06-أكتوبر-2015

لقاء الرئيس الموريتاني بالشباب في آذار 2014(ألترا صوت)

تكاد "ظاهرة الترحال" وتغيير المواقف أن تتحول إلى حدث اعتيادي في الساحة السياسية بموريتانيا، خاصة في فترات تغير رأس النظام. وشهدت الظاهرة تطورًا في السنوات التي تلت الانقلاب على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع في 2005، ثم بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 2008، وشملت برلمانيين وقادة في أحزاب سياسية وغيرهم.

لكن الجديد في موريتانيا، يتمثل في انتقال الظاهرة، خلال السنتين الماضيتين، لفئة الشباب المعارض وانحصار وجهتها إلى حد بعيد في الانسحاب من القوى المعارضة والانضمام لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن أسباب هذه الانسحابات وما إذا كانت لها علاقة بضغوط وممارسات من النظام تجاه الشباب المعارض، أم أن ثقة الشباب في المعارضة، التي تعاني من التصدعات، باتت في تراجع؟

اقرأ/ي أيضًا: الشباب.."ديكور" الأحزاب والحكومات في موريتانيا

موالاة بعد معارضة

شغلت انسحاباتُ عدد من القياديين الشباب المعارضين في موريتانيا من صف المعارضة وإعلان انضمامهم لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الساحةَ السياسية الموريتانية وأثارت ضجة كبيرة، وساهمت في خفوت شعار "الرحيل"، الذي رفعه الحراك الشبابي المعارض، مطلع العام 2011 مع انطلاق ثورات الربيع العربي.

وارتبطت الانسحابات من أقصى المعارضة إلى الحزب الحاكم بمنعطفات سياسية كالانتخابات البرلمانية والبلدية في 2013 ولقاء الرئيس والشباب في 2014 واللقاء التشاوري التمهيدي للحوار الوطني الشامل في 2015.

وشملت الانسحابات ناشطين شباب بعضهم كان يشغل مناصب قيادية في أحزاب "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" المعارض ومن بينها: التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، وتكتل القوى الديمقراطية، واتحاد قوى التقدم، واللقاء الديمقراطي، إضافة إلى حركة الخامس والعشرين من فبراير، ومبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" الحقوقية، وحراك فئة "المعلمين" الاجتماعي.

أحد شباب المعارضة المنسحبين والمنضمين إلى الحزب الحاكم تحدث في الموضوع لـ"ألترا صوت"، لكنه فضل عدم الإجابة على السؤال الموجه إليه والمتعلق بالجديد على الصعيد السياسي الذي تسبب في تغيير موقفه، وهل تغير النظام أم المعارضة أم تغير المنسحبون أنفسهم؟

امتيازات ومواقف متغيّرة

استفاد أغلب المنضمين الشباب إلى الحزب الحاكم من وظائف مختلفة وتعيينات بمراسيم رئاسية وقرارات من مجلس الوزراء ليشغلوا مناصب مهمة في الرئاسة الموريتانية والوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب وسلطة التنظيم وغيرها، إضافة إلى امتيازات أخرى من بينها التعيين في مناصب استشارية لرئيس الحزب الحاكم.

استفاد أغلب المنضمين الشباب إلى الحزب الموريتاني الحاكم من وظائف مختلفة وتعيينات بمراسيم رئاسية وقرارات من مجلس الوزراء ليشغلوا مناصب مهمة

ورافق التحول في الموقف السياسي والمناصب الجديدة، تخلي المنسحبين عن الشعارات والمطالب التي رفعوها لسنوات طويلة ليحل محلها تمجيد للنظام الحاكم وأساليبه في إدارة البلاد والتصدي لانتقادات معارضيه. ونتج عن ذلك توجيه انتقادات شديدة للمنسحبين الشباب، أطلقها رفاقهم السابقون في المعارضة واتهامهم ببيع نضالاتهم والتنكر لمبادئهم.

ينفي الشاب المنضم مؤخرًا إلى الحزب الحاكم محمد يحيى عبد الرحمن لـ"ألترا صوت" انتقادات رفاقه السابقين. ويضيف: "لا علاقة للموالاة بالتخلي عن المبادئ والقضايا، الهدف تجسيد هذه المبادئ والرؤى من خلال القنوات المتاحة الآن".

ضغوط على المناضلين الشباب

تتهم المعارضة الموريتانية النظام باستهداف مناضليها بالحرمان من التعيين في الوظائف والامتيازات، التي تقول إنها تتم بناء على المواقف السياسية وليس على أساس الكفاءة. وتدرج المعارضة الموريتانية ضمن شروطها للمشاركة في الحوار السياسي مطالب بتساوي الفرص واعتماد معايير الكفاءة والمهنية لشغل المناصب الحكومية.

الأمر الذي يعد من بين عوامل كثيرة أدت، حسب الكثيرين، لانسحاب معارضين شباب وانضمامهم إلى الحزب الحاكم بعد حالة "التهميش الوظيفي" التي يفرضها عليهم البقاء في صف المعارضة، في وقت ينال أنصار الحزب الحاكم والمنسحبون من أحزاب المعارضة حظًا أوفر في التعيين والمناصب.

وهو ما يؤكده يحيى ولد أبوبكر، رئيس المنظمة الشبابية لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض، لـ"ألترا صوت": "يرزح الشباب الموريتاني تحت وطأة أزمة البطالة ويواجه الناشطون منه في صفوف المعارضة حملات ضغط من النظام تعتمد الترغيب والترهيب لتغيير المواقف السياسية ومحاولة استقطابهم إلى صفوف الموالين للنظام".

ويضيف: "كان لبعض الشباب المنسحبين من المعارضة مآرب شخصية يسعون إلى تحقيقها". وقلل ولد أبوبكر من شأن حالات الانسحاب المذكورة، نافيًا أن تكون قد وصلت إلى حد يمكن معه وصفها بالظاهرة.

أي مستقبل سياسي للمعارضة؟

يتزامن التحاق جزء من الشباب المعارض بالحزب الحاكم مع انخفاض الأصوات الداعية إلى إسقاط النظام، واعترف بعض قادة المعارضة أن خصوصية البلاد السياسية لم توفر الظروف المناسبة لرفع "شعار الرحيل"، فيما اعتبر آخرون أن رفع الشعار في السابق جاء في الوقت الخطأ.

وعزز الترحال السياسي من أحزاب المعارضة إلى الحزب الحاكم المخاوف لدى مراقبين من تأثير سلبي على مستقبل الفعل الشبابي المعارض، الذي أبان النظام الموريتاني عن قدرة كبيرة على استقطابه، يساعده في ذلك النفوذ القبلي في المشهد السياسي.

يتزامن التحاق جزء من الشباب الموريتاني المعارض بالحزب الحاكم مع انخفاض الأصوات الداعية إلى إسقاط النظام

وتتحدث المعارضة الموريتانية عن خشيتها من مساع تقول إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز يخطط من خلالها لتهيئة الشارع السياسي لتعديلات دستورية تسمح له بالترشح لأكثر من مأموريتين رئاسيتين والبقاء في الحكم لفترة أطول، وتستدل بسلسلة الجولات الداخلية التي نظمها ولد عبد العزيز خلال الأشهر الماضية وشملت حتى الآن ثمان محافظات.

ولم تقتصر الانسحابات من صفوف المعارضة على الشباب بل شملت قيادات أيضًا. ومن أبرزها: انسحاب الفنانة الموريتانية المعلومة بنت الميداح من حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض وانضمامها لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم لتصبح مستشارة لرئيسه، وهو انسحاب مفاجئ بالنظر إلى علاقة بنت الميداح بالتاريخ السياسي لحزب التكتل. هذا إضافة إلى مشاركة شخصيات معارضة في اللقاء التشاوري التمهيدي للحوار الوطني، وهو ما يعد مخالفة لقرارات المنتدى وأحزابه التي أعلن بعضها فصل أعضائه المشاركين في هذا اللقاء.

كما سجلت الأسابيع الأخيرة إعلان حزبين سياسيين هما: حزب المستقل الذي يعيش منذ أشهر انقسامًا على مستوى قيادته وحزب الاتحاد من أجل موريتانيا "تمام" الذي ينفي المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أي علاقة له به، عن انسحابهما من كتلة المنتدى، قبل أن يعلنا رفقة حزب "الجيل الجديد" عن تشكيل "كتلة الوفاق الوطني" السياسية الجديدة.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا..وعي حقوقي شبابي متصاعد