14-أكتوبر-2021

سيبساتيان كورتس (Getty)

مثّل المستشار النمساوي سيباستيان كورتس في يوم من الأيام أملًا "مشعًا" يلهم التيار اليميني المحافظ الأوروبي في المستقبل. كان صعوده باهرًا، إذ دخل الحكومة بصفته وزيرًا للدولة لأغراض الاندماج سنة 2011، ليعين بعد ذلك وزيرًا للخارجية بعمر 27 عامًا ليكون أصغر من شغل هذا المنصب. بعدها بأربع سنوات أصبح كورتس مستشارًا وأصغر رئيس حكومة في العالم

مثل المستشار النمساوي سيباستيان كورتس في يوم من الأيام أملًا "مشعًا" يلهم التيار اليميني المحافظ الأوروبي في المستقبل

لكن تحقيقات الفساد التي دفعته للاستقالة مطلع تشرين الثاني/أكتوبر، أظهرته بصورة رئيس العصابة الذي اختلس أموال الدولة عبر خداع الشعب. مما دفعه إلى تقديم استقالته نهاية الأسبوع الماضي. في هذا المقال المترجم بتصرف عن الواشنطن بوست، استعراض سريع لقصة صعود نجمه وأفوله.  

سيباستيان كورتس عام 2014 (Getty)

وأدى وزير خارجية البلاد، ألكسندر شالنبرغ اليمين مستشارًا للنمسا للحفاظ على الائتلاف الحاكم في الوقت الحالي على الأقل.

اعتبر سقوط سيباستيان كورتس ضربة لليمين الأوروبي، الذي رآه نموذجًا مؤثرًا يجمع بين القيم المحافظة المتطرفة والظهور الإعلامي الذكي. أتى ذلك في وقت يتخبط فيه تيار يمين الوسط في جميع أنحاء أوروبا بين مشاكل وفضائح أصبح المجال السياسي مفككًا على إثرها.

فسرعان ما توالت المداهمات لمكاتب حزب كورتس ووزارة المالية وأماكن أخرى في الفترة الماضية. وكشف الادعاء عن أن المستشار وأفرادًا من دائرته المقربة متهمون بإنفاق أموال الدولة في "التلاعب باستطلاعات الرأي لخدمة الحزب وإدارته العليا".

نفى كورتس التهم التي وجهت له واستقال قبل ثلاثة أيام من مواجهة تصويت حجب الثقة في البرلمان.

قال المحلل السياسي بيتر هاجيك "ربما تكون هذه نهاية الأحزاب الشعبية الكبيرة". وقال: "نأى الناخبون بأنفسهم عن هذه الأحزاب التقليدية منذ السبعينات والثمانينات" لكن انتهاج سياسة تدور حول شخصية ذات كاريزما سياسية كما في حالة ميركل في ألمانيا أو كورتس في النمسا ساهمت في تقليل حدة المنزلق الذي سار إليه اليمين الأوروبي.

تصاعد الضغط على كورتس خلال الأسبوع الماضي وامتلأت الصحف النمساوية بتفاصيل عن 300 ألف رسالة بريد إلكتروني ورسائل نصية وردت في الملف المكون من 500 صفحة الذي قدمه الادعاء إلى المحكمة في القضية ضد المستشار وتسعة أشخاص آخرين.

تُظهر هذه المحادثات أن كورتس كان يعمل على تقويض قيادة حزبه بالرغم من أنه عمل دائمًا على تصوير نفسه على أنه سياسي متفان، ناكر لذاته عندما كان وزيرًا للخارجية بين عامي 2016 و 2017.

يقول الخبراء إن الرسائل لا تقدم نظرة عن الفساد والجهود المبذولة للسيطرة على الرأي العام فحسب، بل تعطينا نبذة عن الخيانات الموجودة داخل الحزب ذاته.

تمثل هذه الرسائل دليلاً على الاتهامات التي طالت حلفاء كورتس والتي تفيد بأنهم استخدموا أموال الدولة لرشوة باحث سياسي ليجري استطلاعات رأي تدعي تراجع شعبية زعيم المحافظين ونائب المستشار رينولد ميترلينير. بالإضافة إلى تقديم رشوة لإحدى وسائل الإعلام لنشر الاستطلاع.

وفقًا لما جاء في الادعاء أرسل توماس شميد الأمين العام للوزارة آنذاك والمتهم الآن بتدبير الصفقة لكورتس، رسائل إلى زميل له في الوزارة في كانون الثاني/يناير2017 وقال فيها أنه سعيد بالاستطلاعات المزورة. ووصف التغطية المدفوعة في صحيفة  اوستريتش بأنها "استثمار عبقري".

بعد شهرين، وصف شميد نتائج الاستطلاع الذي أجراه الباحث، والتي أظهرت حلول حزبهم بالمركز الثالث  بأنها "كما أرادوها تمامًا" مما يمهد الطريق لكورتس ليعلب دور المنقذ.

أجاب كورتس، الذي كان على استعداد لتأدية هذا الدور: "استطلاع جيد، استطلاع جيد :)." بعدها بشهر واحد تولى رئاسة الحزب بالفعل.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تطال فيه الفضائح السياسية كورتس. ففي عام 2019، أصبح أول مستشار بعد الحرب تتم الإطاحة به بتصويت حجب الثقة عقب ما سمي حينها بفضيحة إيبيزا، والتي أسقطت حكومته التي شكلها بتحالف مع اليمين المتطرف.

بعد سبعة أشهر عاد إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات مرة أخرى. والآن بعد استقالته مجددًا سيستمر في التحكم بخيوط اللعبة السياسية في النمسا على حد قول سياسيين معارضين وبعض الخبراء.

وقالت باميلا ريندي فاغنر، رئيسة حزب الديمقراطيين الاشتراكيين المعارضين يوم السبت إن "سيباستيان كورتس يلعب الآن دور مستشار الظل".

في أول بيان له أثناء أداء اليمين يوم الاثنين، قال خليفته شالنبرغ إنه سيكون من "العبث" عدم العمل عن كثب مع سلفه.

قال "أريد أن أوضح أمرًا منذ البداية: سأعمل طبعًا مع سيباستيان كورتس، زعيم حزب الشعب الجديد الحزب الذي يملك أغلبية برلمانية، وفاز بدورتين انتخابيتين في عهده".

لا تزال كاثرين ستاينر هامرل، أستاذة العلوم السياسية في جامعة العلوم التطبيقية في كارينثيا، تعتقد أن اليمين الأوروبي سيرى في كورتس نموذجًا وقدوة.

اعتبر سقوط سيباستيان كورتس ضربة لليمين الأوروبي، الذي رآه نموذجًا مؤثرًا يجمع بين القيم المحافظة المتطرفة والظهور الإعلامي الذكي

قالت: "لقد وعد كورتس باعتماد " أسلوب جديد "، لكننا نرى الآن أن أساليبه لم تكن نزيهة، مضيفة أن نهجه السياسي البراغماتي الذي أجاد تسويقه والذي ساهم به في تقويض اليمين المتطرف، لا يزال يتمتع بالجاذبية وقد يتم استنساخه.

أضافت: "أخشى أن لا نتعلم مما جرى سوى الكف عن حفظ الرسائل".


اقرأ/ي أيضًا: 

لبنان.. قتلى وجرحى في اشتباكات في العاصمة بيروت 

وزير الخارجية في الحكومة الأفغانية المؤقتة في زيارة إلى تركيا على رأس وفد رفيع