سياحة داخلية "ملتهبة" في المغرب.. أسعار لا تناسب المواطنين

تتزايد شكاوى المواطنين المغاربة من ارتفاع كبير في أسعار المنتوجات والخدمات السياحة، سواء على مستوى الاستهلاك اليومي المرتبط بالترفيه والطعام أو على مستوى الإيواء السياحي، في المدن الساحلية التي تستقطب عددًا مهمًا من السياح خلال ذروة العطلة الصيفية.

وعبّر الكثير من المواطنين، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم من هذه الأسعار وجودة الخدمات السياحية، التي لا تناسب قدرتهم الشرائية المُتدهورة، في وقت تتزايد فيه المقارنات مع عروض أرخص وأرقى في وجهات سياحية أخرى كإسبانيا وتركيا والبرتغال.

جشع وضعف استراتيجية

يرى العاملون في مجال حماية المستهلك أن ما يعيشه المواطن المغربي اليوم في الفضاءات السياحية لا يُبشر بالخير، بل يكشف عن اختلال عميق في السياسات العمومية. ويقول وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في تصريحه لـ"التر صوت: "نحن، في مجال حماية المستهلك، ندق ناقوس الخطر منذ سنوات، لأن الأسعار في المغرب باتت باهظة مقارنة بدول الجوار".

وعبّر الكثير من المواطنين، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم من هذه الأسعار وجودة الخدمات السياحية، التي لا تناسب قدرتهم الشرائية المُتدهورة

ويحمّل مديح المسؤولية لما وصفه بـ"الجشع"، إلى جانب "ضعف الاستراتيجيات الكفيلة بتمكين المغاربة من الاستفادة من ثروات بلادهم في المجال السياحي"، ما يدفع البعض ممن يمتلكون إمكانيات مادية إلى تفضيل وجهات أخرى، مثل إسبانيا والبرتغال وتركيا، الأمر الذي يحرم خزينة الدولة من موارد مالية مهمة.

تراجع في تحمّل النفقات
تُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية للإحصاء) قلقًا متزايدًا بشأن تدهور القدرة الشرائية للأسر المغربية خلال السنوات الأخيرة، وسط تشاؤم عام بخصوص قدرة هذه الأسر على ادخار مبالغ تساعدها على قضاء عطلتها الصيفية.

وتُظهر نتائج البحث الميداني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط خلال الربع الثاني من عام 2025، استمرار تدهور ثقة الأسر المغربية في أوضاعها المعيشية والمالية. فقد صرّحت 76.4 في المائة من الأسر بأن مستوى معيشتها تراجع خلال السنة الماضية، فيما أكدت 60.4 في المائة أنها تضطر إلى الاقتراض أو السحب من مدخراتها لتغطية نفقاتها.

وفي السياق ذاته، تكشف تقارير وزارة السياحة أن حصة المواطنين المغاربة من مجموع ليالي المبيت السياحي لم تتجاوز 30 في المائة خلال عام 2024، مقابل 34 في المائة سنة 2016، ما يعكس تراجعًا تدريجيًا في قدرة الأسر على تحمّل تكاليف السياحة الداخلية.

خلل بين العرض والطلب

يضع الخبير في قطاع السياحة، الزبير بوحوت، المشكل في سياقه البنيوي، موضحًا أن "ارتفاع الأسعار كل صيف ليس أمرًا طارئًا، بل نتيجة مباشرة لاختلال هيكلي في توازن العرض والطلب".

ويشرح بوحوت، في حديثه لـ"الترا صوت"، أن "الضغط على البنية التحتية السياحية يتضاعف خلال فصل الصيف بسبب التقاء ثلاثة أنواع من الطلب: السياحة الدولية، وعودة المغاربة المقيمين بالخارج، والسياحة الداخلية التي تتركّز أساسًا بين شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس".

غير أن العرض السياحي لا يواكب هذا الطلب، إذ يؤكد بوحوت أن "عدد الأسرة المصنفة فعليًا لا يتجاوز 200 ألف سرير، بينما تشمل الإحصائيات الرسمية حتى الفنادق المغلقة، مما يخلق صورة زائفة عن حجم العرض الحقيقي".

ويشدد الخبير ذاته على أن "ضعف القدرة الشرائية للمغاربة، إلى جانب الطابع العائلي لسفرهم، يفاقمان من التكاليف مقارنة بالسياح الأجانب، ما يستدعي إطلاق برامج استثمارية تُنتج عروضًا سياحية موجهة للمغاربة، تضمن التوازن بين الجودة والمردودية".

كما يشير الزبير بوحوت إلى أن "التجارب الرقمية التي ينشرها المسافرون تُعزّز المقارنة بين ما يُعرض في المغرب وما تقدمه دول مجاورة، حيث تتوفر طاقة استيعابية تفوق نظيرتها المغربية بأربعة أو خمسة أضعاف، إلى جانب تنوع أكبر في العروض الترفيهية وأسعار مناسبة لمختلف الشرائح الاجتماعية".