11-أبريل-2018

صورة لـ إدواردو جاغيرو/ البرتغال

1

لماذا يتمحور سؤال الفيسبوك غالبًا حول الذي نُفكّر فيه؟ لماذا لا يأتي سؤاله حولَ الذي نفعله؟ ما الذي تفعلينه الآن؟ أتخيّل سؤال الفيسبوك وأجيبُ عليه فورًا: أشاهدُ برنامجًا على اليوتيوب يحملُ شِعارًا فريدًا من نوعه، يقول الشعار: "عندما تُعشَق الكتب"، وماذا بعد، أفكّر في سيناريو تخيلي للأمر، الكتب بدلًا من الجالكسي، إنّها فكرة لذيذة أو باستخدام إحدى كلماتي العامية المفضلة "زاكية"، ماذا لو كنتُ أنا؟ أجل، أنا، بنظارتي الطبية السوداء أجلسُ على كنبة مخملية بدلًا من امرأة الإعلانات الشمطاء تلك، لا شيء معي إلا الكتاب، أقرأه وأتذوقه وأذوب فيه وأتوه، سيكذّبني الجمهور كما كذّب امرأة الإعلانات الشمطاء، سيقولون معقبين على مشهديتها هيَ: الفتيات لا يأكلنَ الشوكولاتة هكذا، ويُضيفون معقبين على مشهديتي أنا: ولا يقرأنَ الكتب هكذا، وسأردّ عليهم بأنّ الكتب لعشاقها على مستوى الفكرة كالجالكسي "زاكية"، فما أسهل أن يرسمَ عاشقاً للكتب فكرةً ما تصوّره يلتهمُ كتابًا وما أصعبَ أن يقرأه.

 

2

رصدتُه اليوم بعينِ الكتابة، يمشي مجيئًا وذهابًا، يُسرع ويُسرع وما أن يصلَ إلى مكان وقوفي حتى يُعاود التفافه نحو الجهةِ الأخرى، مرّة مرتان ثلاثة أربعة، لم أعد أذكر كم عدد المرات التي قطعها وهو يمشي بيني وبين ذلك العمود، في يديه مُغلَّفٌ بُنيُّ اللون يُشبه المغلفات التي يضع فيها الأساتذة أوراق الامتحانات، قُلتُ في نفسي يُمكن أن يكون أستاذ فلسفة شاءت الأقدار أن تُقطع الشعرة التي بين جنونه وعبقريته أمامي في التوّ واللحظة، ابتسمتُ ابتسامة انتصارٍ لأنني نجحتُ في أن أجعلَ من أستاذيته المجنونة سيناريو أوّل للكتابة. جهزتُ عناصر السيناريو الثاني، أجل، سأجعل هذا السيناريو يروي هرمه الواضح وشيخوخته الظاهرة ثمّ يُفسّر المغلَّف البني الذي يحمله بين يديه على أنّه محضَ صور أشعة لرجلٍ يُعاني من مرضٍ عُضال ربّما يكون فقدان الذاكرة المؤقت أحد أعراضه. ابتسمتُ ابتسامة انتصاري الثاني، ثمّ الثالث والرابع وهكذا حتى قطع السيرفيس الذي ركبته شعرة سيناريوهاتي كلّها ليكشفَ لي عن جنوني الهوسي والمرضي المحمول في مغلَّف عيني البُنيّة المنتظِرة دائمًا سيرفيس الكتابة الذي ينقلها إلى تعقيد الأفعال البسيطة!

 

3

تُرى ما الخبر الذي تلقاه ذلك الرجل الذي كان يتكلم في الهاتف المحمول وجعله يُقفله بغضب ثمّ يَصرخُ مالئًا أرجاء ذلك المقهى بصوته قائلًا: هذه بضاعتنا رُدت إلينا؟ لم يبدو عليه وأنا أُراقبه من بعيد أيٌّ ملمح من ملامح التُجار أو أصحاب البيع والشراء، كان يجلسُ وأمامه تتكدّسُ كومة من الكتب بعضها فوق بعض، وطوال ساعات جلوسه ذاك لم يُفارق القلم يده لحظة واحدة، ينتقي ورقة بيضاء يَخط عليها بضعَ خربشاتٍ ثمّ يُمزقها وينثرُ أجزاءها على طاولته، أغلبُ الظنّ أنّه كاتبٌ من نوع ما، وأنّ لديه مُؤلَّف مضى في ترويجه وصرف عليه كثيراً دون جدوى، وأغلبُ الظنّ أنّ المتِّصل هو مسؤول الترويج الذي أبلغه بأنّ حملته فشلت وأنّ الجمهور لفظ كتابه في وجهه، ها.. سيناريو سوداوي، تظنون ذلك.. من قال إنني سأعمل على تجميل سيناريوهات نصوصي لتُرضيكم، ألفظوه في وجهي كما شئتم فالتسويق آخر همي كما تعلمون.

 

4

مذ قليلٍ كنتُ أفكّر بالكتابة عن سيناريو لفتاةٍ تقفُ أمام نافذتها تُشاهد انهمار المطر وتراقب انهمار آخر يحدث داخلها، فكّرتُ في جعلها تعقد نوع من أنواع المقارنة بين الانهمارين الداخلي والخارجي، لكنني عدلتُ عن الفكرة بعد أنْ سمعت دوي شيءٍ عميقٍ يسقط داخلي ويُصيبي باخضرارٍ فُجائيٍّ ويُنبتُ على شفتيَّ ابتسامة غامضة، عدلتُ لأنني أظنّ أنّه انهمار تلك الفتاة عرف بأنّ مقارنتي تلك ستكون مجحفة في حقّه وستتهمه بأنّه على عكس انهمار المطر لا يُورث إلا الاصفرار والعبوس والكآبة، لقد عرف ذلك الانهمار مآربي في تشويهه ووجد أنّ أفضل الطرق في ردعي عن فعلتي هيَ أن يُثبت لي سوء ظني فيه من خلال جعلي شاهدة على معطيات حدوثه داخلي.

 

5

لا أخجل أن أقول لكم بأنّني تذكّرتُ جوعي للحبّ بعد منتصف الليل، فذهبتُ والتهمتُ علبة تونة بشراهة منقطعة النظير، ثمّ عدتُ وفي نيتي أن أكتب سيناريو عن امرأةٍ كاتبة غيري تذكّرت جوعها للحبّ بعد منتصف الليل فذهبت والتهمت علبة تونة بشراهة منقطعة النظير ثمّ عادت وفي نيتها أن تكتب عن امرأة عادية غيرها تذكّرت جوعها بعد منتصف الليل فذهبت والتهمت علبة تونة بشراهة منقطعة النظير ثمّ ذهبت لتنام، ولا أخجل بأن أقول لكم بأنّه لولا الكتابة لكنتُ تلكَ المرأة الأخيرة الثالثة العادية التي تذكّرت جوعها بعد منتصف الليل فذهبت والتهمت علبة تونة بشراهة منقطعة النظير ثمّ نامت دون أن تعود إليكم لتخبركم عن شبهة الجوع للحبّ الذي قرأته في جوعها العادي الذي تذكّرته بعد منتصف الليل فذهبت على إثره والتهمت علبة التونة تلك. أجل، لولا الكتابة لوقعت حادثة تذكّر الجوع العاديّ والتهام التونة العادي ولذهبت صاحبة الحادثة العادية لتنام نومًا عاديًا دون أن تخرج الحادثة العادية عن سياق عاديتها بأن تخلقَ حولها كلّ هذا الصخب الكتابي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في مفترق طرق

نبوة معطّلة