01-ديسمبر-2019

الفنانة شادية

الدخول إلى العقل والوجدان المصري والعربي ليس بالأمر الهين على الإطلاق، كثيرون قدموا الأفلام والأغنيات التي لاقت نجاحًا جماهيريًا باهرًا في حينها، لكنها سرعان ما اختفت وكأن شيئًا لم يكن، قليلون فقط من استطاعوا الخروج على هذه القاعدة وحفروا أسماءهم بحروف من ذهب في العقول، لتظل سيرتهم حاضرة لعصور متتالية وكأن شهادة ميلادهم تكتب كل يوم.

من بين هؤلاء الفنانة شادية، التي استطاعت بموهبتها الكبيرة أن تقدّم إلى عالم الغناء وعالم السينما بل وعالم المسرح –على قلة إنتاجها فيه- أعمالًا بمثابة علامات خالدة لا يمحوها الزمن كلما مرت السنون بل يزيدها جمالًا.

في 8 شباط/فبراير عام 1931، كانت القاهرة على موعد لاستقبال إحدى نجماتها، تحديدًا في حي عابدين وسط العاصمة حيث ولدت الفنانة شادية، التي تعود أصولها إلى محافظة الشرقية، موطن أبيها المهندس الزراعي أحمد كمال شاكر الذي اضطرته ظروف العمل للإقامة في القاهرة حينها.

حياة حافلة بالفن والتقلبات عاشتها شادية التي لم تغب الأضواء عنها يومًا إلا بعد اعتزالها الفن وهي في أوج تألقها، لتعيش حياة هادئة انتهت بوفاتها في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.


بدايات خافتة.. ومجد يقترب

كانت البداية في عام 1947، حيث كان المخرج علي بدر خان يبحث عن مواهب شابة لأحد الأفلام التي يعتزم إخراجها، من بين من تقدموا للاختبارات الفنانة شادية، والتي لاقت إعجابًا واحتفاء كبيرين من كل من كانوا في الاستوديو، إلا أن مشروع ذلك الفيلم لم يكتمل، في ذات الفترة قامت شادية بأداء دور صغير في فيلم "أزهار وأشواك"، لكن الانطلاقة لم تبدأ بعد.

جاءت انطلاقة شادية من أعلى السلم، حيث قامت بالبطولة أمام الفنان محمد فوزي في فيلم "العقل في إجازة"، والذي كان باكورة أدائهما لعدد من الأفلام التي اشتركا سويًا في بطولتها مثل: "الروح والجسد"، "الزوجة السابعة"، "بنات حواء".

صراع مع القمة

قدّمت شادية بعد ذلك عددًا من الأفلام الهامة التي لاقت نجاحًا كبيرًا بل وحفرت لنفسها مكانة مميزة في أرشيف السينما المصرية، كانت بدايات ذلك النجاح في فيلم "المرأة المجهولة" عام 1959 الذي شاركها بطولته الممثل محمود ذو الفقار، لتكون بداية رحلة شادية مع مجد طويل.

كانت شادية على موعد مع ستينات القرن الماضي، حيث قدمت عددًا كبيرًا من الأفلام مثل "مراتي مدير عام" و"كرامة زوجتي" و"أغلى من حياتي"، وهي كلها أفلام شهيرة إلا أن شادية لم تكتفي بتقديم أشهر قصة حب في تاريخ السينما، بل أرادت تقديم جوهر الحب ذاته، وبمشاركة نجم كبير يدفع الجميع إلى مشاهدته.

معبودة الجماهير.. شادية تتحدث إلى الجمهور

في أواخر الستينات قدمت شادية فيلمها الخالد "معبودة الجماهير" بصبحة المطرب الشهير عبد الحليم حافظ، نجمان من المستوى الرفيع يتربعان على قمة الهرم يمثلان فيلمًا عن الحب، كانت البلاد مع موعد للتزاحم على السينمات.

"معبودة الجماهير" لم يكن مجرد اسم لفيلم شهير، بل هو اللقب الذي لازم شادية طيلة حياتها، على الرغم من تقديمها فيما بعد لأفلام ناجحة وهامة، إلا أن هذا الفيلم كان له نصيب الأسد من الشهرة والخلود، حقّق الفيلم نجاحًا باهرًا ما زالت أصداؤه تتردد إلى اليوم، يعد الفيلم من كلاسكيات الأفلام الغنائية في السينما المصرية، ربما يعد أهم ما قدم من ذلك النوع.

قدم الفيلم في كانون الثاني/يناير عام 1967، بعد أن استمر تصويره طويلًا بسبب مرض الفنان عبد الحليم حافظ المستمر، بعد طرح الفيلم في السينمات بأشهر قليلة كانت مصر على موعد مع الهزيمة، لتتدخل شادية مرة أخرى.

مصر وشادية.. في حرب الاستنزاف

في العام 1970، كانت مصر تجر أذيال الخيبة إثر الهزيمة في حرب لم تنل حتى فرصة خوضها، إلا أنها كانت على موعد أخر مع الحرب، حيث قرّرت القيادة السياسة خوض حرب لاستنزاف العدو قبل القيام بحرب كبيرة فيما بعد، لا يعرف أحد موعدها.

كانت شادية في الميعاد مع بلد يحتاج من يشد أزره ويحفز جنوده، حيث غنت من كلمات الشاعر محمد حمزة وألحان بليغ حمدي أغنيتها الشهيرة "يا حبيبتي يا مصر"، والتي أصبحت من أهم الأغنيات الوطنية على الإطلاق.

شادية تعتزل في ميعاد لاعبي كرة القدم

في أوائل الثمانينات وبعدما قدمت شادية 110 فيلم، و10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة "ريا وسكينة" وعندما صارت بعمر الخمسين قررت الاعتزال، قبل أن تغادرها الأضواء أو تفقد أي من رونقها أو جمالها.

تركت شادية بصمتها في كل ما قدمت، في الغناء قدمت أغنيات خالدة وفي السينما قدمت أفلاما هامة وفي المسرح على الرغم من أنها لم تقدم إلا مسرحية واحدة إلا أن تلك المسرحية من أهم ما قدم المسرح المصري على الإطلاق، ويتم تداولها إلى اليوم بوصفها من أكثر المسرحيات كوميديا.

بعد اعتزالها، قررت شادية الابتعاد عن الأوساط الفنية وارتداء الحجاب، سنوات طويلة عاشتها بعيدًا عن الكاميرات والأضواء في المملكة العربية السعودية، حتى خاضت صراعًا مع المرض، وافتها المنية على إثره في القاهرة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أسمهان.. تلك القصيدة السكرانة بحبّ الحياة

عيوننا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم يا فيروز