سوريا.. توحيد السلاح وإطلاق هيئات للمفقودين والضحايا
18 مايو 2025
سوريا.. توحيد السلاح وإطلاق هيئات للمفقودين والضحايا
أعلنت الحكومة السورية عن خطوات جديدة على الصعيدين العسكري والمؤسساتي، تمثّلت في دمج الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع، وتشكيل هيئتين وطنيتين مستقلتين تعنيان بملف المفقودين والعدالة الانتقالية.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، أمس السبت، دمج جميع الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع، مشيرًا إلى منح ما تبقى من المجموعات العسكرية الصغيرة مهلة مدتها عشرة أيام للالتحاق بالمؤسسة العسكرية الرسمية.
وقال أبو قصرة، في سلسلة من المنشورات على حسابه الشخصي عبر منصة "إكس"، إن وزارة الدفاع بدأت منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بالعمل على دمج الوحدات العسكرية في إطار مؤسساتي واحد، مضيفًا: "اليوم ننقل لشعبنا الكريم نبأ دمج كافة الوحدات ضمن وزارة الدفاع السورية".
وشدد أبو قصرة على ضرورة التحاق ما تبقى من المجموعات العسكرية الصغيرة بالوزارة، خلال مدة أقصاها 10 أيام تبدأ منذ تاريخ الإعلان، 17 أيار/مايو الجاري، وذلك "استكمالاً لجهود التوحيد والتنظيم"، مؤكدًا أن أي تأخير في هذا الصدد "سيستلزم اتخاذ الإجراءات المناسبة وفق القوانين المعمول بها".
وأوضح أبو قصرة أن هذه الخطوة لم تكن لتتحقق "لولا تضافر جهود الجميع"، معربًا عن شكره "لقادة وجنود الوحدات العسكرية على تعاونهم المثمر والتزامهم العالي، مستشعرين أهمية المرحلة ومتطلباتها".
وأشار إلى أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا التعاون بين القيادات العسكرية المختلفة، التي شاركت سابقًا في عمليات "ردع العدوان"، وتوافقت لاحقًا على حل نفسها والاندماج ضمن هيكلية الدولة، بعد اجتماعها بالرئيس السوري أحمد الشرع نهاية العام الماضي.
وأوضح مصدر عسكري لموقع "الترا سوريا" أن عملية الدمج لا تقتصر على حل الفصائل المسلحة، بل تشمل إعادة هيكلة تنظيمية شاملة تمتد لأشهر، تتضمن جردًا للأسلحة والآليات، وتوزيع المقاتلين على فيالق وفرق نظامية، إلى جانب دمج المجندين الجدد ضمن التشكيلات العسكرية. ولفت المصدر إلى أن تنفيذ هذه العملية يواجه تحديات لوجستية تتعلق باتساع الرقعة الجغرافية وانتشار الثكنات وكثرة عدد الفصائل، مؤكدًا أن المسميات الفصائلية ستتلاشى تدريجيًا مع استكمال الترتيبات الأمنية والعسكرية المطلوبة.
وفي موازاة خطوات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتوحيد البنية الأمنية، بدأت السلطات السورية باتخاذ إجراءات على المسار الحقوقي والمؤسساتي، تمثلت في إصدار مرسومين رئاسيين لتشكيل هيئتين مستقلتين تعنيان بملف المفقودين والعدالة الانتقالية، حملا الرقمين 19 و20، ووقعهما الرئيس السوري أحمد الشرع.
يقضي المرسوم الأول، الذي حمل الرقم 19، بتشكيل هيئة مستقلة باسم "الهيئة الوطنية للمفقودين"، استنادًا إلى الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، وأحكام الإعلان الدستوري، وحرصًا على كشف مصير آلاف المفقودين في سوريا وإنصاف ذويهم، وفقًا لما ورد في نص المرسوم الذي نشرته الرئاسة السورية عبر قناتها الرسمية على منصة "تلغرام".
وكُلّفت الهيئة، بحسب نص المرسوم، بالبحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرًا، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، إضافةً إلى تقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم. كما نص المرسوم على أن تتمتع الهيئة بـ"الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري"، وأن تمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية.
وعُيِّن محمد رضا جلخي رئيسًا للهيئة، ومُنح مهلة أقصاها 30 يومًا لتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي للهيئة وفق المرسوم. يُشار إلى أن جلخي شغل مناصب عدة بعد سقوط نظام الأسد، منها عضويته في مجلس الأمناء الجدد لـ"الأمانة السورية للتنمية"، التي تحول اسمها لاحقًا إلى "منظمة التنمية السورية"، وكذلك في اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري.
أما المرسوم الثاني، الذي حمل الرقم 20، فقد نص على تشكيل هيئة مستقلة باسم "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية"، وحدد مهامها في كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، إضافةً إلى تحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ مبادئ عدم التكرار.
ووفق نص المرسوم، فقد عُيِّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيسًا للهيئة، وكُلّف بتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي لها خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا. ونص المرسوم كذلك على أن تتمتع الهيئة بـ"الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري"، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية.
يُذكر أن إنشاء الهيئة يأتي استنادًا إلى الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، وأحكام الإعلان الدستوري، وانطلاقًا من الإيمان بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية بوصفها ركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وضمانًا لحقوق الضحايا، وتحقيقًا للمصالحة الوطنية الشاملة، وفقًا لما ورد في نص المرسوم.
تشير هذه الإجراءات إلى سعي الحكومة السورية نحو ضبط البنية العسكرية وتأسيس مسارات رسمية لمعالجة تركة الانتهاكات التي خلفها النظام السابق. لكن رغم تسارع الخطوات التشريعية والتنظيمية، تبقى القدرة على التنفيذ الميداني وضمان الاستقلالية الفعلية للمؤسسات المنشأة، ومعالجة ملفات حساسة كالمفقودين والعدالة الانتقالية، رهينة بتحديات سياسية ولوجستية واجتماعية لم تُحسم بعد.