19-يوليو-2021

فوتوغرافيا لـ أوستاشي كوساكوفسكي/ بولندا

1

 

صداعٌ نابضٌ من المنْهل إلى المهْبل.

حساسيّة الضوء تمسّد صدًا رماديًّا فوق مطرٍ معجونٍ بأقدار مبصرة.

عقيرةٌ تهرب منها

الموسيقى

والكتب

والومضات

والتأمّلْ...

غثيانٌ يتقيّأ مرّةً، ويدوخ مرّاتٍ ومرّات، من ملامحك الكثيفة.

ألم البطن أفقد شهية التفكير

وأنت تقتلعينني مني ومنك أيّتها "النيرفانا".

شحوبٌ مضلّلٌ يجلس على جداريات "درويش"، كلّما أقرؤها

لأجنحة الفقراء المتكسّرة

لصرّة الأيتام المثقوبة

للاتجاهات المكتوية من ألفتها

أمام تعبٍ يصْهل في داخلي المتنمّل بك.

دوخةٌ جزْميّةٌ تربّي نفسها خلف الباحات الخلفيّة لقصائد نبوءتي ومبايعتي

والرؤية تشوّش نفسها وتنزلق طواعيةً نحو الأرض،

أو تغمض عينيها مع إسهالٍ يستيقظ حينما أمدّد بجسدي على فراش النوبات.

 

2

 

"وتلك الفراشة ماذا تفعل؟!".

يسألني أناي مستغربًا.

إنّها تصول وتجول

باشتعالها وانطفائها

متمدّدةً بطيشها...

"لا تنس يا زارع الوجع وقاطفه!".

يخاطبني هذه المرّة هازئًا.

"كانتْ أحاسيسك تحبو من بين أصابعها الخمسة الطرية والدافئة

تبدأ نارًا شتائيًّا                                   

وتنتهي رمادًا مبلّلًا بكلّ عظمتها".

أنظر إليه والخيبة تتساقط منّا كلينا

هو يمسك بجبينه

وأنا أضع كفّي على فمي.

 

3

 

أنا الضائع أيّتها الخضار

بين أبوّتي، وبين أن أكون استثنائيًا في كلّ شيء

فبتّ فيها رجلًا

عاديًا

باهتًا

وناقصًا

يختفي جموحه في ريح موّارةٍ، أو يرتمي في سرمد الارتباك.

لسْت بخير أيّتها الفاكهة!

أصحو

بنصف وجهٍ

منكمشٍ

زائغْ

يرتّب أمسه البعيد بماء مالحٍ

وذاكرةٍ متهْتهةٍ من قبلٍ "رومانتيكيّةٍ"

ولمساتٍ منحْتها لخشونة كتفي وعنقي

قبسْتها من استعارات نيتشه الفلسفيّة.

أنا أيّتها المهدّئات العاهرة

أعلن – في رأسي – مسؤوليتي عن قادم أسوأ سيحطّمني...

أسقامٌ

أوبئةٌ

حروبٌ

غلاءٌ

فسادٌ

اغتيالاتٌ

ودمارٌ شاملٌ...

أنا المسؤول، ولا أحد سواي.

 

4

 

رجلٌ متوسّط القامة أنا

كثير التأمّلْ

انعزاليٌّ طاغٍ

يتّكئ بخفّةٍ على عكّازته؛

ليحمل قدمه اليمنى

بعيدًا عن سيرورة طفولةٍ تعفّنتْ من دم

لا يزال يركض وراءه قناع قبيلةٍ مقتولةٍ من وجدانها

وعقيدةٍ مشلولةٍ فوق كعابها.

رجلٌ أملس الشعر أنا،

كثيف اللحيةْ

يمتلك نظرةً حادّةً تارةً، وأخرى حزينةً وحانيةْ

يرهقه تخاطره الرهيب بالأشياء قبل حدوثها

ينظر للعالم من خلال كيانه المسفوك على حبل الصدمات

يصافح الحزانى أينما تواجدوا وكانوا.

أنا يا أناي

طفولةٌ مغتصبةٌ في بهو الأثرياء وسماسرة السياسة

أرملةٌ تبيع جسدها؛ قربانًا لفراخها الجوعى

فماذا أقول بعدْ، إن كان الهدم هو مبتغاها

والتصالح مع فقدان الذاكرة هدفٌ أسمى، لن تجدّده في مملكتي؟!

 

5

 

صلْصالٌ أنا

منها تشكّلْت

لكن!

افتقدْتها – خسرْتها – غادرْتها – خذلتْني وخذلْتها

فتغرّبتْ عني الحياة

منذ وداعها الأخير تحت ظلّ إلحاحنا الأبديّ

أرمي كليّ الكلّ على وشم محفورٍ من احتراق:

"لقد متّ في قلبي

لكنك تغذّينه بجثّتك الهامدة على نقائها.

لم أتخلّ عنك

بل أنت الملتحمة بذاتي من تخلّتْ عنك".

 

اقرأ/ي أيضًا:

سارة تيسدال: يكفيني أني شجرة

شيزوفرينيا الكون