدات عسكرية محلية تابعة لها في المنطقة، بحسب الأناضول. وأوضحت الوكالة أن تأسيس الوحدات المذكورة بدأ في مدينتي عامودا وتمر التابعتين لمحافظة الحسكة واللتين تضمان نقطتين عسكريتين روسيتين. وستبدأ المرحلة الأولى بتجنيد 400 شاب، سيتولى مسلحون من من الميليشيات الكردية تدريبهم على مختلف أنواع الأسلحة بإشراف روسي.

اقرأ/ي أيضًا: قانون "قيصر" الأمريكي.. هل يلُف حبل المشنقة حول رقبة الأسد؟

وذكرت المصادر أن مهمة تلك الوحدات العسكرية ستكون مبدئيًا حماية القواعد والنقاط العسكرية الروسية ومرافقتها خلال التجول في المنطقة.

وفي السياق ذاته، أشارت المصادر إلى بدء روسيا بتوسيع نقطتيها العسكريتين في تل تمر وعامودا وأرسلت عربات مصفحة ومروحيات إسعاف، ومن المتوقع أن تصل العشرات من البيوت مسبقة الصنع إلى النقطتين.

وخلال الشهرين الماضين تمركزت الشرطة العسكرية الروسية في 10 نقاط وقواعد على الأقل شمالي سوريا، بعضها كانت قواعد أمريكية قبل أن تنسحب منها الأخيرة إثر انطلاق عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

الاعتماد على الغريزة الأمريكية

طلب القادة الأمريكيون توجيهات بشأن التعامل مع هجوم محتمل من الميليشيات الإيرانية وقوات النظام، لكن المسؤولين يقولون إنهم تلقوا توجيهات مشوشة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وتضيف الصحيفة أن استراتيجية إدارة ترامب سريعة التغير في شمال سوريا تجعل القادة الأمريكيين يتدافعون هناك لحماية قواتهم من الزيادة المتوقعة في العمليات التي تقوم بها القوات العسكرية المدعومة من تركيا وروسيا وإيران ونظام الأسد، ووفقًا للبنتاغون يرى القادة الأمريكيون أن هذه الميليشيات المسلحة تشكل خطرًا أكبر من قوات الدولة الإسلامية.

في الوقت الحالي، تعتمد القيادة الأمريكية اعتمادًا كبيرًا على صغار القادة على الأرض، والمكالمات الهاتفية التحذيرية للمسؤولين من روسيا وتركيا والمراقبة الجوية - المعرضة للفشل في سوء الأحوال الجوية - للمساعدة في تجنب المواجهات القريبة مع قوات أخرى في شرق الفرات، حيث تتمركز معظم القوات الأمريكية.

وقالت جينيفر كافاريلا مدير معهد دراسة الحرب في واشنطن "إن هذه القوى معرضة للخطر دون فهم واضح لما يتوقع منهم تحقيقه، وبدون الدعم السياسي من أمتهم، إن قرر أحد هؤلاء الأعداء مهاجمة الأمريكان، أو إذا كان ذلك مرجحًا". مضيفة: "يتم نشر هؤلاء الرجال في واحدة من أكثر البيئات خطورة ومُعقدة وسريعة التطور على هذا الكوكب".

هذه المخاوف هي نتيجة لأمر الرئيس دونالد ترامب بسحب 1000 جندي أمريكي من سوريا، مع انطلاق عملية نبع السلام التي قادتها تركيا بمشاركة الجيش الوطني السوري.  بعد أسابيع وافق ترامب على خطة البنتاغون لترك ما يقرب من 500 جندي في عدة مواقع في أنحاء مدينة دير الزور لملاحقة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية. على الرغم من أن ترامب قال إن الوجود الأمريكي هناك "لحماية النفط" فإن الواقع هو أن الأمريكيين يواصلون مهمتهم السابقة المتمثلة في ملاحقة فلول الدولة الإسلامية، كما يقول المسؤولون العسكريون. ويستمر الأمريكيون في العمل إلى جانب ميليشيا قوات الديمقراطية السورية التي يقودها الأكراد.

وعندما انسحبت القوات الأمريكية في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، حذرت وثيقة عسكرية أمريكية القوات في المنطقة من الصعوبات القادمة. وقالت الوثيقة إن "التعقيد" المحيط بالقوات الأمريكية في شمال سوريا "زاد فقط في الأسابيع الأخيرة حيث زادت المجموعات والممثلون المتعارضون قواتهم تدريجيًا في المناطق المحيطة بها". كان هذا التحذير جزءًا من موجة من تقارير الحالة والخرائط والبيانات التي تحدد تحركات القوات العسكرية الروسية حول مدينة منبج السورية وبدء العملية العسكرية التركية على طول الحدود السورية التركية.

حسابات خاطئة

قبل أن تدخل القوات المدعومة من تركيا المنطقة في شمال سوريا التي كانت تسيطر عليها في السابق القوات الأمريكية، كانت الجيوش الأمريكية والروسية مسؤولة عن تنسيق العمليات العسكرية في هذا الجزء من البلاد، وقد فعلت ذلك لمدة ثلاث سنوات. اعتمد كلا الجيشين على خط هاتف "فك الارتباط" ومجموعة تخطيط منفصلة، مستخدمة خريطة مقسمة إلى قطاعات ذات حروف ومرقمة، والمعروفة باسم "لوحة المفاتيح " كمرجع. سمح هذا للمسؤولين من كلا البلدين بتحديد مكان عمل القوات.

لكن إدخال القوات المدعومة من تركيا سرعان ما تسبب في توتر هذا النظام القديم، كما يتضح من القصف التركي العرضي بالقرب من موقع أمريكي قرب الحدود التركية السورية في أوائل تشرين الأول/أكتوبر الماضي. في إحدى الوثائق العسكرية التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، كتب المسؤولون الأمريكيون بعد هذا الهجوم أنهم "لا يمكنهم استبعاد" أن القوات العسكرية التركية "سوف تخطئ حسابات القوات الأمريكية مرة أخرى".

وفي حديثه إلى المشرعين في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، قال وزير الدفاع مارك ت. إسبير إن الوضع في شمال سوريا "استقر بشكل عام"، على الرغم من أنه حذر من أن المقاتلين المدعومين من الأتراك ما زالوا "بطاقة عشوائية". وأضاف إسبير أنه لا توجد حاليًا خطط لسحب القوات الأمريكية من البلاد.

بيئة متغيرة وخطرة

للتأكيد على حقيقة أن ميدان المعركة في شمال سوريا يتغير باستمرار، قال الجنرال كينيث ف. ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن حماية حقول النفط قد تشكل في النهاية تحديًا أكبر أمام قوات النظام السوري غرب الفرات. وقال الجنرال ماكنزي "أتوقع في مرحلة ما أن يتقدم النظام إلى هذا الحد".

لكن في الوقت الحالي، كما أوضح ماكنزي، فإن القوات الأمريكية المتبقية في شمال سوريا، والتي تعمل جنبًا إلى جنب مع عدة آلاف من أفراد الميليشيات المتحالفة معها من قسد، ستكون قادرة على تنفيذ مهام "فعالة لمكافحة الإرهاب ضد داعش في هذا الجزء من البلاد". في الشهر الماضي، استأنفت القوات عملياتها ضد التنظيم، بعد أن بدأت مجموعات من مقاتلي التنظيم العمل من جديد في الفوضى عقب الأعمال العسكرية ضد قسد والانسحاب الأمريكي.

وأشار ماكنزي إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بقدرة قوية على الاستطلاع والقوات الجوية القتالية لحماية القوات الأمريكية والقيام بمهام الضربة عند الضرورة.

هل تتكرر مجزرة حقل كونيكو؟

ترجيح قيام قوات النظام  بالتحرك لاستعادة المناطق النفطية من الأمريكيين وقسد ليس جديدًا، خاصة مع الأزمة الاقتصادية المالية التي يعيشها النظام السوري مع انهيار الليرة وفقدان مصادر التمويل. ففي شباط/فبراير 2018، هاجم نحو 500 عنصر من قوات الأسد وعشرات السيارات المدعومة من المرتزقة الروس، مصنع كونيكو للغاز بالقرب من دير الزور. ردت قوات الكوماندوز الأمريكية هناك إلى جانب قسد ومدعومة من الطائرات الأمريكية، وقتلت مئات المقاتلين.

كانت المعركة التي استمرت لساعة رسالة واضحة للقوات الأخرى في المنطقة بأن الأمريكيين سيحمون قواتهم وقسد في المنطقة النفطية. ولكن بعد أشهر من الاضطرابات السياسية في واشنطن وموافقة ترامب على عملية نبع السلام التركية، ما زال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الأمريكية، حتى مع إضافة مركبات برادلي القتالية المدرعة، ستقف وتقاتل كما فعلت في الماضي، بحسب مسؤولين أمريكيين.

وأضاف المسؤولون أنه تم إرسال مركبات Bradleys فقط كإشارة على العزم، وليس بالضرورة لمحاربة قوات النظام السوري.

أنقرة.. تتوعد وموسكو تحذر

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تلتزما بوعودهما بإخراج وحدات حماية الشعب (المكون الأبرز لميليشيا قسد)، من شمال سوريا.

وجدّد الرئيس التركي في مقابلة متلفزة، تهديداته ضد وحدات الحماية بقوله "إن موسكو وواشنطن لم تلتزما بوعودهما حيال إخراج الإرهابيين من الشمال السوري، وإن تركيا ستتدبر أمرها بنفسها لإبعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن حدودها".

ولفت أردوغان إلى استمرار وجود وحدات الحماية في مدينة منبج، رغم وقوعها داخل حدود المنطقة الآمنة المتفق عليها مع كل من روسيا والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن العشائر الموجودة في تلك المنطقة، تطلب من تركيا مساعدتهم للتخلص من "ظلم الإرهابيين".

وتطرّق أردوغان في حديثه إلى آبار النفط السوري، وأوضح بأن قسد والولايات المتحدة تسيطران على الآبار النفطية في دير الزور، وأن قسد تقوم ببيعه للنظام السوري، في حين تسيطر قسد وروسيا على الآبار الموجودة في القامشلي.

في المقابل حذرت الخارجية الروسية أواخر الشهر الماضي من مغبة استئناف القتال شرق الفرات في سوريا، مشيرة إلى أن ذلك يهدد بانبعاث تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، بحسب وكالة نوفوستي الروسية.

وقال أوليغ سيرومولوتوف نائب وزير الخارجية الروسي: "لقد أصبح كل هذا ممكنًا بسبب تصعيد التوتر شرق الفرات وبسبب الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي في سوريا. كما كان تأجيج التناقضات العرقية الطائفية من أسباب زعزعة الاستقرار هناك".

اقرأ/ي أيضًا: كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟

واعتبر أن تحييد هذا الخطر يتطلب قبل كل شيء "منع استئناف القتال" في المنطقة والمساعدة في استعادة سيادة سوريا ووحدة أراضيها"، مضيفًا أن "هذا هو هدف المذكرة الروسية التركية المبرمة في 22 من تشرين الأول/أكتوبر، والمستمر تنفيذها".

 تواصل إيران بناء وتجهيز قاعدة الإمام علي في دير الزور، ويشير تقرير لشبكة فوكس نيوز الأمريكية إلى أن هذه القاعدة ستكون من أكبر القواعد التي تبنيها إيران في سوريا

تزامنًا مع ذلك تواصل إيران بناء وتجهيز قاعدة الإمام علي في دير الزور، ويشير تقرير لشبكة فوكس نيوز الأمريكية إلى أن هذه القاعدة ستكون من أكبر القواعد التي تبنيها إيران في سوريا ووافقت على إنشائها المرجعيات العليا في طهران. وأسندت إيران مهمة بناء القاعدة التي تقع بالقرب من الحدود السورية - العراقية إلى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يرأسه قاسم سليماني. وكشف التقرير وجود خمس منشآت جديدة يمكن تخزين الصواريخ فيها، ناهيك عن وجود 10 منشآت أخرى، حيث يتوقع أن تكون القاعدة العسكرية جاهزة بالكامل في وقت قريب.