30-أبريل-2017

قصف إسرائيلي لرفح المصرية شمال سيناء (أ.ف.ب)

هذا الجزء تتمة للجزء الآول من المقال: سيناء الممزقة بين العسكر وداعش.. هل نشهد ضربة عسكرية إسرائيلية قريبًا؟

التحول من أنصار بيت المقدس لداعش ومعركة فرض السيطرة:

بثت جماعة أنصار بيت المقدس تسجيلاً مصورًا في الأسبوع الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2014 للحظة تفجير كمين كرم القواديس بسيناء وهي العملية الإرهابية التي تمت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الواقعة في حينها، وأودى هذا الحادث بحياة 31 جنديًا مصريًا والاستيلاء على عدد من الأسلحة والذخيرة والاستيلاء على دبابة ومدرعتين تابعتين للجيش المصري كما ظهر في التسجيل قيام أفراد من التنظيم بمهاجمة من بقي حيًا من الجنود.

هل تتم الهجمات الجوية الإسرائيلية بالتنسيق مع السلطة المصرية أم تعتبر تعديًا على سيادة الدولة!

 جاءت هذه العملية كأولى عمليات "ولاية سيناء" أو بمعنى أكثر وضوحًا أن العملية وقعت بالفعل قبل أن تتحول "أنصار بيت المقدس" إلى "ولاية سيناء" رسميًا، لذا كانت هذه العملية بمثابة أوراق اعتماد الجماعة كجناح لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، وأعلنوا وقتها في التسجيل المصور انضمامهم بشكل رسمي لداعش، وتوعدوا كتائب الجيش المصري بالمزيد من العمليات وأن هذا ليس إلا بداية الحرب، وكان خطابًا سياسيًا بدرجة كبيرة ذُكر خلاله –حسب تعبير عضو التنظيم في التسجيل المصور- الأسرى المحبوسون في سجون العسكر وأنهم لم يسقطوا من حسابات التنظيم وأنهم سيسعون لتحريرهم. وبعد هذا الهجوم فرضت السلطات المصرية حالة الطوارئ على عدد من المناطق في شمال سيناء أملاً في محاولة السيطرة الأمنية على الأوضاع من جديد.

ازداد نشاط التنظيم في العام التالي 2015 حيث شهد 6 عمليات كبرى لولاية سيناء في العام نفسه غير الاشتباكات اليومية المستمرة بين القوات المسلحة وأفراد التنظيم. وكانت العملية الأولى في آخر كانون الثاني/ يناير 2015، أطلق خلالها عناصر التنظيم قذائف الهاون على نادي وفندق القوات المسلحة ومقر الكتيبة 101 في العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، وعلى مقر استراحة الضباط قرب قسم شرطة العريش، بالإضافة لعدد من الهجمات المتفرقة في مناطق أخرى مثل كمين الماسورة ومنطقة آل ياسر، ونتج عن الهجوم وفاة 45 قتيلًا وأكثر من 74 مصابًا من العسكريين والمدنيين، وتوعد التنظيم بتصعيد هجماته إذا لم يتوقف الجيش عن عملياته بسيناء. 

 أشار موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي إلى ضربة عسكرية أمريكية مرتقبة قريبًا في سيناء ضد تنظيم "داعش"

وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2015 شنّ تنظيم "ولاية سيناء" عددًا من الهجمات المتفرقة على كمائن للجيش المصري بالشيخ زويد أدت لمقتل 18 جنديًا مصريًا وإصابة 34 شخصيًا عسكريًا ومدنيًا. وبالمقابل قُتل 15 من عناصر التنظيم في الاشتباكات المتبادلة مع أفراد القوات المسلحة، وبثّ التنظيم في اليوم التالي تسجيلاً مصورًا للعملية المذكورة وأسماها "ساء صباح المنذرين" وأطلق خلاله لقب"جيش الردة" على الجيش المصري وتفاخر بقتل الجنود وتصويرهم.

أما في العاشر من حزيران/ يونيو 2015، أطلق تنظيم "ولاية سيناء" صواريخ مستهدفًا مطار "الجورة" وهو مطار تستخدمه قوات حفظ السلام في سيناء. وبعد أقل من شهر في الأول من تموز/يوليو جاءت العملية التالية والتي تمثلت في عدد من الهجمات المنظمة واسعة النطاق على أكثر من 19 نقطة أو كمينًا في توقيتات متزامنة، من بينها مركز شرطة الشيخ زويد ونقاط تفتيش للجيش المصري، ونادي ضباط الشرطة بالعريش، ونتج عنها مقتل 17 عسكريًا وإصابة 13 آخرين –حسب بيان القوات المسلحة- بينما أكدت مصادر أخرى أن عدد الضحايا والمصابين أكبر من العدد المذكور. وقد استفر الجيش المصري بعد العملية وقام بتمشيط لعدد من المناطق في شمال سيناء والهجوم على أماكن ومخابئ قيل أنها تابعة للتنظيم، وأكد الجيش وقتها تصفية أكثر من 100 عنصر تابعين لتنظيم داعش ردًا على الهجمات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: سيناء.. ذلك البؤس في الشمال
إسرائيل في خلفية الصورة مرة أخرى

تبنى "ولاية سيناء" إطلاق ثلاثة صواريخ على إسرائيل ردًا على ما أسماه دعم إسرائيل للجيش المصري، وقد جاءت هذه العملية في الرابع من تموز/ يوليو 2015 وبعد ثلاث أيام فقط من هجمات الشيخ زويد، وأعلنت إسرائيل سقوط صاروخين في ساحتين خاليتين بالقرب من منقطة النقب، دون أي خسائر بشرية أو مادية. واتهمت إسرائيل حركة حماس بتقديم الدعم لولاية سيناء، في رسالة ضمنية بامتداد الصراع الثنائي بين إسرائيل وحركة حماس ليشمل شبه جزيرة سيناء، مما يبشر بالتدخل العسكري إن تطلب الأمر، حتى وإن لم يُعلن ذلك بشكل واضح.

داعش يواصل معركة فرض السيطرة ويعاقب المدنيين

سقطت طائرة ركاب روسية في اليوم الأخير من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015 أقلعت من مطار شرم الشيخ بجنوب سيناء متجهة إلى مدينة سان بطرسبورغ، ولم ينج أي من ركاب الطائرة البالغ عددهم 217 راكبًا و7 آخرين من طاقم الطائرة. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث، وبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع نشر فيديو لصورة القنبلة التي يُقال أنها تسببت في تدمير الطائرة والتي وجدت طريقها عبر ثغرة أمنية في مطار شرم الشيخ، وقال التنظيم إن هذه العملية ردّ على التدخل الروسي في سوريا. 

أدت هذه الحادثة إلى خلل في العلاقات بين القيادة المصرية والروسية والتي شهدت تصاعدًا ملحوظًا في الفترة السابقة، وأعلنت روسيا بعدها عن توقف رحلات طيرانها إلى مصر باعتبارها بلدًا غير آمن ليتبعها عدد من الدول الأوروبية، لتكون هذه الضربة بمثابة انتصار جديد لتنظيم الدولة، ليحرج النظام المصري بثغراته الأمنية في مطار من المفترض أن يكون من أكثر المطارات أمنًا، ويُحدث خللاً بينه وبين أكثر الدول الداعمة له، ويتسبب في انهيار الاقتصاد المصري وانهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية نتيجة لتوقف الرحلات السياحية أحد أهم مصادر العملة الأجنبية، وعقاب المدنيين العاملين بقطاع السياحة البالغ عددهم 4 ملايين عامل.

لم تهدأ الأوضاع في سيناء ولكن خفت وطأتها بعد حادثة الطائرة الروسية، فلم يكن هناك هجمات ممنهجة من داعش ضد قوات الجيش وكمائنه لشهور عديدة، وبعد ما يزيد عن عام من حادثة الطائرة، في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 شنّ "ولاية سيناء" هجومًا عن طريق سيارة مفخخة هاجمت النقطة الأمنية بالقرب من العريش، وأدى الهجوم إلى مقتل 12 جنديًا وإصابة 12 آخرين، واشتبكت قوات الجيش مع المسلحين وأسقطت ثلاثة منهم حسب البيان الرسمي للجيش المصري. 

وهاجم "ولاية سيناء" رجال الشرطة في مدينة العريش في مطلع السنة الجارية عن طريق سيارة مففخة ركنها أحد أفراد التنظيم بالقرب من حاجز نقطة مطافي وهاجموا الموقع بعد التفجير مباشرة، وأعلنوا سقوط 25 قتيلاً من الشرطة المصرية، بينما أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن مقتل 8 من أفراد الشرطة، ومقتل مدني واحد، والنجاح في تصفية 5 عناصر من المسلحين.

لماذا لا يعلن الجيش سيناء منطقة حرب؟

الإجابة هي "كامب ديفيد" أو اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، إذ تأتي اتفاقية كامب ديفيد كسكين في ظهر النظام المصري أو تكبيلًا لسيطرة القوات المسلحة في سيناء، وتنص الاتفاقية على تحديد أفراد الجيش المصري وتسليحهم في سيناء ولا يجوز زيادة عدد أفراد القوات المسلحة أو إدخال أسلحة لا تتضمنها الاتفاقية إلا بعد اتفاق مسبق بين الطرفين، وقسّمت الاتفاقية سيناء إلى ثلاث مناطق طولية تحت أسماء "أ" و "ب" و"ج" ويختلف التسليح في كل منطقة عن الأخرى، فلا يجب أن تزيد أعداد الجنود في المنطقة "أ"  الغربية عن 22 ألف جندي وعدد قليل من الأسلحة الثقيلة المتمثلة في 230 دبابة بحد أقصى و480 مركبة، أما منطقة الوسط "ب" فلا يزيد عدد الجنود فيها عن 4000 جندي بأسلحة خفيفة ومركبات عجل وليس مجنزرات.

هل يمكن لإسرائيل أن تضع بصمتها العسكرية على تراب سيناء بدعوى حمايتها لأمنها القومي أو محاربة التنظيم الإرهابي الدولي!

أما في منطقة الصراع الشرقية "ج" التي تتلامس مع الشريط الحدودي لإسرائيل فممنوع دخول أفراد القوات المسلحة لهذه المنطقة وإنما فقط أفراد من الأمم المتحدة وأفراد من قوات الشرطة المصرية بتسليح خفيف لأداء الوظائف العادية، ويعتبر أي انتهاك لنصوص الاتفاقية بمثابة إعلان الحرب على الطرف الآخر.

هل نشهد ضربة عسكرية إسرائيلية في سيناء؟

اقترح عدد من السياسيين المصريين في السنين الأخيرة المطالبة بتعديل بنود الاتفاقية للتوائم مع الظرف الاستثنائي الذي تواجهه السلطات إلا أن هذا الطلب لم يُطرح على طاولة المفاوضات وإنما آثرت السلطات المصرية السلامة وقررت التفاوض مع إسرائيل حول دخول أفراد من القوات المسلحة إلى منطقة الصراع "ج" وزيادة التسليح بباقي المناطق لمواجهة التهديدات التي تواجه سيطرة الدولة وأمنها القومي في سيناء، والمخاطر المحتملة لأن يطال إسرائيل جزء منها، فكان من مصلحة إسرائيل أن توافق على إدخال السلطة المصرية أفرادًا من القوات المسلحة والأسلحة الثقلية إلا أن الانتقادات الإسرائيلية وُجّهت إلى الجيش المصري باعتباره يفقد السيطرة على سيناء تدريجيًا، وأنه قد أدخل أعدادًا أكبر من المتفق عليها، وارتفعت أصوات إسرائيلية مطالبة بسحب الجنود والأسلحة الثقيلة من سيناء.

اقرأ/ي أيضًا: سيناء..الأسئلة المحرمة!

في شباط/ فبراير الماضي أعلن أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي عن استهداف إسرائيل لعناصر من تنظيم "داعش" في سيناء وشن غارات عسكرية عليهم، وقال إن إسرائيل لا تترك شيئًا دون رد، ودفع الجيش الإسرائيلي بتعزيزات عسكرية قرب الحدود المصرية وشاهدنا استنفارًا أمنيًا للقوات الإسرائيلية، حيث توالت تصريحات رسمية بأن "داعش" أحد التهديدات التي تواجه إسرائيل والصدام معها صار مسألة وقت.
 

تخشى إسرائيل من تعاظم قوة تنظيم "داعش" في سيناء وأن تطال الهجمات أراضيها لذا فإنها تبقي القوات الحدودية على استعداد دائم للقتال، وفي هذا الصدد نُشر تقريرٌ على موقع "ديبكا"الاستخباراتي الإسرائيلي يُشير إلى ضربة عسكرية أمريكية في سيناء قريبًا ضد تنظيم "داعش". وقد جاء هذا التقرير بعد حوالي أسبوعين من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبيت الأبيض في الثالث من نيسان/ أبريل الجاري. فهل تناقش الطرفان حول هذه الضربة العسكرية المحتملة أم أنها مجرد تكنهات؟ وهل يمكن لإسرائيل أن تضع بصمتها العسكرية على تراب سيناء بدعوى حمايتها لأمنها القومي أو محاربة التنظيم الإرهابي الدولي؟ وفي خضم كل هذه التطورات لم يصدر تصريح واحد من السلطات المصرية ليفسر حقيقة هذا التقرير الأمني، أو حقيقة الغارات الإسرائيلية التي شُنت في شباط/ فبراير الماضي، وما إذا كانت هذه الهجمات تتم بالتنسيق مع السلطات المصرية أم أنها تعتبر تعديًا على سيادة الدولة، وما الذي نتوقعه في حال استهداف "داعش" لمواقع إسرئيلية جديدة، وإطلاق نيرانه عليها من داخل الأراضي المصرية بخاصة بعد تصريح ليبرمان بأن إسرائيل لا تترك شيئًا دون رد!

 

اقرأ/ي أيضًا:

العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري 

القبائل السيناوية.. عصيان مدني ضد الداخلية المصرية