27-يناير-2018

تشهد مصر تصعيدًا جنونيا في الساحة السياسية، بسبب ارتباك النظام من الانتخابات الرئاسية (أسوشيتد برس)

مشهد دكتاتوري تنقصه الحرفية. مسرحية لا يتقن صناعها من خلف الكواليس إدارة الوقت وكتابة النص، فحين طفت الأزمات على السطح، ارتبك الديكتاتور، فتحول الأمر لمشاهد ساخرة، لسياسيين هواة لم يستفيدوا من أدبيات ولا تجارب الديكتاتوريين السابقين.

تعمد النظام المصري التضييق على جميع المرشحين المعروفين، وهدد أو اعتقل كل من سولت له نفسه الترشح أمام السيسي

تعمد النظام المصري التضييق على جميع المرشحين المعروفين، وهدد أو اعتقل كل من سولت له نفسه الترشح أمام الجنرال الذي دفع بالجيش للعبة الانتخابات، فاعتقل، أو بالأحرى أخفى قسريًا سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق، بتهمة الترشح دون إذن الجيش. بعدها يُعلن خالد علي انسحابه من السباق الانتخابي الذي تحوّل لمهزلة.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي ينافس نفسه.. الجيش يعتقل عنان بتهمة الترشح أمام الجنرال 

ارتبك النظام، وبدأت أذرعه الإعلامية تتسول مرشحين يُشغلون الأدوار الشاغرة في المسرحية، فكان رئيس حزب الوفد، السيد البدوي شحاتة الكومبارس الذي وقع عليه اختيار النظام، رغم أن حزبه ونواب حزبه، كانوا قد أعلنوا تأييدهم لسيسي في الانتخابات، بل وقعوا توكيلات لترشحه!

ثم لتكتمل فصول مسرحية المبتدئين، يرفض النظام حتى الآن الإفراج عن سامي عنان، أو حتى الإعلان عن مكانه أو السماح لأسرته بزيارته والاطمئنان عليه. ولم يتوقف التعنت أمام عنان عند هذا الحد، فالعسكري السابق الذي قرر منافسة من كان هو قائده في يومٍ من الأيام، تتعرض حملته للتنكيل، فصباح اليوم تعرض المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المُقال، والذي كان عنان قد أعلنه نائبًا له حال فوزه في الانتخابات؛ لاعتداء جسيم كاد أن يودي بحياته.

تصعيد جنوني

منذ شهور، وربما أكثر، والنظام المصري يرتب لمشهد الانتخابات الرئاسية القادمة، والمقرر إجراؤها في آذار/مارس القادم. كانت الطريق ممهدة أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية. مشهد هادئ، أو بالأحرى ركودًا سياسيًا مُعتادًا، حتى أعلن أحمد شفيق ومن بعده أحمد قنصوة ثم خالد علي ومحمد أنور السادات، عزمهم الترشح للرئاسة. 

فجأة أصبح هناك منافسون للرئيس، انضم إليهم في النهاية سامي عنان. بدأ النظام بتصفية المرشحين واحدًا تلو الآخر، بدأ بمن ارتأى فيه تهديدًا حقيقيًا، أي أحمد شفيق، الذي انسحب من السباق الانتخابي بعد عدة أيام من التنكيل المستتر المفضوح. أمّا قنصوة، ضابط الجيش المستقيل، فقد اعتقل وأودع السجن العسكري بعد حكم بالحبس ست سنوات للترشح دون استئذان الجيش. 

السادات انسحب، وبقي خالد علي محاولًا جمع التوكيلات. تعرضت حملة خالد علي لتضييقات مستمرة، ثم خرج عنان ببيان ترشحه، والهدوء السياسي تحوّل فجأة لعاصفة متصاعدة، حيث اعتقل عنان، لما مثّله من تهديد ربما كان أخطر من تهديد شفيق للنظام ورأسه. وانسحب علي، وبدا أن الوضع في طريقه نحو الركود المعتاد، لولا أن النظام وقع في شر أعماله، وكان عليه استحضار ولو مرشح واحد يبدو كمنافس للسيسي، حتى يتم "العرس الانتخابي". فجاؤوا بالسيد البدوي، الذي كان هو وحزبه، قبل وقت قصير، قد أعلنوا دعمهم للسيسي.

جاء البدوي في مشهد هزلي، بعد مناشدات إعلاميين من أقرب المقربين من النظام بأن يدفع حزب الوفد "العريق والأصيل... إلخ" بمرشح منافس. تبنت وسائل إعلام، وإعلاميي النظام حملة لدفع الحزب بمرشح، حملة تذكرنا بالتسريبات التي كشفت عن طريقة توجيه الأجهزة الأمنية المقربة من السيسي للإعلام. كان مشهدًا مفضوحًا، يشي بقلة الخبرة الديكتاتورية لدى النظام الحالي.

وبدلًا من اللجوء إلى حلٍ تقليدي كتزوير الانتخابات مثلًا، مع السماح للمرشحين المحتملين الذين اعتقلوا أو انسحبوا، من أن يكملوا السباق الانتخابي؛ ذهب خيال قيادات النظام بهم إلى نقطة تمتزج فيها الكوميديا الرديئة بالعبث، فكان البدوي، صاحب التاريخ السياسي سيء السمعة، والأحكام القضائية الكثيرة ضده.

السيد "المُستدعى"

في البيان الذي أذاعته القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بشأن سامي عنان، والذي اعتقل على إثره، سمّاه البيان بـ"الفريق المُستدعى" أي أنه وفقًا للبيان لا يزال خاضعًا لنظام الاستدعاء داخل الجيش. وكما يتضح، فإن عنان ليس وحده المستدعى في المشهد السياسي، ومع اختلاف الاستدعاءات، السيد البدوي أيضًا مُستدعى، لولا أنه ليس عضوًا سابقًا في المجلس العسكري، لكنه مُستدعى من قبل النظام لأداء مهمة محددة، تمثيل منافسة الرئيس والخسارة أمامه، لتبدو العملية الانتخابية نموذجًا للشفافية كما وعد السيسي في مؤتمر حكاية وطن الذي أعلن فيه ترشحه لفترة رئاسية ثانية.

الطريف في الأمر، أن البدوي، قال في تصريحات صحفية يوم 13 كانون الثاني/يناير الجاري، إن حزب الوفد "استقر على عدم ترشيح أحد من بين أبنائه، وتقرر بشكل نهائي أن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسي هو مرشح حزب الوفد في الانتخابات الرئاسية المقبلة". لكن الخضوع لوجاب الاستدعاء غيّر مسار الولاء والطاعة، فدفع الحزب بالبدوي نفسه انصياعًا لأوامر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي هو المرشح الحقيقي للحزب، بل للبدوي نفسه الذي كان قد قال: "لن أترشح للرئاسة، وهذا هو موقفي النهائي ولن أتراجع عنه".

وحزب الوفد الذي يقوده البدوي الآن، واحد من أقدم الأحزاب السياسية المصرية، بتاريخ يصل لنحو 99 عامًا، فقد خرج الحزب من قلب الحركة الوطنية المصرية التي قادت ثورة 1919، وبدأت في حملة لجمع تفويض من المصريين لتمثيلهم والمطالبة بحقهم في مؤتمر الصلح بباريس، لولًا أن سلطات الاحتلال البريطاني منعت أعضاء ما سمو بـ"الوفد" وعلى رأسهم سعد زغلول، الذي اعتقل هو وعدد من زملائه ونفوا مرتين. 

وبعد ثورة 1919 شكّل سعد زغلول وآخرين، الهيكل الرئيسي لحزب الوفد الذي كان حزبًا شعبيًا، تسيطر على مناصبه القيادية أبناء كبرى العائلات. واستمرت سيطرة العائلات عليه حتى صدور قرار حل الأحزاب بعد حركة الضباط الأحرار في خمسينات القرن الماضي. وبعد السماح لعودة العمل الحزبي، عادت العائلات الوفدية للسيطرة على الحزب مجددًا، غير أن صعود السيد البدوي وصولًا لرئاسة الحزب كان علامة استفهام، فالبدوي لا ينتمي لعائلة وفدية كبيرة، ومع ذلك استطاع الإطاحة بمحمود أباظة في انتخابات 2010، والأباظية هي من كبرى العائلات الوفدية القديمة.

سيء السمعة الراقص على السلالم

والسيد البدوي صيدلي، ورجل أعمال متنفذ في الاستثمارات الدوائية، وكان يمتلك قناة الحياة الفضائية منذ 2008. وبوصوله لرئاسة حزب الوفد عام 2010، بدأ البدوي في لعب دور ذراع النظام داخل المعارضة، حتى أنه اشترى صحيفة الدستور التي كانت من أشد الصحف المعارضة لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى اشتراها البدوي وأطاح برئيس تحريرها الذي كان معارضًا لنظام مبارك، إبراهيم عيسى.

صدر بحق السيد البدوي 44 حكمًا قضائيًا بمجموع أحكام 30 سنة سجنًا في قضايا فساد مالي وإصدار شيكات بدون رصيد

وبحسب فؤاد بدراوي، سكرتير عام حزب الوفد السابق، فإن ترشح البدوي لرئاسة الحزب في 2010، جاءت بتعليمات مباشرة من أمن الدولة الذي كان متحكمًا في السياسية المصرية عهد مبارك.

اقرأ/ي أيضًا: السوشال ميديا في مصر.. سخرية واسعة من انتخابات المرشح الوحيد

وبعد الثورة استمر البدوي في الرقص على السلالم، فتحالف مع الإخوان لفترة، ثم انضم لمعارضي نظام الإخوان وأسس معهم جبهة الإنقاذ، ثم أعلن الولاء لنظام ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013.

ولكن، كونه رجل أعمال ممن مال عليهم نظام تموز/يوليو 2013، تلقى عشرات الضربات التي وصلت لتسويد شاشة قناة الحياة التي كان يمتلكها لعدم دفع مستحقات مالية، حتى اضطر في النهاية لبيع القناة.

ماليًا، فالبدوي مشبوه، ومتورط في العديد من القضايا المالية التي صدر بحقه أحكامًا فيه وصل مجموعها لنحو 30 عامًا بالسجن، معظمها قضايا متعلقة بشيكات دون رصيد.

وجدير بالذكر في هذا السياق، أنّ عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، ياسين تاج الدين، كان قد تقدم للهيئة المشرفة على انتخابات الحزب، بطعن ضد ترشح السيد البدوي في 2014، بسبب افتقاده شرط كونه "محمود السيرة حسن السمعة، ذلك أنه تم رصد عدد 44 حكم قضائي صادر ضده في جرائم مخلة بالشرف والاعتبار، وهي إصدار شيكات دون رصيد الملحقة بجريمة النصب في قانون العقوبات، أو خيانة الأمانة"، حسب نص الطعن. علمًا بأن نفس الأسباب يُفترض بها أن تمنع البدوي من الترشح.

ولكن التحول السريع دفع رجال النظام وصحفه الرسمية للترويج للبدوي، إلى حد وصفه بـ"سياسي هادئ ومعارض رزين لا يميل للصراعات ولا تحركه الأهواء"، والحل الوحيد لدخول البدوي للانتخابات أن يتم جمع نحو 25 ألف توكيل خلال يومين فقط، أو أن يحرر له نحو 20 برلماني توكيلات. ويبلغ أعضاء مجلس النواب 595 نائبًا وقع منهم 546 نائبًا استمارة تزكية لعبدالفتاح السيسي فيما لم يوقع 49 نائبًا لأية مرشحين. وقال النائب محمد عبده، عضو مجلس النواب عن حزب الوفد، إن جميع نواب الوفد في البرلمان وقعوا استمارة تزكية السيسي، وهناك رفض من وفديين لترشح البدوي، في حين أعلنت الهيئة العليا لحزب الوفد مساء السبت 27 كانون الثاني/يناير عدم تسميتها لأي مرشح يمثل الحزب. وهذا التطور الطارئ في الساعات الأخيرة سيجبر السيسي، على ما يبدو، للبحث عن "كومبارس" آخر يؤدي ما يهدف ترشيح البدوي لأدائه، أو في سيناريو محتمل مغاير سيفشل النظام في خلق هذا الكومبارس، بالتالي سيكون على البدوي أن يترشح بمعزل عن حزبه.

محاولة اغتيال هشام جنينة

استكمالًا للمشهد الساخر من جهة، والجنوني من أُخرى، تعرض صباح اليوم، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، لمحاولة اغتيال، بأن اعترضت سيارتين، سيارته، بالقرب من منزله، وحاول الذين كانوا يستقلون السيارتين اختطاف جنينة، وعند مقاومته ومحاولة المارة إنقاذه، اعتدوا عليه بالأسلحة البيضاء. لكن وزارة الداخلية المصرية قالت في المقابل، إن الأمر لا يتعدى كونه مشاجرة حدثت بين هشام جنينة وبين آخر صدمه بسيارته!

 

 

تعرض هشام جنينة لمحاولة اغتيال بعد فشل خطفه، ويشار بالاتهام للنظام الذي دخل في خصومة مع جنينة منذ أعلن عن حجم الفساد في الدولة

يذكر أن هشام جنينة الذي كان رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قبيل إقالته لتصريحه بأن حجم الفساد في مؤسسات الدولة وصل لـ600 مليار جنيه في 2015 فقط، وحكم عليه بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ، كان قد أعلن سامي عنان في خطاب ترشحه، أنه ضمن فريقه الرئاسي حال فوزه في الانتخابات التي لم يُكملها لاعتقاله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذكرى ثورة "25 يناير".. و3 تجارب من جمهوريات الموز

"محدش هيترشح هنا".. فوبيا النظام المصري من المرشحين للرئاسة أمام الجنرال