26-يناير-2017

الشاعر سيد حجاب (1940- 2017)

تتوقف طويلًا عند إرث الشاعر سيد حجاب (1940- 2017) إن كنت من مواليد الثمانينيات أو التسعينيات. أشعاره كانت المكون الرئيس للذائقة الفنية لهذا الجيل، ولمن قبله أيضًا، وذلك لفترات طويلة. ارتبطت بكلماته العائلات المصرية أيام كان التلفزيون الرسمي هو الصوت الوحيد في البيت، وكانت القناتان الأولى والثانية هما المصدر الوحيد للمتعة والتسلية.

كان ديوان "صياد وجنية" بمثابة رصاصة البدء لمشوار سيد حجاب الشعري الطويل

الشخصية المصرية التي تميل إلى الشجن وهي تحارب الزمان، وتحاول البحث عن ذاتها وحياتها، وتخوض دومًا معركة تعرف أن تنهزم فيها في النهاية، هي مكونات عناصر الشعر الغنائي لسيد حجاب، لكنه تميز عن غيره ببراعته في تطويع عاميته الفريدة، وإعادة إحياء المندثر منها، ليصل المعنى إلى الأمي قبل المثقف، كما يقول عنه النقاد. 

اقرأ/ي أيضًا: حياة فاتن حمامة كمتحف

من أجمل دواوين الشاعر "صياد وجنية" (1966)، وكان بمثابة رصاصة البدء لمشوار طويل. احتفلت به "جريدة الأهرام" في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بمناسبة مرور 50 عامًا على صدوره، وأيضًا ديوانه "أصوات" الذي أهداه إلى روح صلاح جاهين وعبد الوهاب البياتي، وكل من أبدع المأثور الشعبي الذي تفنن حجاب في إعادة تركيبه مرات تلو المرات. 

لا ينسى المشاهدون العاديون كلمات مقدمات المسلسلات التي كتبها صاحب "قبل الطوفان الجاي"، وغناها كبار المطربين وقتها، مثل مقدمة مسلسل "ليالي الحلمية" الشهيرة، وكلمات مقدمة مسلسل "الوسية"، وكذلك مقدمة "أرابيسك"، الذي كان حديث الناس والشارع في التسعينيات، ومسلسل "العائلة". 

كان ابنًا لبيئته، فقد عاش وتربى في مدينة"المطرية" بالدقهلية، وهي مدينة صغيرة تطل على بحيرة المنزلة، وهي مدينة بسيطة يشتغل أهلها بالصيد، كان يخرج وهو صغير مع بزوغ الفجر ليرى عودة الصيادين محملين بما رزقهم الله من خيرات البحيرة. ربما لم تكن طبيعة هذه المدينة السبب الوحيد لاحترافه الزجل، فقد كان والده بمثابة المعلم الأول عندما كان يشاهده فى جلسات المصطبة الزجلية حول الموقد في ليالي الشتاءالباردة، وهو يلقي الزجل للصيادين فى مباراة أشبه بالتحطيب الصعيدي، فكل صياد يلقى ما عنده، وكان يدوّن كل ما يقوله الصيادون محاولًا محاكاتهم، وكان يخفي عن والده حتى أطلعه على أول زجل كتبه عن شهيد باسم نبيل منصور، فشجعه والده على المضي قدمًا فى هذا الاتجاه، حتى دخل المدرسة وصادق المعلم الثاني شحاته سليم نصر، مدرس الرسم والمشرف على النشاط الرياضي، الذي علمه كيف يكتب عن مشاعر الناس في قريته. 

صلاح جاهين هو من تنبأ بأن سيد حجاب سيكون له مستقبلًا كبيرًا كشاعر عامية، وراهن عليه أيضًا ليكون عضوًا جديدًا في الجوقة التي ضمت وقتها عبد الرحمن الأبنودي، وبيرم التونسي، وجاهين نفسه، وغيرهم. 

صلاح جاهين هو من تنبأ بأن سيد حجاب سيكون له مستقبلًا كبيرًا كشاعر عامية

اقرأ/ي أيضًا: غياب ممتاز البحرة.. راوي الطفولة السورية

كانت البدايات الأولى عبر الراديو من خلال مجموعة من البرامج الإذاعية الشعرية، مثل: "بعد التحية والسلام"، و"عمار يا مصر"، و"أوركسترا". كان جاهين من أهم المؤمنين بموهبته، لذا قدمه لاحقًا إلى الممثل المسرحي الراحل كرم مطاوع، ليكتب له إحدى مسرحياته. وتدرج حجاب في سلم الزجل الغنائي، فغنت له عفاف راضي، وعبد المنعم مدبولي، وكانت الأغاني للأطفال والكبار على حد سواء، يغنيها المصريون لأبنائهم حتى اليوم مثل ألبوم "سوسة" لعفاف راضي، والأغاني الشعبية لعبد المنعم مدبولي. 

في 25 كانون الثاني/يناير، أمس، رحل الشاعر عن عمر يناهز الـ77 عامًا، مخلفًا أجيالًا تغني أغانيه دون معرفة شخصية به أحيانًا، أما من عرفوه واقتربوا من فنه فيدركون أنهم ربما محظوظون بما منحهم إياه من موهبته. 

اقرأ/ي أيضًا:

"فنون الوداع".. للفراق أغانٍ باقية في صعيد مصر

صادق جلال العظم.. الحوار لا يزال مفتوحًا