يُحدّث بتسلئيل سموتريتش وعدة وزراء في حكومة الاحتلال، بالإضافة إلى نواب من الائتلاف الحاكم في الكنيست أنفسَهم باستئناف الحرب على غزة، بمجرد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو غير مستبعد بالمرة، لكنّ هناك مجموعة من الصعوبات التي قد تعرقله، فالحرب على غزة ساهمت في كسر عدد من القوانين، إذْ لم تعد موضوع إجماعٍ إسرائيلي، في ظل وجود تيار قوي داخل إسرائيل يدعو لإنهائها واستخلاص الدروس منها والتحقيق مع المسؤولين عن الاختراق الأمني الذي وقع صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
عدا عن ذلك، فإنّ توجهات ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب لا تصب في مصلحة إذكاء الحرب من جديد، علمًا بأنه مارس ضغوطًا قوية على نتنياهو للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، وأظهر في أكثر من رسالة علنية وغير علنية أن علاقته بنتنياهو ليست وديةً على النحو الذي كان يتصوّره البعض من أنّ نتنياهو سيتمكن من تحقيق ما عجز عن تحقيقه بمجرد فوز ترامب بالسباق الرئاسي الذي نُظّم في الـ5 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
حربٌ مُنهِكة
يقود غادي أيزنكوت إلى جانب رام بن براك وإفرات ريتين، وهم ينتمون إلى ثلاثة تيارات مختلفة، مبادرةً لقطع الطريق أمام أي مسعى من اليمين المتطرف والحكومة للعودة إلى الحرب، حيث طالبت المبادرة بانعقاد جلسةٍ عاجلة في لجنة الخارجية والأمن لاستئناف مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة وقف إطلاق النار، دون انتظار انتهاء المرحلة الأولى التي تستمر 42 يومًا. ومن المرجح أن تستفيد هذه المبادرة من ضغط الشارع الإسرائيلي الذي أنهكته الحرب التي استمرت عامًا ونصف، تاركةً تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد، فضلًا عن الأثمان الباهظة التي دفعها جيش الاحتلال من أرواح جنوده واستنزاف معدّاته، دون تحقيق أبسط أهداف الحرب، إذا استثنينا التدمير الهمجي للبنية التحتية في القطاع وحصد آلة القتل آلاف المدنيين جلهم من الأطفال والنساء.
وفي هذا السياق، يرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن "كل من تابع الوضع في غزة ولم ينخدع بتصريحات نتنياهو وتلاعباته، كان يمكنه أن يتوقع منذ فترة طويلة أن هذه ستكون نتيجة الحرب" معتبرًا أن "الحقيقة المحزنة هي أن إسرائيل خسرت الحرب إلى حد كبير في 7 أكتوبر 2023"، مضيفًا أنّ "كل ما فعلته منذ ذلك الحين كان مجرّد محاولة لتقليل بعض الأضرار. ولإتمام صفقةٍ لإطلاق سراح جميع المختطفين، ولأجل تحقيق ذلك كان عليها تقديم تنازلات كبيرة". في إشارة إلى طبيعة الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرَج عنهم بموجب الصفقة لا سيما في المرحلة الثانية.
سيجد جيش الاحتلال صعوبةً في العودة إلى القتال ميدانيًا في غزة بعد عودة المهجّرين إلى الشمال وإعادة نشر حماس لقواتها
ويُلقي عاموس هرئيل باللائمة على نتنياهو، فهو المسؤول عن الوصول إلى هذه المرحلة بسبب رفضه المستمر "مناقشة أي حل يتعلق بيوم ما بعد حماس في القطاع، وخاصةً رفضه لأي تدخل للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة".
ويراهن هرئيل ومحللون عسكريون آخرون على المشاعر التي أثارها مشهد إطلاق سراح المحتجزات الثلاث لإصلاح المسار وإنهاء ما وصفها هرئيل بـ"الحرب المجنونة والملعونة التي أربكت حياة الإسرائيليين والفلسطينيين".
إضافةً إلى ذلك، فإن عودة المدنيين إلى شمال غزة وإعادة انتشار حماس في القطاع ستعرقل وتصعّب عمليًا على جيش الاحتلال العودة إلى غزة. وقد لعبت حماس على هذا الوتر باستعراضها العسكري لقواتها في أول أيام وقف إطلاق النار لترسل إلى الرأي العام الإسرائيلي قبل الحكومة رسالةً مفادها أنها ما تزال موجودة على الأرض بشكل قوي، رغم الضربات التي تلقتها ورغم مضي أكثر من عام ونصف على دخول جيش الاحتلال لغزة. هذه المعطيات تؤكد جميعها أن جيش الاحتلال سيجد صعوبةً حقيقية في العودة للقتال على أرض غزة.
الرهان على ترامب
يعقد أنصار إنهاء الحرب أملًا كبيرًا على إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي استطاع ممارسة الضغط المطلوب على نتنياهو للقبول بصفقة تبادل الأسرى بعدما عجزت إدارة بايدن عن ذلك طيلة الأشهر الماضية.
ويرى المتابعون للشأن السياسي والعسكري الإسرائيلي أن نتنياهو ليس بمقدوره معارضة رغبة ترامب إذا قرر الأخير أن الحرب يجب أن تنتهي.
يشار إلى أنّ ترامب قال خلال خطاب تنصيبه أمس الإثنين "قبل يومٍ واحد من تسلمي المنصب عاد الأسرى في الشرق الأوسط إلى منازلهم، وقوّة الجيش الأميركي ستكون بعدد الحروب التي سننهيها" وفق تعبيره.