08-يونيو-2017

مبنى البرلمان الإيراني بعد يوم واحد من الهجمات (عطا كينار/ أ.ف.ب)

منذ سويعات قليلة أفادت الأنباء بوقوع انفجار ثانٍ في وسط العاصمة الإيرانية طهران، بعد يوم واحد من هجومين إرهابيين استهدفا مبنى البرلمان الإيراني ومرقد "الإمام الخميني"، راح ضحيتهما قرابة 17 شخصًا، وأصيب 50 آخرون. وعلى عكس ما جرى بالأمس، قال الجنرال حسين ساجي، قائد شرطة طهران، إن الانفجار ليس فيه شبهة إرهاب.

ووفق عدّة وكالات أنباء وشهود عيان، فإن شخصًا اقتحم ساحة مرقد الخميني وبدأ بإطلاق النار، ولدى نفاد الرصاص رمى سلاحه، وانطلق عدوًا إلى المرقد، ولدى وصوله نقطة شرطة المرقد، فجَّر حزامًا ناسفًا كان يرتديه. 

يبدو من تفاصيل الهجمات على طهران، أن من ورائها رسالة إلى رؤوس نظام الحكم في إيران، مفادها: "خافوا"!

دراما الحادث لا تخفي شيئًا، فهذه سمات الجماعات الإرهابية، لا تختلف عمّا يقوم به داعش أو تنظيم القاعدة، فلا يمكن الاستقرار -شكليًا- على مَنْ حرَّض وفجَّر واستهدف، إلا أنّ مصادر غير رسميَّة، قالت إن قوات إنقاذ الرهائن التابعة للحرس الثوري الإيراني، ألقت القبض على مسلحيْن في مرقد الخميني، ما يشير إلى أنّ الأمر كان سيمتدّ إلى سلسلة عمليات داخل المرقد بعد تفجير الحزام الناسف. وخارج المرقد، أقدمت انتحاريّة على تفجير نفسها، لكن بلا خسائر.

وحول هجمات طهران التي شهدتها أمس، حامت عدة اتهامات بعدة روايات، بدأت بالسعودية، ولن تنتهي عند تنظيم داعش.

ماذا يعني تفجير ضريح الخميني؟                      

تزمانًا مع العاصفة التي ضربت علاقات دول الشرق الأوسط مؤخرًا، وقع الهجوم الإرهابي محمَّلًا بعدة دلالات تتعلَّق بالأماكن التي استهدفها، فضريح الخميني زعيم "الثورة الإسلامية"، يعني أن الاستهداف طال عصب النظام الإيراني، بإهالة التراب والألغام والتفجيرات على مؤسسه، وضربة واضحة للمؤسسة الدينية الحاكمة.

اقرأ/ي أيضًا: إيران.. "إمبريالية" الوليّ الفقيه

والبرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي) الذي يعتبر من أهم مؤسسات الحكم والديمقراطية الإجرائية في طهران، كما أنه يقع في وسط العاصمة الإيرانية، بمعنى أن الهجوم يصل إلى قلب الدولة، فكل شيء تحت يد الجماعة التي رتَّبت للحادث، واتخذت رهائن من النواب، ما بدا في اللحظات الأولى متجاوزًا كونه عملية إرهابية إلى محاولة انقلاب على المرشد. كانت الرسالة واضحة إلى رؤوس دولة الملالي، كما اعتبرها مراقبون، مفادها: "خافوا".

هل نقل بن سلمان الحرب إلى قلب طهران؟

في الساعات الأولى بعد التفجير، وجَّه نشطاء إيرانيون أصابع الاتهام إلى المملكة السعودية، منطلقين من أرضية الحرب المستعرّة بين البلديْن في اليمن وسوريا، وغيرها من الجبهات، واتهم الحرس الثوري الإيراني في وقت لاحق من اليوم ذاته السعودية بالمسؤولية عن الهجومين، متوعدًا بالانتقام من المنفذين، ونقلت وكالة رويترز من بيانه، إن "من الواضح أن لأمريكا والسعودية دورًا في هجوم طهران".

وواصل بيان الحرس الثوري الإيراني اتهاماته بقوله: "هذا الهجوم الإرهابي حدث بعد أسبوع فقط من اجتماع بين الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) والقادة (السعوديين) الرجعيين الذين يدعمون الإرهابيين".

دعم اتهام السعودية بالتورط في الحادث، أو التحريض عليه، تغريدة وزير خارجيتها، عادل الجبير، قبل الحادث بساعات عن ضرورة معاقبة إيران لتدخلها في المنطقة العربية، فاعتبر بعض نشطاء طهران أن العقاب وقع سريعًا بقلب العاصمة الإيرانية. وفي أكثر من مناسبة وتلميح، هدَّد ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بنقل المعركة إلى العمق الإيراني.

وللسعودية عدّة محاولات لضرب استقرار إيران، بدأت بحركات التحرير الأحوازي، وعلى رأسها حركة النضال العربي الأحوازي، التي رفعت راية الكفاح المسلح في وجه حكومة إيران، مطالبة بالاستقلال عما تسميها بـ"السلطة الفارسية"، واستهدفت جنودًا وحواجز أمنية واغتالت أفرادًا من الحرس الثوري. ثم موَّلت فيما بعد جيش العدل، الذي نفّذ أعمالًا عدائية آخرها قتل تسع من حرس الحدود الإيراني في نيسان/أبريل الماضي. 

إذن تدعم السعودية حركات مسلحة داخل طهران للنَيْل من استقرارها، وفق عدّة محللين، وهو ما يجعلها دائمًا في مقدمة المتهمين بالإرهاب داخل طهران. لكن هذه المرة كانت الأخطر، إذ إنها وصلت لضريح الخميني ومبنى البرلمان.

داعش يعلن مسؤوليته.. وروايات أخرى تنفي

في مساء نفس اليوم، أمس الأربعاء، ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الإيرانية طهران، والتي وصفت بأنها الأكثر جرأة منذ عقود، حتى أن وزارة الاستخبارات الإيرانية أعلنت إنه تمّ إحباط هجوم ثالث كان يستهدف موقعًا أكثر حيوية في التوقيت ذاته.

بعد اتهامات طالت ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جاء بيان داعش سريعًا عبر وكالة "أعماق"، مدَّعيًا أن مقاتلي التنظيم نفَّذوا الهجوم، ولكنه لم يقدّم أي أدلة تدعم ذلك، لا صور ولا فيديوهات ولا معلومات إضافية، ما جعل دائرة الاتهام مفتوحة على الجميع، فالأمر لا يزال قَيْد التحقيق، وأحيانًا يعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن تفجيرات من باب "فرد العضلات" حتى لو لم يتورّط فيها.

في الوقت ذاته، خرجت الرواية الرسميّة الإيرانية متوافقة مع إعلان داعش، فقالت الاستخبارات إنّ "خمسة أفراد من أصحاب السوابق وممن تعاملوا مع مجموعات وهابية تكفيرية، انضموا إلى داعش، وتركوا إيران، وشاركوا عناصر التنظيم في جرائمهم، في كل من الموصل والرقة". وعاد هؤلاء إلى إيران في آب/أغسطس العام الماضي، وتم تنظيمهم بقيادة شخص يُدعى أبو عائشة، وكانت خليتهم تنوي تنفيذ هجمات إرهابية في عدد من المراقد الدينية، وهي المخططات التي تم إحباطها، بحسب بيان الاستخبارات الذي أشار إلى أن هذا الأخير قد قتل خلال إحدى عمليات تفكيك الخلايا.

وأبلغ وزير الاستخبارات الإيرانية، محمود علوي، بأنه تم اعتقال أكثر من شخص على ارتباط بالهجمات التي وقعت في طهران، ويقال إن الاستخبارات أحبطت أكثر من مئة مخطط لعمليات إرهابية تستهدف العمق الإيراني، وذلك بعد تصريح محمد 3بن سلمان عن نقل حربه إلى هناك قبل "قطيعة الخليج" بوقت قليل.

لماذا لا تكون داعش؟.. لعدة أسباب

طرح اسم تنظيم الدولة بين المتورِّطين يقدم عدّة تساؤلات: لماذا يقوم داعش بهذه العملية الآن؟ فإيران لم تتعرّض في أي وقت سبق سواء لتهديد أو هجوم إرهابي من جانبه، على عكس جميع دول منطقة الشرق الأوسط.

تواجد داعش في طهران أمرٌ شديد الصعوبة، ليس فقط للقبضة الأمنية المحكمة، ولكن أيضًا لعدم وجود حاضنة شعبية له وسط محيط كله من الشيعة

بعض المراقبين طرحوا سيناريو أفغانستان، فإيران تساند حركة طالبان مؤخرًا وتتفاهم معها، وتم رصد عدّة مؤشرات على دعم إيراني للحركة، فهل هذا عقاب داعش لطهران على هذا التفاهم؟ ربما.

لكن التنظيم بعيد تمامًا عن قلب العاصمة الإيرانيّة فلا حاضنة شعبيّة تسمح بوجوده كما إن أغلبية المواطنين شيعة، وهو ما يجعل تجنيد مقاتلين سنّة في إيران صعبًا، إنما التطرّق إلى تفاصيل صغيرة في العملية الإرهابية، ففي اقتحام ضريح الخميني ابتلع أحد المهاجمين لدى محاصرته سم السيانيد ليلقى مصرعه منتحرًا ولا يُجبَر على الاعتراف بأي شيء، وهو أسلوب لم يتَّبعه إرهابيو داعش من قبل في أي عملياته، وأشارت تقارير إلى إنه يتفق مع أسلوب التنظيم المعروف بـ"مجاهدي خلق".

اقرأ/ي أيضًا: هل يتحمل حسن روحاني مسؤولية أزمات إيران ومصائبها؟

من بين مهاجمي قبر الخميني انتحارية، فجَّرت نفسها، أمَّا في البرلمان، فقد نجح المهاجمون في الدخول من بوابات البرلمان عابرًا بوابات كشف المعادن، لكنه فجَّر نفسه في الساحة رغم إنه كان يمكنه - بطريقة داعش - أن يحصد عددًا أكبر من الأرواح، فلماذا ترك المهاجمون القاعة الرئيسية التي كان يجتمع بها البرلمانيون الإيرانيون، وفجّروا الساحة الخارجية؟.. فطريقة داعش تستهدف قتل أكبر عدد، وأعلى رأس.

ثم إن ما جدوى اقتحام البرلمان إذا لم يكن لقتل النواب؟.. يبدو الأمر كأنَّه رغبة في التخويف، أو التهديد، أو إيصال رسالة ما، أكثر منه رغبة في القتل.

كل ذلك يجعل التشكك في الرواية الإيرانيّة الرسمية أمرًا واردًا، ويجعل تبنّي داعش للأمر أمرًا مشكوك فيه أيضًا، لكن ذلك لا يستبعد احتمالية كون المهاجمين من التنظيم الإرهابي.

المعارضة الإيرانيّة في المصيدة

انتقلت الاتهامات إلى دائرة المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، وهو سيناريو يربط بين زمن اقتحام البرلمان الإيراني وشدّة الاحتجاجات الجماهيريّة أمام مبنى البرلمان ورمزية الهجوم على المؤسسة التشريعية التي تعتبرها معارضة الداخل ضلع أساسي في عملية خداع النظام للشعب الإيراني، وفق رؤيتها، كما إن الهجوم على مبنى الخميني يحمل معنى رمزيًا وهو نهاية جمهورية الثورة بنظامها بمرشدها، وهي الرسالة التي تريد المعارضة إيصالها صريحة.

يبدو أن الظهور الكثيف مُؤخرًا لمجاهدي خلق، هو إيذان ببدء معركة جديدة حول خلافة خامنئي ونظامه

هل تكون المعارضة؟.. هناك أصابع تشير إلى تورّطها، معتمدة على إشارات، الأولى تتعلّق بالوقت، فهذا الوقت - بعد الانتخابات الرئاسية - يوفّر حاضنة غضب لمعارضي روحاني، المرشح الفائز، يمكن أن تدفعهم إلى الهجوم. الإشارة الثانية اشتراك امرأة في الهجوم، واستخدام سم السيانيد، وكلا الأمرين من سمات المعارضة الإيرانية بالخارج في تنفيذ عملياتها كما جرى العرف، إلى جانب عدم إطلاق النار على نواب بالبرلمان رغم أنهم "الصيد الأسهل والأثمن" في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟

فسَّر متابعون يحمِّلون المعارضة مسؤولية الهجوم الإرهابي ذلك بأنّه "صافرة البداية" لانطلاق الصراع حول خلافة مرشد إيران، خامنئي، الذي بدا مؤخرًا وكأنّ نهايته اقتربت، ما دفع مجاهدي خلق للظهور الكثيف في الشوارع إيذانًا ببدء المعركة، عبر كتابة شعارات معادية للنظام الإيراني على الجدران، وتصويرها ونشرها دوليًا في غفلة من قوات الأمن، ما يعني قوّة سيناريو عودة مجاهدي خلق، وأذيال المعارضة الإيرانيّة، إلى الشارع مجددًا، وربما تكون متورطة في عملية ضريح الخميني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية وإيران.. إنه النفط

مشاكل إيران لا تنتهي.. عن الحجتية والانتخابات وأحمدي نجاد