01-سبتمبر-2020

ملف: دروس غرامشي.. استعادة مستمرة

ألترا صوت - فريق التحرير

ننشر هنا فقرات مختارة من كتابات غرامشي المختلفة.


أمي الغالية، هو ذا عيد الميلاد الخامس الذي أقضيه مُجردًا من حريتي، والرابع الذي أمضيه وأنا داخل السجن، الحق أقول لك إن الوضع القسري الذي أمضيت فيه ميلاد 1936 يعد فردوسًا من فراديس الحرية الشخصية مقارنة مع وضعي كسجين . ولكن لا تحسبي أن سكينة روحي قد نقصت، لقد هرمت أربع سنين أخر، لم أعد أضحك بانشراح كبير كما كنت من قبل، لكني أعتقد أنني صرت أكثر حكمة، وأنني أثريت خبرتي بالبشر والأشياء، من جهة أخرى، لم أفقد لذتي بالحياة، لا تزال الأشياء، كل الأشياء، تثير اهتمامي، فأنا لم أشخ بعد في نهاية المطاف، ألا تظنين؟

نشيخ فقط عندما نبدأ بخشية الموت، وعندما نغتم لرؤية الآخرين يفعلون ما نحن عاجزون عن فعله. بهذا المعنى، لا شك عندي من أنك لم تشيخي أنت الأخرى برغم من سنك، أنا متيقن من أنك عقدت العزم على العيش طويلاً لكي نتمكن من اللقاء.

*

 

أكره اللامبالين. أعتقد مثل فريدريخ هيبّل أنّ "الحياة هي اتخاذ مواقف". من المستحيل أن يوجد أشخاص فقط، الغرباء عن شؤون المدينة. فمن يعيش فعلًا لا يمكنه إلّا أن يكون مواطنًا وصاحب مواقف. إنّ اللامبالاة خمول، تطفّل وجبن. إنّ اللامبالاة ليست بحياة. لهذا السبب أكره اللامبالين.

إنّ اللامبالاة هي الوزن الميّت للتاريخ. هي الرصاصة التي تحطّم المجدّد، هي المادة الجامدة التي غالبًا ما تحطّم الحماس الأكثر إشراقًا، هي المستنقع الذي يحيط بالمدينة القديمة ويدافع عنها أفضل من الأسوار الأكثر صلابة، أفضل من صدور المحاربين من أجلها، لأنّها تبتلع في غليانها الطيني المهاجمين وتقضي عليهم وتجعلهم أحيانا يتخلّون عن مهمّتهم البطولية.

*

الأصنام تسقط من مذابحها، وترى الآلهة ذوبان سحابة عبق البخور. ويكتسب الانسان وعي الواقع الموضوعي، ويختزن السر، الذي يسببه المسار الفعلي للأحداث.يعرف الإنسان نفسه، وهو يعرف ما قيمة إرادته الشخصية، وكيف يمكن لها أن تكتسب وزنًا أكبر، عندما يخضع الضرورة، ويجعلها مفيدة، ويصل إلى نقطة يسيطر فيها على الضرورة، ويجعلها في توافق تام مع الهدف المحدد.

*

لم أكن في يوم من الأيام صحفيًّا يبيع قلمه لمن يدفع أكثر، ويكون لزامًا عليه أن يزيّف باستمرار، لأن الكذب جزء من كفاءته المهنية. لطالما كنت صحفيًّا حرًّا، أتمسّك دائمًا برأي واحد، ولم أضطر يومًا إلى إخفاء قناعاتي إرضاء لبعض السادة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أنطونيو غرامشي والعالم العربيّ.. لقاء من ترتيب الهزائم والخيبات

تعويم كتلة غرامشي بمفردات التحالف السياسي