05-أبريل-2020

آي واي واي/ الصين

على عكس التصورات الرومانسية الشائعة، في الحقيقة ليس في نهاية العالم أي رومانسية، في الأمر دهشة، عيون شاردة وقلوب واجفة، الكثير من البكاء بلا دموع والآهات بلا نحيب.

الأماني مثيلة البصمات، لكل إنسان أمانيه الخاصة التي لا تتشابه مع غيره

المُحزن حقًا هو أنه لا يوجد إنسان بلا أمانٍ، حتى أغنى أغنياء العالم يطمح في أن يزيد ثروته، ربما ليصبح أغنى رجل في التاريخ، وإن أصبح كذلك سيطمح مرة أخرى ليتعب من يأتون بعده ويريدون تحطيم أرقامه القياسية في جمع الأموال، حتى أكثر أهل الأرض بؤسًا وأكثرهم في الحياة زهدًا وتمنيًا لنهايتها، ما زالت لديه أمان لم يحققها، يُسأل عنها قلبه قبل أن يُشيبه الألم.

اقرأ/ي أيضًا: الحاجة للوجه ذو الندبة

الأماني مثيلة البصمات، لكل إنسان أمانيه الخاصة التي لا تتشابه مع غيره، حتى إن أحب أحدهم نفس المرأة التي يحبها غيره، فهذا لا يعني أنهما يملكان نفس الأمنية، فكل منهما يحبها على طريقته، وهكذا في سائر الأشياء، قد تتشابه الأماني، ولكن كل منا يتمناها على طريقته، أثر الحُلم لا يزول.

إن أراد أحدهم أن يُسدل ستار نهاية العالم والجميع مبتسمون – حتى هي- فعليه أن يجمع ويحقق أماني 8 مليار إنسان يسكنون الأرض من مشرقها إلى مغربها، وهي مهمة فضلًا عن كونها مستحيلة، فإن العالم حتمًا سينتهي قبل أن يجمع شطر هذه الأماني، ولذلك فالسبيل الوحيد أن يتحدث كل إنسان عن أمانيه، أحلامه، ما فاته، ما تمنى تجربته، وما لم يتمكن من اللحاق به، وعن مسببات الشغف التي فقدها للأبد.

أتمنى قبل أن ينتهي العالم، أن أمعن النظر وأشبع الشغف من كل الأشياء الملهمة التي مررت عليها عابرًا ولم أكترث، المقاهي القديمة والعمائر العتيقة، أكواب القهوة المزخرفة والقهوة ذاتها حين تكون مترنمة، الزهور عبقة الرائحة والعطور التي تنبأ عن الماضي.

عن الفرص الضائعة، اتمنى أن أطالع الخطابات التي أرسلها جندي إنجليزي لزوجته أثناء الحرب العالمية يخبرها فيها بحبه الجارف قبل أن تجرفه دبابات العدو، وأرجو الاستماع إلى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ فوق خشبة المسرح، أو حتى من غرامافون قديم يحتفظ صاحبه بتسجيلات نادرة.

عن الشوارع.. أود أن أودع شوارع وسط القاهرة بأن أمشي بها وحيدًا ذات ليلة شتوية ماطرة، أتأمل المارة يهرعون خوفًا من المطر، بينما أبحث في جنباتها عن مقهى خال أتمكن من كتابة آخر نصوصي فوق إحدى طاولاته، والتي سيكون النادل أحد أبطالها، وإن كانت هناك فرصة لإلقاء نظرة أخيرة على شوارع الإسكندرية فلا بأس، فقط إن كانت.

عن الأفلام والكتب، حبذا لو توجد فرصة لمطالعة أكبر قدر من الأدب، فقط الأدب دون الكتب، فالمشاعر لا تُمحى، ولا حتى بنهاية العالم، كذلك الأفلام التي أخذت من أرواح صناعها لا تفقد جمالها أبدًا، لذلك أتمنى مشاهدتها جميعًا، في قاعة سينما ينبهر جمهورها بكل فيلم، وكأنه يعرض للمرة الأولى.

عن الموسيقى، شطر جمال العالم في تلك المسموعة، سحر يتسلل إلى الآذان فلا يبرحها أبدًا، لذلك قبل انتهاء العالم لا بُد من التزود بالقدر الكافي من السحر/الموسيقي، لا بأس بالبداية من باخ وبيتهوفن وموزارت، مرورًا بالترانيم والابتهالات، وصولًا للغناء الذي نعرفه الآن.

إن أراد أحدهم أن يُسدل ستار نهاية العالم فعليه أن يجمع ويحقق أماني 8 مليار إنسان يسكنون الأرض

عن السفر، لم أزر روما وباريس وبراغ وأمستردام وإلى آخر هذه المدن التي لا تنتهي، كل المدن جميلة بقدر ما تحتفظ به من التاريخ، لكن المأزق حقًا يكمُن في أن الشوارع ستكون خالية من المارة، وما فائدة أن تتجول في شوارع مدينة خالية وأنت لا تملك معها رصيدًا من الذكريات.

اقرأ/ي أيضًا: البيت بوصفه اختبارًا للهوية

وعنها هِي، بداية الأشياء ومسك الختام، سأخبرها بالحب الذي لا تحتويه الكلمات، وأعتذر عن خوفها وقسوتي، سأحدثها طويلًا عن ما فعلته بي الغيرة وخوف الفقد، عن أثر الاشتياق والوجد على قلب خائف، وأخيرًا عن أنوثتها الطاغية التي سحرت أعيني، ثم أتركها لأودع الذين أحببتهم، وأعود، لأغيب بصحبتها في عناق أبدي، لا يقطعه إلا نزول الستائر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الميتافيزيقيا إن صارت علمًا

كورونا.. دروس في الدولة والإنسان