1. ثقافة
  2. فنون

سينما يسري نصر الله... إبحار هادئ في محيط هادر

12 يونيو 2025
يسري نصر الله (صفحة مهرجان Festival EntreVues 2016)
يسري نصر الله (صفحة مهرجان Festival EntreVues 2016)
أمل ممدوحأمل ممدوح

مخرج سينمائي مختلف، يحيي التفرد والاختلاف، له روح مشاغبة تحلو لها مداعبتك مبتسمة بالطرق بعيدًا عن مرمى عينيك، ربما فوق ألمك أو مكان غفوتك، ليجعلك ترقص على إيقاع ذاتك مزهوًّا بها، في حكاية تمتعك بالضرورة. هي ملامح عن المخرج السينمائي المصري يسري نصر الله أحد أبرز صناع السينما المصرية المعاصرين، والذي تندرج سينماه تحت مُسَمى "سينما المؤلف"؛ سنعرفها وغيرها تفصيليًّا من خلال الكتاب الذي صدر عنه مؤخرًا بعنوان "سينما يسري نصر الله.. حكايات ترغب في احتضان العالم " للناقد السينمائي أحمد عزت عامر، والصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع في 173 صفحة، ضمن إصدارات الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

أن نكتب عن فيلسوف أو فنان ما، معناه أن نقيم بداخله وأن نجعله يقيم بداخلنا

يفتتح الكتاب بخمس مقولات منفصلة، أولهم هي نفس كلمة الغلاف الأخير، من رواية "الكتاب الأسود" للكاتب التركي أورهان باموق، تبدأ بعبارة "عليّ أن أكون نفسي دون أن أعيرهم اهتماما..."، وهي اخيار الكاتب للتعبير عن طبيعة شخصية الكتاب، تليها جملة من مقدمة كتاب "كيف يمكن أن نحيا" لجيل دولوز، ثم جمل من أفلام لنصر الله، مثل باب الشمس وجنينة الأسماك والمدينة. كلها تدور حول البحث عن الذات والحكاية الخاصة والتمرد على ما يقرره الآخرون، وذلك في افتتاحية مفتاحية لقراءة شخصية الكتاب، سواء من زاوية الكاتب أو تعبر عن نصر الله على لسان أبطاله. وفي تناوله لهذا الكتاب يمزج الكاتب الطبيب النفسي أيضًا، بين المدخل النفسي وبين التحليل السينمائي؛ يتناول بالتحليل والتفكيك شخصية "نصر الله" بتكوينها المُركب وروافدها وعالمها وعالم أفلامه وتكنيكه الفني، بعمق مضفر بالفلسفة وبالاستشهادات المناسبة بمختارات من الأدب، مع حس أدبي لطيف في العرض، بثراء كشخصية الكتاب، مستشهدًا في إحدى الفقرات بمقولة لدولوز "أن نكتب عن فيلسوف أو فنان ما، معناه أن نقيم بداخله وأن نجعله يقيم بداخلنا".

وصولًا لمحطة العمل مع شاهين، والذي كان بمثابة المدرسة التي تعلّم فيها السينما والإخراج، وكتابته لأول أفلامه "سرقات صيفية"

بورتريهان للسينما والسينمائي 

في أقسام ثلاثة يتألف منها الكتاب، يأتي أولهم بورتريهي سواء لملامح تكوين وشخصية نصر الله أو لسينماه، في جزأين: أولهما "بورتريه لفنان يتشكل"، تندرج تحته محطات في حياة نصر الله، تبدأ بالحدث العظيم كما أطلق عليه، وهو ميلاده في 26 تموز/ يوليو 1952، يوم خروج الملك فاروق من مصر في أعقاب ثورة يوليو، فكان في خلفية مجيئه حدثًا فارقا – كما حال الكثير من أبطال أفلامه – ويؤثر على تكوينهم. ثم يأتي "الحب من أول نظرة" في السادسة من عُمره، إنه حب السينما مع فيلم "رحلة إلى مركز الأرض"، ثم مع أفلام هتشكوك، ليعرف وقتها أن حلمه المنتظر هو أن يكون مخرجًا، حتى يصادف أثر صاحب المومياء، شادي عبد السلام وفيلمه ولقاءاته معه، حتى إذا كبر والتحق بمعهد السينما تمرد عليه وتركه بعد استبداد لم يقبله من أحد أساتذته، ومن ثم يعود لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مستمرًا في الحركات الطلابية ومشاركًا في الاحتجاجات إثر الهزيمة. نعرف عن ذهابه إلى لبنان وحكاية فيلم عن فلسطين لم يُصنع أبدًا، وكتاباته النقدية التي بدأت في صحيفة السفير. نصاحب رغبته في التغير و"الانفتاح على العالم والرغبة العارمة في احتضانه". ونعرف عن حبه لأفلام برتولوتشي وفيسكونتي وفيليني ومحمد خان وخيري بشارة ويوسف شاهين. وكيف كانت "بيروت معمدانية الوحدة" بالنسبة له، حيث كانت انفصاله الأول عن العائلة كما أتاحت عُزلة كان بحاجةٍ إليها، وصولًا لمحطة العمل مع شاهين، والذي كان بمثابة المدرسة التي تعلّم فيها السينما والإخراج، وكتابته لأول أفلامه "سرقات صيفية".

لا شك هي سينما الفرد، سينما متفردة ومتمردة لم تركن أبدًّا أو تعول على تقليد متوارث، إنها حكايات تلعب مع العالم وتحاول أن تشرك المشاهد في هذا اللعب

"بورتريه لسينما متفردة" هو الجزء الثاني البورتريهي، لملامح سينما نصر الله، فيقول الكاتب: "لا شك هي سينما الفرد، سينما متفردة ومتمردة لم تركن أبدًّا أو تعول على تقليد متوارث، إنها حكايات تلعب مع العالم وتحاول أن تشرك المشاهد في هذا اللعب". فيرى أن بطل نصر الله يعيد الاعتبار للفرد واختلافه، فالذات المفردة دائمًا محور أفلامه في مواجهة سُلطة الجماعة، وبطله ليس البطل الجماهيري فهو غير نمطي ولا نموذجي. بل إن أبطاله من المطرودين والمهمشين، ويسميه "سينمائي الرغبة بامتياز"، حيث الرغبة تعبير عن الذاتية. كما يحضر الحكي في سرده واللقطات الطويلة والروح الكرنفالية، وصولًا للحديث عن مقالات نصر الله النقدية سواء في جريدة السفير أو في مجلة الفن السابع، والتي يصفها نصر الله لاحقا بأنها "ملاحظات متفرج يقظ سئم من السينما التقليدية بسردها الروائي المقلوب".

في ثاني أقسام الكتاب نتوقف عند جولة نقدية وتحليلية بقلم الكاتب أحمد عزت، لأفلام يسري نصر الله العشرة؛ "سرقات صيفية؛ مرسيدس؛ صبيان وبنات؛ المدينة؛ باب الشمس؛ جنينة الأسماك؛ إحكي يا شهرزاد؛ بعد الموقعة، الماء والخضرة والوجه الحسن؛ قصاقيص صور"، بتشريح نفسي وفني متأنٍ وهادىء، يبحر بعمق في شخصيات الأبطال وأزماتها النفسية، ويربط بينها وبين رؤية نصر الله للحياة وتكوينه، يلتقط ميكانيزماته الفنية ويعقد مقارنات بين أفلامه وأبطالها.

حوار مع الواثب من السفينة

في القسم الثالث من الكتاب، نلتقي مع حوار متعمق للكاتب مع يسري نصر الله. يقول الكاتب إن العائلة هي الهاجس الأكبر لنصر الله، الذي يرافقه ويراه كابوسًا، فهي أول مؤسسة قمع وأصل الكبت والعُصاب الذي يجب التمرد عليه. ويرى أن الكود الأخلاقي للسينما المصرية يتمحور حول القدرة على تكوين عائلة وكل ما لا يؤدي لذلك مدان بشكلٍ ما. يبحث عن الحقيقي لا الواقعي، ويرى أن أفلامه هي سرديات عن موت الأب، وأن بالمجتمع المصري ميلًا أموميًّا. أما في أفلامه فالأم ليست مقدسة، فهو يفكك هذه التنميطات في أفلامه لاعبًا وضاحكًا. كما نعرف كيف شكلته مبكرًا قراءة دولوز وفوكو وبار في وقت ظهورهم، ومدى تأثير دوستويفسكي عليه. وكيف أن أبطاله قريبون له. كما يتطرق الحديث لفترة الستينات والتي لا يحبها نصر الله ثقافيًّا، نظرًا للتحيز الهائل فيها للأيديولوجيا، حيث يرى أن التجاور بين الفن والسُلطة يسيء للفن، بينما يرى أن شاهين تجاوز مأزقه الأيديولوجي، لأنه فنان كبير لذلك فهو يعيش للآن وسيعيش. ويرى أن فيلم "عودة الابن الضال" لشاهين فيلمًا عابرًا للأجيال.

ويروي "نصر الله" عن حبه لبيروت ورائحة القاهرة فيها والعكس. كما نعرف حبه لكتاب "ضد أوديب" لدولوز وجوتاري، والذي ينحاز للفصام على حساب العُصاب، حيث "العصابيون يمتثلون للمجتمع في حين نجد في الفِصام نوعًا من الحرية"، بينما شخصياته ليسوا عصابيين، حيث يقول: "شخصياتي ترفض أن تُوضع داخل سفينة الحمقى". ويتحدث كذلك عن أفلامه وكيف أن هناك خلفية سياسية فيها دائمًا، أما عن سبب صُنعه للأفلام فيراه طموحًا لخلق أعمال لها قوة السينما، وانحيازًا للبقاء في عالم يقول لك مت.

 الرعب الأجمل هو الذي يثير فيك الخوف من أشياء حقيقية

يمتد الحوار للحديث عن التمثيل الذي يراه هو الفن. وعن أفلام الرعب، حيث يرى أن الرعب الأجمل هو الذي يثير فيك الخوف من أشياء حقيقية. وعن الكوابيس والأحلام في الأفلام كمخاوفٍ بدائيةٍ في الحقيقة. وعن المكان عند نصر الله، فهو عنده ليس حياديًّا كما يقول، بل يحكي جزءًا من الحكاية. أما الحوار عنده فوجوده مهم، حتى أنه يصف الحوار في أفلامه بالدَوشة، وكثيرًا ما يلجأ للأسلبة لتخفيف الطبيعة الحوارية للفيلم بحسب طبيعة السيناريو. ويتطرق الحديث للعديد من الأعمال مثل: مسلسل "منورة بأهلها"، وأفلامه "مرسيدس" و"إحكي يا شهر زاد" و"جنينة الأسماك" و"الموقعة"؛ الذي هوجم بسببه، لكنه يراه أهم أعماله وتربطه به عاطفة كبيرة، لتكون نصيحته لصُناع الأفلام الجدد هي الانفتاح على العالم وتراثه الثقافي بلا خوف.

كلمات مفتاحية
متاحف قطر (الترا صوت)

قطر تحتفي بتراثها في اليونسكو.. 50 عامًا على انطلاقة متحفها الوطني

50 عامًا على انطلاق متحف قطر الوطني في مقر اليونسكو

جمع القطن (الترا صوت)

كيف تحولت شجرة القطن المصرية لمصدر إلهام للفنانين والشعراء؟

القطن المصري كتيمة حاضرة في مدونة الإبداع المكتوب والمرئي والمسموع

المهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب (وزارة الثقافة المغربية)

اختتام الدورة الـ 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

حضور ملفت للجمهور المغربي في ختام الدورة 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

متاحف قطر (الترا صوت)
فنون

قطر تحتفي بتراثها في اليونسكو.. 50 عامًا على انطلاقة متحفها الوطني

50 عامًا على انطلاق متحف قطر الوطني في مقر اليونسكو

قضية إبستين
سياق متصل

عودة ملف إبستين تثير انقسامًا داخل قاعدة ترامب وتدفعه للتدخل لاحتواء الأزمة

عادت قضية إبستين إلى الواجهة، ما أثار خلافًا داخل قاعدة ترامب ودفعه للتدخل لوقف هجوم أنصاره على أعضاء من إدارته

وزارة الثقافة المصرية (الترا صوت)
نشرة ثقافية

وزارة الثقافة المصرية تطلق النسخة التجريبية لموقعها الإلكتروني

نسخة تجريبية من الموقع الرسمي لوزارة الثقافة المصرية

حرب السودان
سياق متصل

حرب السودان.. معارك استنزاف في الفاشر وكردفان وسط موجات نزوح متصاعدة

فيما تسعى قوات الدعم السريع لحسم معركة الفاشر المحاصَرة منذ أزيد من عام بهدف طرد الجيش السوداني من آخر نقطة تمركز له في إقليم دارفور بولاياته الخمس، فإن الجيش السوداني يبذل قصارى جهده لاستعادة ما يمكن استعادته من المناطق في إقليم كردفان الذي يعدّ البوابة الرئيسية للوصول إلى إقليم دارفور.