19-أبريل-2018

تقبل إدارة ترامب عددًا ضئيلا من اللاجئين (Getty)

هذه المقالة مترجمة عن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، يناقش فيها الكاتب إيشان ثارور توجهات إدارة ترامب بخصوص الملف السوري، وتحديدًا في قضية اللاجئين السوريين، الذين يجدون فرصًا أقل فأقل في الدخول إلى الولايات المتحدة منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة.


في حديثه لـ"صحيفة واشنطن بوست" الأسبوع الماضي، عرض مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية نسخة مختصرة من استراتيجية الرئيس دونالد ترامب المثالية للأمن القومي. وقال المسؤول لزميلي جريج جافي إن "حلم ترامب هو أن يكون هناك جيش قوي يحمي وطننا، نحيط أنفسنا بالجدران ونضرب بحذر ثم نتراجع للدفاع عن وطننا".

ليس ترامب  انعزاليًا، بل على العكس حريص على أمريكا مفتولة العضلات وعلى الهيمنة العالمية، لكنه لا يريد تحمل أعباء أي من ذلك

ترامب ليس انعزاليًا، بل على العكس غالبًا ما يثير في الأذهان صورة لأمريكا مفتولة العضلات التي تخضع المعارضين في جميع أنحاء العالم لإرادتها. لكنه غير مهتم  بتحمل الأعباء التي ترافق الهيمنة العالمية.

يستمر البيت الأبيض في تخفيض ميزانية وزارة الخارجية وبرامج المساعدات الدولية. وقد قلل من قيمة الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. وحتى في الوقت الذي تعرب فيه إدارة ترامب عن قلقها إزاء المعاناة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري، فإنها تبالغ في شجب اللاجئين السوريين ومعاقبتهم.

ووفقًا لأرقام وزارة الخارجية الجديدة، فإن الولايات المتحدة لم تقبل سوى 44 لاجئًا سوريًا منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وأعادت توطين 3024 فقط في عام 2017، أي أقل بكثير من الحد الأقصى السنوي البالغ 45000 لاجئ سوري، الذي وضعته وزارة الخارجية. في 2016، في العام الأخير من رئاسة أوباما، أعيد توطين 15,479 لاجئًا سوريًا في الولايات المتحدة، وهو رقم اعتقدت مجموعة كاملة من النشطاء والمنظمات غير الحكومية أنه غير كافٍ، لكنه يبدو مقارنة بالآن كعصر ذهبي للاجئين.

صنفت إدارة ترامب اللاجئين السوريين باعتبارهم تهديدًا للأمن القومي وأوقفت تدفقهم باسم إجراءات "التدقيق المشدد". ومع ذلك، وفقًا لتحليل جديد تطرق له عدد من المعاهد التابعة لمؤسسة كاتو، تبين أن الخطر الذي يمثله اللاجئون الذين خضعوا للفحص في الولايات المتحدة ضئيل للغاية. "منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، كانت نسبة التهديد السنوي للوفاة بسبب فشل التدقيق المشدد هو 1 من 328 مليون سنويًا"، كما جاء في بيان كاتو. "في مقابل 1 من 20.000  للموت في جريمة قتل غير إرهابية خلال نفس الفترة".

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا أولًا.. ما أهم ملامح إستراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب؟

يجادل مسؤولو الإدارة أيضًا، في محاولة لتبرير الأمر، بأن السوريين لا يودون مغادرة بلادهم. "قالت نيكي هايلي سفيرة ترامب في الأمم المتحدة لقناة "فوكس نيوز" إنه لم يقل أحد من الأشخاص العديدين الذين تحدثت إليهم إنه يريد الذهاب إلى أمريكا. يريدون البقاء قريبين من سوريا بقدر ما يستطيعون".

وأضافت بأن الولايات المتحدة أنفقت ما يقرب من 6 مليار دولار على الصراع السوري، وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تخفيف محنة ملايين المهجرين بسبب الحرب. وتابعت: "أخبرك من وجهة نظر إنسانية، كانت الولايات المتحدة مساهمًا كبيرًا في هذا الموقف. لكن أيضًا حين أتحدث مع اللاجئين، أجدهم يريدون العودة إلى وطنهم".

لكن الحرب السورية ما زالت بعيدة عن وصول خط النهاية ويظل ملايين السوريين عالقين في حالة من اللا يقين في المدن والمخيمات في تركيا ولبنان والأردن. أدى التدفق الهائل لهؤلاء اللاجئين على مر السنوات الماضية إلى استهلاك الموارد وتزايد غضب الحكومات المحلية والسكان. تعكر المزاج العام في تركيا التي لعبت قيادتها دورًا رئيسيًا في إيواء ودعم أربعة ملايين لاجئ سوري.

رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مرحلة ما بفكرة منح الجنسية التركية لمئات الآلاف من السوريين. والآن يريد هو وحكومته "من إخوتنا وأخواتنا السوريين أن يعودوا إلى بلدهم" كما قال في شباط/فبراير الماضي

أشار زميلي إرين كانينجهام في تقرير له صدر في وقت مبكر من هذا الشهر إلى "تصاعد العداء المحلي تجاه السوريين، وكذلك العنف ضد اللاجئين في المدن التركية الكبرى. يعتقد العديد من الأتراك أن السوريين يحصلون على معاملة تفضيلية في الخدمات العامة والدعم. وتخشى الأقليات العرقية والدينية كذلك من أن تدفق السوريين سيزعزع التوازن الديمغرافي ويتسبب في توترات طائفية".

رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مرحلة ما بفكرة منح الجنسية التركية لمئات الآلاف من السوريين. والآن يريد هو وحكومته "من إخوتنا وأخواتنا السوريين أن يعودوا إلى بلدهم" كما قال في شباط/فبراير الماضي. لكن إلى أين؟ إحدى الخطط المحتملة هي أن توطن أنقرة 350 ألف لاجئ سوري في عفرين، وهي منطقة معزولة تقع في شمال غرب سوريا سيطرت عليها القوات التركية مؤخرًا ومعها قوات المعارضة.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب ينسحب من الاتفاق العالمي للهجرة: "لا يناسب سياساتنا"!

لكن معظم السوريين في تركيا لا يرغبون في المشاركة في هذا التسكين الجبري، وأسس العديد منهم حياته في المدن التركية ويساهمون اليوم في اقتصاد البلاد. قال غاريث جنكيز، الباحث الرئيسي في "معهد دراسات آسيا الوسطى والقوقاز" لكانينجهام: "هناك أجيال أصغر سنًا بدأوا حياتهم هنا وبعضهم ولد هنا كلاجئ". بالنسبة لهم قد لا تصبح سوريا وطنهم الحقيقي مجددًا.

لقد فككت الحرب الكارثية في سوريا المجتمع السوري، و لن تكون إعادة جمعه مرة أخرى أمرًا هينًا. ويضاف إلى هذا التحدي الغياب التام للعمل الدولي الجماعي لإنهاء الحرب. وبدلًا من ذلك، تظل سوريا رقعة شطرنج للعبة إقليمية كبرى، حيث تقوم القوى الأجنبية بشن حروب بالوكالة في جميع أنحاء مقاطعتها المدمرة.

تبدو إدارة ترامب حريصة على جر دول عربية سنية أخرى في الشرق الأوسط لمواصلة مهمتها في سوريا

في دفاعها عن النظام السوري، نشرت إيران آلاف المقاتلين الشيعة الذين جندوا من دول مجاورة مثل أفغانستان وباكستان. جنبًا إلى جنب مع فصيل مشكل من أفراد روس، ليشكلوا فيلقًا أجنبيًا آخر يتدفق على البلاد التي مزقتها الحرب.

في هذه الأثناء، تبدو إدارة ترامب حريصة على جر دول عربية سنية أخرى في الشرق الأوسط لمواصلة مهمتها في سوريا. ووفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" فإن البيت الأبيض "يسعى إلى تجميع قوة عربية لتحل محل الوحدة العسكرية الأمريكية في سوريا والمساعدة في استقرار الجزء الشمالي الشرقي من البلاد بعد هزيمة داعش".

 ويكرر إريك برنس، رجل الأعمال الذي فشل في إقناع البيت الأبيض بالسماح له ببناء جيش من المرتزقة للقتال في أفغانستان، المحاولة الآن في في سوريا، وقال برنس لصحيفة ديون نيسينباوم: "يمكن أن تنتهي مهمة الولايات المتحدة في سوريا دون تكلفة لدافعي الضرائب، ودون وجود خطر على العاملين في الجيش الأمريكي". على أية حال، تبقى المخاطر التي يتعرض لها السوريون، والثمن الذي تواصل بلدهم دفعه من أجل حرب بلا نهاية، باهظ بشكل غير معقول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داعشية جديدة يقودها ترامب

السيسي يهنئ ترامب.. وعود وكيمياء متبادلة