13-مايو-2019

من الفيلم (IMDB)

يمكن استعمال السينما إذا أردنا أن نقول شيئًا إضافيًا وعندما لا يسمح أن نقوله بوضوح. ذلك الوضوح الذي لا يحتمل وعلينا أن نتعامل معه بحذر.

فكرة التعامل الجاد مع النقد الجارح الذي يوجه إلى السينما الأمريكية من جماعة الواقعية، هو ما تناوله تيم برتون مخرج الفيلم "سمكة كبيرة" (Big Fish)، الصادر عام 2003. فالأفلام الخيالية الحاضرة في السينما الأمريكية تقتضي أحيانًا جوهرًا وحقيقة.

في فيلم "سمكة كبيرة"، يخترع إدورد بلوم  يخترعقصة حياته الخاصة بطريقة غرائبية ويرويها إلى ابنه الوحيد

قد ينتج الخيال واقعًا. والفيلم عن هذا بالتحديد. إدورد بلوم سارد بسيط يعيش في عالم الخيال. يخترع قصة حياته الخاصة بطريقة غرائبية ويرويها إلى ابنه الوحيد ويل، وهي قصة مليئة بالأحداث المشوقة. وفي ثنايا قيامه بهذا ينتج تبعات واقعية. الزيف قد ينتج أحداثًا واقعية. تمامًا مثل السينما الأمريكية، والتي كانت مزيفة، وهو في الفيلم شيء من اختراعات بلوم نفسه، حيث أدى إلى استحضار تاريخ السينما الأمريكية منذ البداية، من خلال عرضها على أنها حياته الماضية. كان يعرف شأنه شأن أي شخص، بمن فيهم أبنه ويل، أن ما يرويه يشوبه الخيال. ولكنه كان يعتقد أن الأشياء التي تحدث معنا، لا بد أن نسردها بطريقة مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Gerald’s Game".. سفاح القربى كسوفٌ لا ينتهي

بلوم يزيف الواقع، ويخترع يوتوبيا، وينشئ أحداثًا وهمية للماضي والمستقبل. وتصبح أكاذيبه هذه حقيقية حينما يشرع ابنه في رحلة البحث عنها بعد أن قضي السنوات الثلاث الأخيرة لا يتكلم فيها معه. التناقض هو جوهر الفيلم، فويل صحفي متزوج من كاتبة قصص عكس والده تمامًا. ولكن هذا مجرد جانب واحد من الفيلم. الجانب الآخر هو أنك قد تستعمل وقائع حقيقية في إطار سردي، فتبدو غير ممكنة التصديق وخيالية بالمطلق. في الأفلام الأمريكية، تم استخدام عدد لا حصر له من القصص الواقعية، لأنها أكثر خيالية بكثير أو حتى أكثر غرائبية من أي شيء سبق وقرأته في القصص الخيالية.

في الفيلم، على سبيل المثال، هناك جزء يروي فيه بلوم ماضيه من الطفولة إلى المرحلة التي يكبر فيها ابنه. كل ما فعله المخرج هو عرض الأفلام الأمريكية بشكل متسلسل، بدءً من أفلام الفانتازيا وأفلام الجريمة والحربية والأفلام الرومانسية والقومية ونمط من الأفلام الموسيقية.

أذكر مشهدًا واحدًا وهو المشهد الذي يحول المخرج تيم براون صاحب السيرك إلى رجل ذئب. من أجل إضافة لمسة هوليوودية عمد المخرج على اكتشاف بلوم ذلك، ولأجل تهدئته، بدأ باللعب بعصاه معه. المتفرج مباشرة يفهم أن هذه القصة تتناول أفلام المتحولين في السينما الأمريكية، ويستمر سرد الأفلام على هذه الطريقة.

"الببغاوات في تلك البلاد تتكلم في السياسة، الأدب، الفن..

-هي تتكلم في كل شيء ما عدا الدين.

- لم لا تتكلم بالدين يا أبي!؟.

-لأنه من غير اللائق أن يتكلم المرء في الدين ولا يعرف من يهين بذلك".

هذا الحوار دفاع صريح عن الأفلام الأمريكية، وتبرير ساذج لعدم صناعتها أفلام تتناول مشكلة الدين. حيث شبّه المخرج السينما الواقعية كالببغاوات التي تردد ما يذكر أمامها، من غير أن تعرف ماهية من تتكلم عنه. وهو تصوّرٌ غير حقيقي لمن شاهد الأفلام الواقعية.

ويل يقول في النهاية: "يروي المرء العديد من القصص حتى يصبح هو نفسه القصة، إنها تستمر من بعده، وبهذا يصبح خالدًا". بمعنى أنه توصل إلى ما توصل إليه والده حتى وهو على فراش الموت. وهي يمكن أن تعتبر إشارة إلى خسارة السينما الواقعية لموقفها تجاه السينما الأمريكية، واستمرارية لمنهج السينما الأمريكية.

يروي المرء العديد من القصص حتى يصبح هو نفسه القصة. إنها تستمر من بعده، وبهذا يصبح خالدًا

الأفلام الأمريكيةـ عند تيم برتون، هي رصد لوقائع الحياة اليومية، وهي منظمة وفقًا لنمط الحياة نفسها، وراصدة لقوانين الأحداث اليومية. الرصد هو انتقائي، نحن نترك على الفيلم فقط ما هو مبرر بوصفه مكملًا الصورة. ويتعين عليك فقط أن تعرف الاستعارة التي استخدمها المخرج لتجعل أي جزء من الفيلم مفهومًا وبدقة ووضوح. وبمساعدتها بالفعل أن تحقق مشاهدة مؤثرة جدًا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "A Beautiful Mind".. حياة رجل بعقلين ونصف قلب

برأيي، من السهل عرض الأنماط، الأفكار المصورة سلفًا، الأشياء المألوفة. ومن السهل جدًا أن يتم تصوير هذا الفيلم على نحوٍ جميل من أجل التأثير على الآخرين وإحراز الأعجاب. لكن يبقى ما قام به المخرج غير مقنع. لأن الشيء الأساسي أن يتم تصوير الحدث وليس موقفنا تجاهه. حتى أن طريقة تناول الفيلم طريقة تشبه الأفلام الواقعية بطبيعتها الفعلية. وهذا لا يشبه طبيعة الفيلم مجازًا، كما يشير إليها بلوم كثيرًا وبكيفية ساخرة في الفيلم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Grass Is Greener".. الحشيش على قائمة العنصريات الأمريكية

أسرار عظمة بوبي روبسون في وثائقي