19-يوليو-2018

العداء الأمريكي لاتفاقيات الدفاع عن المناخ ليس جديدًا (Getty)

كان مشهد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ في العام الماضي، مثيرًا للجدل، فقد حرضت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وقتها  بقية زعماء دول العالم على ضرورة الاستمرار في دعم الكوكب الأم، بينما تجنب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، انتقاد الولايات المتحدة، فيما استمر زعماء آخرون في الهند واليابان وفرنسا في الاتفاقية، حتى أن الأخيرة، أعلنت عزمها العمل مع عدة ولايات أمريكية على القضية بغض النظر عن انسحاب ترامب، الذي كان ينفذ من خلال هذا الانسحاب، وعدًا من وعوده الانتخابية.

إن العداء الأمريكي لقضايا المناخ أقدم من ترامب ومن الدبلوماسية، إذ يمتد إلى التاريخ العسكري للبلاد

أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي يفضل العروض المسرحية السياسية، فقد قال وقتها في بيان نادر باللغة الإنجليزية: "لنجعل الكوكب عظيمًا مجددًا". فيما بدا المشهد العالمي رغم كل التوقعات مرتبكًا إلى حد كبير، في محاولة لتثبيت ما قد اتضح أنه تزعزع بعد انسحاب الولايات المتحدة. فقد نقلت وكالة رويترز، أن زعماء العالم تسارعوا على التأكيد على عدم انسحابهم من الاتفاقية، حتى أن جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، صرح قائلًا بلهجة حازمة: "لا تراجع عن التحول في مجال الطاقة. ولا تراجع عن اتفاقية باريس".

تعيين أندرو ويلر مديرًا لوكالة حماية البيئة.. لماذا يبدو قرارًا كارثيا؟

يملك الرجل ذو الملامح الصارمة والعينين الضيقتين، أندرو ويلر، الذي عينه ترامب مديرًا لوكالة حماية البيئة بعد استقالة سكوت برويت، ماضيًا مثيرًا للجدل.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يعني انسحاب أمريكا من اتفاق باريس للمناخ؟

كان أندرو ويلر حليفًا قويًا لصناعة الفحم والطاقة في الولايات المتحدة كما وصفته "إيه بي سي" نيوز الأمريكية، وفي الآونة الأخيرة، كان ويلر مديرًا لشركة الاستشارات Faegre Baker Daniels، حيث قام بتمثيل العديد من عملاء الوقود الأحفوري، بما في ذلك موراي إنيرجي، لصاحبها روبرت موراي واحد من أبرز المنتقدين لظاهرة الاهتمام بالاحتباس الحراري، وعلاقة الفحم به، قائلًا ذات مرة في أحد خطاباته في الكونغرس: "نحن ننتج منتجًا ضروريًا لمستوى معيشة كل أمريكي، لأن فحمنا ينتج 52% من الطاقة في أمريكا اليوم، وهو أقل تكلفة للطاقة. وبدون الفحم الضروري لتصنيع الكهرباء، لن تتنافس منتجاتنا في السوق العالمية ضد الدول الأجنبية، لأن مصنعينا يعتمدون على الفحم والكهرباء منخفضة التكلفة، إضافة إلى أن الناس بدخولهم الثابتة، لن يكونوا قادرين على دفع تكاليفهم الكهربائية. كل مشروع من مشاريع قوانين الاحتباس الحراري التي تم إدخالها إلى الكونغرس اليوم تقضي على صناعة الفحم وستزيد من معدلات الكهرباء لديك، بأربعة إلى خمسة أضعاف".

وبينما كان أندرو ويلر يقوم بممارسة الضغط لصالح شركة موراي إنيرجي، كانت الشركة تقاوم حدود انبعاث الزئبق وغيرها من انبعاثات محطات الطاقة السامة في عام 2014 وعام 2016. وقامت شركة موراي برفع دعوى قضائية لمنع وكالة حماية البيئة من تنظيم انبعاث الزئبق من محطات توليد الطاقة بموجب قانون الهواء النظيف!

وقال أندرو ويلر في مؤتمر صناعة الفحم عام 2016 مدافعًا عن صناعة الفحم، وعن حليفه موراي: "لم نشهد صناعة واحدة تحت الحصار من قبل العديد من الأنظمة المختلفة من العديد من الوكالات الفيدرالية المختلفة في وقت واحد. هذا غير مسبوق. لم يواجه أي شخص ذلك في تاريخ الأجندة التنظيمية".

خلال حرب فيتنام، تم استخدام تقنيات البذر السحابية، وكان الهدف منها إطالة أمد موسم الرياح الموسمية وعرقلة مسارات إمدادات العدو على طول المسار الجغرافي لهوشي منه

وحتى الآن، تمكن أندرو ويلر إلى حد كبير من الإفلات من التدقيق الصارم الذي أجبر على سحب بعض المعينين من ترامب، مثل مايكل دسورون، الذي أثرت علاقاته الوثيقة مع صناعة الفحم على ترشيحه للإشراف على السلامة الكيميائية في وكالة حماية البيئة، أو كاثلين هارتنت وايت، التي اشتعلت معها شكوكها الصارخة حول مصادر التغير المناخي، وسبق أن وصفت ذات يوم غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد غازات الدفيئة الرئيسية، بـ"غاز الحياة". وعلى النقيض من هؤلاء الزملاء، تمسك أندرو ويلر حتى الآن بتصريحات مقتضبة، مفادها أن التغير المناخي حقيقي، لكنه مع ذلك يقف مع انسحاب ترامب من اتفاقيات تغير المناخ العالمي.

و لكن هل كان انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ أمرًا مغايرًا لنهج الولايات المتحدة نفسها في مواجهة التحديات البيئية العالمية؟ أم أن استخدام الطقس في حد ذاته كان جزءًا من تكتيكات حربية استخدمها الجيش الأمريكي في حروب سابقة؟

حروب إيكولوجية.. أبعد من الدبلوماسية

قد تشكل تقنيات التعديل البيئي (ENMOD) للاستخدام العسكري، في سياق حرب عالمية، سلاح تدمير شامل. ونادرًا ما يُعترف في النقاش حول تغير المناخ العالمي أنه يمكن الآن تعديل الطقس العالمي كجزء من جيل جديد من الأسلحة الكهرومغناطيسية المتطورة.  حيث طورت كل من الولايات المتحدة وروسيا إمكانيات للتلاعب بالمناخ للاستخدام العسكري.

وقد تم تطبيق تقنيات التعديل البيئي من قبل الجيش الأمريكي لأكثر من نصف قرن. خاصة حين بدأ عالم الرياضيات الأمريكي جون فون نيومان، بالتنسيق مع وزارة الدفاع الأمريكية، بحثه حول تعديل الطقس في أواخر الأربعينات من القرن العشرين، في ذروة الحرب الباردة، وتوقع "أشكالٍا من الحروب المناخية لم تتخيل بعد".

تشكل تقنيات التعديل البيئي (ENMOD) للاستخدام العسكري، في سياق حرب عالمية، سلاح تدمير شامل

وخلال حرب فيتنام، تم استخدام تقنيات البذر السحابية، بدءًا من عام 1967 في إطار مشروع Project Popeye، وكان الهدف منها إطالة أمد موسم الرياح الموسمية وعرقلة مسارات إمدادات العدو على طول المسار الجغرافي لهوشي منه. وحسب ما ورد في موقع جلوبال ريسيرتش، فقد طور الجيش الأمريكي قدرات فائقة تمكنه بشكل انتقائي من تغيير أنماط الطقس. كانت هذه التقنية، التي تم تطويرها في البداية في التسعينيات في إطار برنامج الأبحاث المسمى (HAARP)، بمثابة ملحق لمبادرة الدفاع الاستراتيجي،  وقد كانت تعمل من الجو الخارجي وقادرة على زعزعة استقرار النظم الزراعية والإيكولوجية في جميع أنحاء العالم. وتم إلغاؤها رسميًا عام 2014.

اقرأ/ي أيضًا: أبرز 5 مخاطر تهدد العالم في 2018

في عام 1977، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اتفاقية دولية حظرت استخدام الأسلحة العسكرية أو غيرها من الأساليب العدائية لتعديل البيئة، والتي لها تأثيرات واسعة النطاق أو طويلة الأمد أو حادة، وفقًا لاتفاقية حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر، من تقنيات التعديل البيئي.

ويشير مصطلح "تقنيات التعديل البيئي"، حسب اتفاقية حظر استخدام تقنيات تعديل البيئة في جنيف، إلى أي أسلوب يهدف إلى التغيير من خلال التلاعب المتعمد في العمليات الطبيعية، في ديناميكيات أو تكوين أو بنية الأرض، بما في ذلك الكائنات الحية، أو الغلاف الصخري، أو الغلاف المائي والغلاف الجوي، أو الفضاء الخارجي.

ولا يتناول المحللون العسكريون والعلماء موضوع الاستخدام العسكري لتقنيات تعديل البيئة، بالمناقشة أو التحليل، حيث يعتبر من المحرمات الدولية، ولكن السياسة التي يتبعها ترامب تجاه ملف الاحتباس الحراري على وجه الخصوص، وسياسة العمل ضد المنظمات الأممية بشكل عام، تفتح الباب على مصرعيه لنوعية التوجه الذي تتبعه الساسية الرسمية الأمريكية تجاه البيئة والمناخ العالميين. ويرى من يؤكدون أن إدارة ترامب لا تعمل لصالح مناخ العالم ولا تأبه لما يجري في بيئته، أن هذه السياسات مجرد تتويج لإرث أمريكي قديم فقط لا أكثر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أمريكا أولًا.. ما أهم ملامح إستراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب؟

مرة ثانية.. أمريكا تنسحب من اليونسكو بسبب المال والانحياز إلى إسرائيل!