07-فبراير-2025
كاريكاتير لـ نيلز بو بويسن/ الدنمارك

كاريكاتير لـ نيلز بو بويسن/ الدنمارك

أزعُمُ أنّ ما يُسمّيه ترامب بسياسة الضغوط القصوى هو المُعادل الموضوعي لما نسمّيه في العلوم السياسية بالابتزاز السياسي، والفرق شاسعٌ بين النّهجيْن.

في حين تقوم سياسة الضغط على توقيع عقوباتٍ بسبب تجاوزاتٍ ذاتِ تأثيرٍ سلبي على مصالح الدولة ضدّ كيانات أو حتى ضدّ دولٍ أخرى، فإنّ الابتزاز السياسي بخلاف ذلك يمتطي صهوة العقوبات القاسية لتحقيق أهداف لا ترتبط ضرورةً بتجاوزات أو انتهاكات.

ما هو مهمٌّ عندي هنا ليس تحريرَ الوصف المناسب للزوبعة التي أثارها ساكن البيت الأبيض الجديد، بمجرّد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، بل ما يهمني في هذا السياق أكثر هو تبيين أنّ هذا النمط من الفعل السياسي تحوّلَ إلى قاعدةٍ في سياسة ترامب الخارجية.

كان سلاح الرسوم الجمركية هو أمضى أسلحة ترامب، إذْ سارع إلى فرض رسوم على واردات الصين بنسبة 10%، وهو ما ردت عليه بكّين بفرض رسوم مماثلة "على وارداتها من النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة والشاحنات الصغيرة من الولايات المتحدة".

ما يُسمّيه دونالد ترامب بسياسة الضغوط القصوى هو المُعادل الموضوعي لما نسمّيه في العلوم السياسية بالابتزاز السياسيّ

كما طالت رسوم ترامب الجمركية المكسيك وكندا، لكن هذه المرة بنسبة 25% قبل أن يُعلّقها لمدة شهر نظرًا لقيام البلدين بتعزيز قواتهما على الحدود للتصدي لتسلل المهاجرين ودخول المخدرات إلى الولايات المتحدة. الأمر الذي يؤكد أنّ الهدف عند ترامب كان بالدرجة الأولى هو الهجرة، وليس معالجة عجز الميزان التجاري مع كندا أو غيرها من البلدان الأوروبية التي يهددها ترامب أيضا بفرض رسوم جمركية كبيرة على وارداتها إذا لم تُقبِل على شراء الطاقة الأميركية من النفط والغاز.

وغنيٌّ عن القول إنّ مسائل التجارة البينية، المستندة على منطق السوق الحرة، لا تعالَج بمنطق الإكراه والإرغام واستعداء الدول، بما فيها تلك الحليفة، فضلًا عن ذلك فإنّ سياسة الرسوم الجمركية المحبَّذة عند ترامب تُهدِّد بنشوب حربٍ تجارية قد تؤدي إلى واحدة من أبشع موجات التضخم والغلاء عالميًا.

في قضايا أخرى، طَرَح ترامب مقايضاتٍ من نوعٍ خاص، حيث هدّد بنما بالقوة العسكرية إذا لم تتخلّ عن قناتها التي يدّعي سيطرة الصين عليها، وبعدما أبدت بنما استعدادها لمراجعة شراكتها مع الصين بَدَأت لهجة ترامب تجاهها تخف تدريجيًا، ولم يَعُدْ سيناريو استخدام القوة العسكرية للاستحواذ على قناة بنما مطروحًا، ومن المرجّح أن يتكرر ذات السيناريو بشأن جزيرة غرينلاد التي يريد شراءها عنوةً، رغم رفض سلطاتها المحلية والدانمارك لذلك.

من الواضح أنّ ترامب يَضَع نُصب عينيه ـ في قضية جزيرة غرينلاند ـ  الفرص الواعدة اقتصاديًا في القطب الشمالي بما يدّخره من طاقة ومن ثروات معدنية كبيرة، وبتحوّله مستقبلًا إلى ممر حيوي بفعل الذوبان السريع للجليد، وقد بدأت روسيا والصين فعليًا بتعزيز وجودهما في المنطقة.

لم يكن الشرق الأوسط بمنأًى عن هذه السياسة الابتزازية، فمقترح ترامب بالاستيلاء على غزة وتهجير سكانها رغم الرفض الفلسطيني والعربي والدولي علامةٌ أخرى على نهجٍ سياسي يَقْفِز على المشاكل الفعلية بطرح بدائل لا واقعية أو مفرطة في العبثية السياسية، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أنّ ترامب الذي يُريد "امتلاك" غزة غير مستعدٍّ لدفع فلسٍ واحد في إعمارها، إذ سيترك تلك المهمة لمن سماهم بـ"شركائنا"، كما تخلّى أيضًا عن فكرة إرسال قوات أميركية إلى غزة.

وكان ترامب جدّد، أمس الخميس، مقترحه بشأن غزة، قائلًا إن الولايات المتحدة ستسْتلِمها من إسرائيل بعد نهاية الحرب، مضيفًا أن سكان القطاع سيعاد توطينهم "في مجتمعات أكثر أمانًا وستتاح لهم الفرصة للعيش بسعادة وأمان وحرية"، على حدّ قوله.

مردفًا أنه "سيتعاون مع فرقِ تطويرٍ من أنحاء العالم لبناء أعظم وأروع مشاريع التنمية على وجه الأرض في قطاع غزة". ولعلّ استدعاءه كلًّا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض، الأسبوع المقبل، يتنزّل ضمن هذا السياق، علمًا بأن القاهرة وعَمّان أعلنتا رفضهما القاطع لمشاريع توطين الغزّيين. فهل تستمرّان على ذات الموقف يا ترى؟